الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

التعليق على الفصلين 36.37 من مجلة القانون الدولي الخاص

التعليق على الفصلين 36.37 من مجلة القانون الدولي الخاص


الــــــــمقدمة
      في العلاقات الدولية فانه إذا ما أشارت قاعدة الإسناد الى قانون القاضي أو الى القانون الأجنبي الذي يتعين بمقتضاها القانون الواجب التطبيق يتوجب عندئذ العمل بمقتضى  القانون الذي رسي الإسناد إليه لتطبيق قواعده الموضوعية ومع ذلك فان تطبيق القواعد الموضوعية للقانون المعين قد يصطدم واقعا بمانع يحول دون تطبيق هذا القانون لوجود مانع يدعو إلى استبعاده فموانع تطبيق القانون الأجنبي هيالدفع بالنظام العام والتحايل على القانون                                                                                                                        وهي هذا الإطار تعرض الفصلان           من مجلة القانون الدولي الخاص إلى الدفع بالنظام العام وهماالفصلان قيد التحليل والفصلان        يندرجان ضمن الباب الأول '' أحكام عامة تنازع القوانين ''من ''العنوان الخامس القانون المنطبق''                                                                                 
   والنظام العام في مجال القانون الدولي الخاص: هو مجموعة المبادئ الأساسية التي يرتكز إليها قاضي النزاع بهدف حماية الأمن العام والصحة العامة والآداب العامة داخل مجتمعه.                                     
   الدفع بالنظام العام هو ''عبارة عن أسلوب احتجاج يعبر من خلاله القاضي عن اعتراضه على تطبيق القانون الأجنبي الذي حددته قاعدة الإسناد على النزاع المشوب بالعنصر الأجنبي بسبب مخالفته للنظام العام في بلد القاضي.''
وتاريخيا فان اصل فكرة الدفع بالنظام العام يرجع إلى عهد نظرية الأحوال عندما لجأ الفقهاء مدرسة ألحواش اللاحقين في أوائل القرن الرابع عشر وعلى رأسهم الفقيه '' بارتول '' إلى التمييز بين القرائن الملائمة والقرائن البغيضة
وعلى المستوى النظري فأنه يثار التساؤل في هذا المجال مفاده وفق أي مفهوم يقدر القاضي مخالفة القانون لفكرة النظام العام
 وعلى المستوى العملي فانه تلعب فكرة الدفع بالنظام العام وفقا لمفهومه الحديث دورها كاملا كأداة لاستبعاد القانون الأجنبي إلي أشارت قاعدة الإسناد باختصاصه إذا ما تعارض تطبيقه مع الأسس الجوهرية في قانون القاضي
والفصلان       يتطرقان إلى موضوع هام يتمثل في الدفع بالنظام العام وأثاره
    لتحقيق أهداف هذه الدراسة ولخصوصية الموضوع من حيث الدفع بالنظام العام وأثره وتعارض القانون الواجب التطبيق مع النظام العام يتطلب منا بحث موضوع أثر النظام العام كمانع يحول دون تطبيق القانون الأجنبي يقتضي منا الاستعراض أولا إلى تدخل الدفع بالنظام العام في '' جزء أول'' ومن ثم بيان الآثار المترتبة عن الدفع بالنظام العام في ''جزء ثاني''

                1- تـــدخل الــــدفع بالـــنظام العام
    سندرس في البداية تعارض القانون الأجنبي مع النظام العام التونسي '' أ '' ثم سنتعرض إلى إقصاء النظام العام على أساس القرب '' ب ''

     - أ -  تعارض القانون الأجنبي مع النظام العام التونسي  

     نلاحظ أن الفصل    فقرة أولى يحدد نطاق تدخل آلية الدفع بالنظام العام '' لا يثير القاضي الدفع بالنظام العام إلا  ذا  كانت أحكام القانون الأجنبي المعين تتعارض مع الخيارات الأساسية للنظام القانوني التونسي ''
المشرع حصر نطاق تطبيق هذا الاستثناء لكونه الاستثناء إلي يؤدي تطبيقه إلى خرق فعليا لقاعدة التنازع وإقصاء تطبيق القانون المحدد من قبلها أو بالأحرى تصحيحه فقد أراد المشرع حصر وتضييق ميدان تدخل هذا الاستثناء نظرا إلى خطورة النتيجة التي يؤدي إليها وهي عادة ما تكون الإقصاء الكلي لتطبيق القانون الأجنبي
    وبالتالي جعله محدود في المخالفات والخيارات الأساسية للنظام القانون التونسي بالتالي فان مخالفة القانون الأجنبي للخيارات الأساسية تعد من العوامل الأساسية الدافعة لتطبيق آلية الدفع بالنظام العام
    وفي غياب تحديد مفهوم الخيارات الأساسية يمكن اعتماد تعريف أولي بكونها '' التوجهات الأساسية التي يتأسس عليها القانون مثل منع التطليق ومنع تعدد الزوجات'' وهذه التوجهات الأساسية ترسم حدود كل مادة فلنا ثلاثة خيارات أساسية في القانون الدولي الخاص التونسي
مجموعة أولى من القوانين تسعى لحماية الشخص في حد ذاته
مجموعة ثانية من القوانين تسعى إلى حماية أموال الشخص
مجموعة ثالثة من القوانين تسعى إلى لحماية تصرف أشخاص الالتزامات
    رأينا انه حسب الفصل      فقرة أولى أن العامل الأساسي لإثارة آلية الدفع بالنظام العام هو مخالفة القانون الأجنبي للنظام العام الأجنبي إلا أن هذا العامل في فترة زمنية سابقة لم يكن وحده كافيا للدفع بالنظام العام فقد كان مفعوله محدودا

    -ب – إقصاء النظام العام على أساس القرب  

     حسب فقه القضاء السابق لصدور المجلة فان معارضة القانون الأجنبي للقيم الوطنية لا يكفي للدفع بالنظام العام وإقصاء القانون الأجنبي وقد كان لاستثناء الدفع بالنظام العام طابع ذاتي بمعنى أخر انه للوصول إلى هذه النتيجة أي الدفع يجب أن تكون الوضعية المعنية  لها ارتباط وثيق بعنصر من عناصر القانون التونسي وذلك باشتراط وجود إما طرف تونسي في القصية أو إقامة تونسية
     بالتالي فان هذا التوجه يجعل من الاستثناء إلية مشروطة لوجود ارتباط شخصي
أدت هذه الاعتبارات إلى إقرار شق من الفقه لآلية نظام عام شخصي تهدف إلى الدفاع على مصالح المواطنين نظرا لجنسيتهم
     بالنسبة لهذا التوجه الذي سلكه فقه القضاء التونسي في اشتراك العنصر الذاتي لإثارة آلية الدفع بالنظام العام إلى جانب مخالفة القانون الأجنبي لنظام القانون التونسي فقد وضع لها حد بدخول مجلة القانون الدولي الخاص حيز التنفيذ فقد أجاب المشرع فقه القضاء السابق فيما يتعلق بمسائلة اشتراط العنصر الأتي لهذه الآلية وذلك بصفة صريحة ضمن الفقرة  الثانية و الثالثة من الفصل     '' ويثير القاضي الدفع بالنظام العام مهما كانت جنسية الأطراف  ولا يستبعد من القانون الأجنبي عند العمل بالنظام العام سوى الأحكام المخالفة للنظام العام في مفهوم القانون الدولي الخاص التونسي ''
نلاحظ أن المشرع من خلال الفقرة الثانية وسع من مجال تطبيق هذه الآلية وذلك بإقصاء الجنسية من نطاق تدخل آلية الدفع بالنظام العام وبالتالي لم يعد لها أي تأثير
وبالنسبة للفقرة الثالثة نلاحظ أن المشرع ألغى من خلالها فكرة التقارب التي تعتبر معيارا يساعد على إثارة الدفع بالنظام العام
بعد التعرض إلى تدخل الدفع النظام بالنظام العام فانه يستوجب منا التعرض إلى الآثار المترتبة عنه


      -2 – الآثار المترتبة على الدفع بالنظام العام

من الطبيعي أن الدفع بالنظام العام يرمي إلى إقصاء القانون الأجنبي وتعويضه بالقانون الوطني وهو الأثر العام  -أ- لكن هناك ماهو معروف بالأثر المخفف – ب –

      -أ- استبعاد تطبيق القانون الأجنبي

     تنص أحكام الفصل        فقرة ثالثة من مجلة القانون الدولي الخاص على انه '' لا يستبعد القانون الأجنبي عند العمل بالنظام العام سوى أحكامه المخالفة للنظام العام في مفهوم القانون الدولي الخاص''
فها النص يكرس الاتجاه السائد وهو أن إقصاء القانون الأجنبي لا يكون بصورة كلية فتدخل النظام العام يقتصر على الأحكام التي تتصادم مع الخيارات الأساسية للقانون التونسي وهذا الاتجاه يعد منطقيا لان تدخل النظام العام لا يرمي إلى الحكم على القانون الأجنبي بأكمله بل على إحكامه المخالفة للخيارات الأساسية لقانون الوطني
    هذا الإقصاء الجزئي للقانون الأجنبي يعتبر منسجما ومتماشيا مع الصبغة الاستثنائية لآلية الدفع بالنظام العام وللفصل     والقاعدة العامة مفادها أن الاستثناء لا يمكن التوسع فيه وألا سيكون ذلك خطيرا على قاعدة التنازع  بصفة عامة وعلى التحليل ألتنازعي بصفة خاصة
و عند إقصاء القانون الأجنبي فانه يقع تطبيق القانون الوطني ولذا فقد أقرت أحكام الفصل      فقرة رابعة أن القاضي يطبق أحكام القانون التونسي بدلا عن أحكام القانون الأجنبي التي استبعد تطبيقها
إضافة إلى استبعاد تطبيق القانون الأجنبي وتعويضه بالقانون الوطني كأثر للدفع بالنظام العام فان الأثر الأخر يتمثل في الأثر المخفف

     -ب – الأثــــر الـــمخفف:

تنص أحكام الفصل     من مجلة القانون الدولي الخاص على انه '' يتم الاعتراف بالبلاد التونسية بآثار وضعيات نشأت بصفة شرعية بالخارج وفق القانون الذي حددته قاعدة التنازع التونسية ما لم تكن هذه الآثار ذاتها متعارضة مع النظام العام الدولي التونسي''.
هذا النص يكرس حرفيا ما جاء بالقرار الصادر عن محكمة التعقيب الفرنسية في القرار الشهير''Riviere''
يختلف اثر الدفع بالنظام العام بحسب ما إذا تعلق الأمر بإنشاء مركز قانوني في بلد القاضي أو المتمسك في يلد القاضي بمركز قانوني نشا في الخارج  ذلك أن الشعور العام في دولة القاضي لا يتأثر إزاء مركز أو علاقة تكونت في الخارج ويراد الاعتراف ببعض أثارها في هذه الدولة بنفس القدر الذي يتأثر به إذا ما أريد إنشاء نفس المركز أو العلاقة داخل إقليم دولة القاضي                                                                       
مثال ذلك أن يثار أمام القاضي الفرنسي نزاع حول نفقة زوجية تطالب بها الزوجة الثانية لزوج مسلم بالطيع بعد إنشاء الزواج الثاني لأول مرة في فرنسا أمرا مخالفا للنظام العام الفرنسي ويستلزم الحكم ببطلانه ولكن إذا كان هذا الزواج الثاني قد ابرم خارج فرنسا فان مجرد امتداد أثاره إلى فرنسا لن يخدش الشعور العام بنفس الدرجة                                                                                                                    
ويفسر الأثر المخفف للنظم العام في هذه الأمثلة بضرورة احترام الحقوق التي تم اكتسابها بطريقة صحيحة في الخارج وفقا لقانون أجنبي                                                                                               

عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية