الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

شروط و معاقبة المشاركة

     شـــروط المشاركــة   




تعتبــر المشاركـة الجنائيـة النشاط الذي يرتبط بالفعل الإجرامي ونتيجته برابطة سببية دون أن يتضمن تنفيذا للجريمة أو قياما بدور رئيسي في ارتكابهـا وبما أن لسلوك الفاعل الأصلي صفته الإجرامية الكامنة فيه ينطبق عليه العقاب المكون للجريمة المقترفة من قبله، لذلك فإن سلوك الشريك يفترض نشاطا لا يجرمه القــانون لذاته ولكنه يستمد صفته الإجرامية بصلته بالمشروع الإجرامي الذي يرتكبه الفاعل الأصلي وبالتالــي لا تقوم المشاركة إلا بوجود فعل أصلي معاقب عنه قانونا (الفصل الأول) ولا يســأل الشريك عن الجريمة إلا إذا كانت مســاهمته فيها عن طريق إحدى الوســـائل التي يحددها القانون بصفة صريحة (الفصل الثاني).

الفصل الأول : وجود فعل أصلي معاقب عنه

تفيـد نظريـة المشاركـة أن اكتساب الشريك الصفة الغير مشروعة رهينة ارتكاب الفاعل الأصلي فعلا غير مشروع يعاقب عنه القانون عند اقترافه، فبمجرد ارتباط بين فعل المشاركة والجريمة تعمل نظريـة المشاركـة آثارها (مبحث1) على أنه لا يمكن لكل الجرائم أن تعير إجرامها لفعل الشريك بل يجب أن يكون الفعل الأصلي المعاقب عنه ذو طبيعة خاصة حدد القانون إمكانية ارتباط فعل المشاركـة بـه (مبحث 2) .
          
المبحث 1: ارتباط المشاركة بفعلة أصلية


لا تقوم المشاركة إلا إذا استندت إلى فعل أصلي ولا يكفي أن يصدر عن الشريك فعل من أفعال المشاركة المحددة قانونا وإنما يجب أن يرتبط هذا الفعل الأخير بفعل أصلي معاقب عليه فإذا لم يوجد مبدئيا فعل أصلي يستوجب العقاب قانونا لا يمكن تصور وجود مساهمة جنائية وذلك تأسيسا على اعتبار سلوك الشريك في حد ذاته سلوكا مشروعا ولا يفتقد صفة المشروعية عنه إلا عند ارتباطه بفعل أصلي معاقب عنه فيتحول إلى سلوك غير مشروع نتيجة ارتباطه بالفعل الأصلي لذلك كان من اللازم المعاقبة على الفعل الأصلي ليمكن تتبع الشريك و مساءلته جزائيا، بحيث يعد وجود الفعل الأصلي المعاقب عنه شرطا ضروريا لمؤاخذة الشريك جزائيا وللأعمال نظرية المشاركة أثارها ( فقرة 1 ) بشكل يبقى معه هذا الشرط كافيا لقيام المشاركة حتى في صورة عدم تتبع الفاعل الأصلي (فقرة 2).


الفقرة الأولى: زجر الفعل الأصلي شرط ضروري لتتبع الشريك

يعتبر جانب من الفقه أن الحديث عن المشاركة دون وجود فعلة أصلية معاقب عليها يصبح حديثا لا معنى له (وهو رأي استقر عليه فقه القضاء إذ يعتبره بمثابة مبدأ عام مفاده عدم إمكانية تتبع المشاركين إلا بوجود فعل أصلي مستوجب للعقاب ،لهذا يجدر التساؤل عن فحوى ذلك الفعل الأصلي المعاقب عنه باعتباره المبدأ الذي لا مناص منه لزجر المشاركة (أ) إذ لا يمكن تصور المشاركة دونه إلا أنه قد ترد على هذا المبدأ بعض الاستثناءات في القانون التونسي (ب) .

أ‌-   المبـــــدأ :

يعد الفعل الأصلي معاقب عليها ذا كان يخضع لنص التجريم ولم يكن في ذات الوقت خاضعا لسبب من أسباب الإباحة ، ولا تتوفر شروط المشاركة إلا إذا ثبت خضوع نشاط الفاعل الأصلي لنص التجريم واكتسابه الصفة الغير مشروعة وامتداد تلك الصفة إلى نشاط الشريك تبعا لنظرية استعارة التجريم (2) .
 غير أن المشرع التونسي لم ينص على هذا الشرط صلب المجلة الجزائية بل تم التنصيص عليها ضمنيا صلب الفصل 32 من المجلة الذي اقتضى أنه :"يعد ويعاقب بصفة شريك " بما ينفي إمكان تصور فعل المشاركة بمعزل عن فعل أصلي تم ارتكابه فلا يمكن الحديث عن المشاركة إذا ارتبط  فعل الشريك بفعل أصلي لا يشكل سوى عمل تحضيري لاقتراف جريمة معينة وتوقف الفاعل الأصلي من تلقاء نفسه عند ذلك العمل لان الفعلة الأصلية غير معاقب عنها وبالتالي لا وجود لجريمة ولكن إذا جرم القانون الأعمال التمهيدية وجعل منها جريمة قائمة الذات ومستقلة عن الجريمة التي كان يحضر لها ف‘ن من يساهم في تحقيق تلك الأفعال يسأل عن الجريمة التي تقوم به، فإذا تجاوز الفاعل الأصلي مرحلة الأعمال التحضيرية إلى مرحلة الشروع في التنفيذ وكان الشروع معاقب عنه حسب القانون فإن المشاركة تصبح بذلك موجبة للعقاب ،كما يكون الفعل الأصلي غير معاقب عنه عندما تنقرض في شأنه الدعوى العمومية بمرور الزمن وهو ما يؤثر  على الجريمة فيجردها من الدعوى العامة وينزع عنها إمكانية العقاب ويمتد الأثر إلى الشريك، وكذلك الأمر إذا صدر قانون يقر عفوا عاما يمحو الصفة الغير مشروعة للفعلة وبالتالي ينتفع الشريك من  العفو العام  .
وحيث انه وان كان من المسلم به إمكانية وجود مشاركة في المحاولة فإنه من غير الممكن تصور محاولة في المشاركة  ولذلك وجب التفريق بين قاعدة لا محاولة في المشاركة  وقاعدة إمكانية المشاركة في المحاولة لارتباط المشاركة في الحالة الأخيرة بواقعة إجرامية تتمثل في أن الجريمة لم تقع بتمامها بل وقفت عند حد الشروع فيها دون إرادة الفاعل الأصلي وبما أن المحاولة معاقب عنها في الجنايات وفي بعض الجنح التي حددها القانون بصفة صريحة فإن أفعال المشاركة تستمد إجرامها من الإجرام الكامن في الشروع في اقتراف الجريمة .
غير أنه بالنسبة لبعض الفقهاء فإن المشاركة في المشاركة تسمى المشاركة الغير مباشرة وهي غير معاقب عليها قانونا(3) .
ويعتبر الفاعل الأصلي غير معاقب عليه إذا شرع الفاعل الأصلي في تنفيذ جريمته بإيعاز من الشريك الذي ينتظر مصلحة خاصة من تنفيذ الجريمة ويعدل الأول تلقائيا عن إتمامها وتبعا لذلك يفلت الشريك من العقاب لعدم وجود فعل أصلي معاقب عليه.
وقد تبنى فقه القضاء التونسي اتجاها مغايرا، إذ اعتبرت محكمة التعقيب في أحد قراراتها بأن: "الحكم الجناحي القاضي بعقاب الجاني لارتكابه جريمة محاولة المشاركة في الفرار بامرأة صحيح قانونا ولا يستوجب النقض" .
غير أن الأخذ بمبدأ عدم إمكان معاقبة الشريك إلا إذا كان فعله مرتبطا بفعلة أصلية مستوجبة للعقاب لا ينفي خضوعه لبعض الاستثناءات .

ب – الاستثنـــــاءات :

تتسم الاستثناءات التي ترد على المبدأ العام الذي يقتضي ارتباط المشاركة بفعلة أصلية موجبة للعقاب قانونا بندرتها في القانون التونسي إذ يقتصر على بعض الأمثلة كحالة المشاركة في الانتحار (1) ومسألة المشاركة في سرقة الأصل لفرعه (2) وحالة مشاركة أقارب مسجون فار على إخفائه(3) .

1-    المشاركــة في الانتحــار :

تنتفي الفعلة الأصلية الموجبة للعقاب في الانتحار باعتباره غير مجرم قانونا وتبعا لذلك فالمساهمة بعمل من أعمال المشاركة كإعانة الفاعل الأصلي على وضع حد لحياته أو تحريضه على قتل نفسه أو إمداده ببعض الوسائل التي تساعد على إزهاق روحه فإن تلك الأعمال لا يمكن اعتبارها من أعمال المشاركة الموجبة للعقاب لان العقاب لا يخضع لنص التجريم فالفصل 206 من المجلة الجزائية جرم الإعانة القصدية على الانتحار وتبعا لذلك فان العقاب لا يكون على أساس المشاركة وإنما على أساس جريمة قائمة الذات .

2-    المشاركة في سرقة الأصل لفرعه :

بنص الفصل 266 من المجلة الجزائية : " لا تعد من السرقة الاختلاسات الواقعة من الوالدين فما فوقهما لأمتعة أبنائهم إلا إذا كان المسروق بعضه ملكا للغير أو معرقلا وهـذا النص لا ينطبق على غير الوالدين الفاعلين أو المشاركين " .
وقد ورد الاستثناء صلب الفصل 258 الذي اقتضى أن: "من يختلس شيئا ليس له يصير مرتكبا للسرقة ويلحق بالسرقة اختلاس الانتفاع بما هو ممنوح للغير من ... ".

3-     مشاركة أقارب مسجون فار على إخفائه :

ينص الفصل 149 من المجلة الجزائية على أنه :" يعاقب بالسجن مدة عام الإنسان الذي لم يكن من والي المسجون الفار من أي طبقة ولا من ذريته ولا زوجا ولا زوجة له يخفيه أو يعين على إخفائه" .

فقرة 2: تجريم الفعلة الأصلية شرط كاف لتتبع الشريك

إن مساءلة الشريك عن أفعاله لا تستوجب تتبع الفاعل الأصلي ومعاقبته فعلا بل يكفي أنه ساهم في ارتكاب هذا الأخير لفعلة معاقب عنها جزائيا فلا يهم أن يقع عقاب الفاعل الأصلي الذي يمكن أن يفلت من العقاب إما لأسباب وواقعية يترتب عنها استقلال الشريك عن الفاعل الأصلي في المسؤولية الجزائية أو لأسباب قانونية ينجم عنها استقلال الشريك عن الفاعل الأصلي .

أ‌-  استقلال الشريك عن الفاعل الأصلي من حيث المسؤولية الجزائية :

إذا ارتكب الفاعل الأصلي جريمة أمكن الشريك استعارة الصبغة الإجرامية من فعله ويصبح نتيجة لذلك فعل الشريك مجرما بالتبعية وليس لعقاب الفاعل الأصلي من عدمه تأثير على مسؤولية الشريك الجزائية، فعدم مؤاخذة الفاعل الأصلي_ نتيجة لصغر سنه طبقا لمقتضيات الفصل 38 من المجلة الجزائية أو جنونه أو عند انتفاء القصد الجنائي لديه(4) طبقا للأحكام الفصل 37 من نفس المجلة_ لا يمنع من مؤاخذة الشريك رغم عدم معاقبة الفاعل الأصلي (5) فاستقلالية الشريك عن الفاعل الأصلي لا تبرز فقط على مستوى تحديد أركان المسؤولية الجزائية تتجاوزه لتكريس استقلاليته على مستوى التتبع الجزائي.

ب _ استقلال الشريك عن الفاعل الأصلي من حيث التتبع الجزائي :

إذا ثبت توفر الصفة الغير مشروعة لنشاط الفاعل الأصلي يتكون الركن الجوهري للمشاركة ويصبح بذلك الشريك مسؤولا جزائيا عن نشاطه الإجرامي ويستحق العقاب الذي يقرره القانون دون أن يكون مرتبطا بمآل التتبعات المثارة ضد الفاعل الأصلي .
 فقد يعاقب الشريك دون الفاعل الأصلي الذي يفلت من العقاب لأسباب واقعية منها إمكانية عدم تتبعه  أو لعدة أسباب قانونية كوفاته (6) أو من جراء إيقاف التتبع أو العقوبة تجاهه أو نتيجة لتمتعه بحصانة قضائية أو لأنه حصل على حكم جزائي قضى بالبراءة لصالحه لأسباب شخصية وكذلك عدم تتبع الفاعل الأصلي لكونه مجهول الهوية و تحصن الفاعل الأصلي بالفرار ، عدم تتبعه من قبل النيابة العمومية مثلما نص عليه الفصل 30 من م ج وكذلك وفاة الفاعل الأصلي حسبما اقتضاه الفصل 4 منن م ج وحجية الحكم الجزائي .

المبحث الثاني : طبيعة الفعل الأصلي المعاقب عليه

إذا كان عقاب الشريك مرتبطا بمدى وجود فعل أصلي معاقب عنه أمر الجدال فيه فإن ضرورة اتصاف ذلك الفعل الأصلي بصفة الجناية أو الجنحة هو المبدأ في القانون التونسي لكن هذا المبدأ قد يتم الحياد عنه عندما تتم مساءلة الشريك عن مساهمته في ارتكاب مخالفة .

الفقرة 1: قيـــام المبـــدأ

 لا يعاقب الشريك إلا إذا اقترن فعله بفعل أصلي له صفة جناية أو جنحة

أ – الأســـاس القانونـــي :

لم ينص المشرع صراحة بالفصول المنظمة لنظرية المشاركة على وجوب اتصاف الفعلة الأصلية بوصف الجناية أو الجنحة حتى يمكن معاقبة الشريك فيها على خلاف المشرع الفرنسي (7) لكنه مبدأ قائم يمكن استخلاصه من التأويل العكسي المنصوص عليه صلب الفصل 35 من المجلة الجزائية الذي اقتضى أنه: " المشاركة لا يترتب عليها عقاب في الصور المنصوص عليها بالكتاب الثالث من هذا القانون" ويعني بذلك المخالفات، وبالتالي فان إقصاء المشرع المخالفات من مبدأ المشاركة بصفة صريحة دليل على أنه أقرها في غيرها من الجرائم ونعني بذلك الجنــح والجنايــات 
كما أقر المشرع التونسي ذلك صراحة في بعض القوانين الخاصة من ذلك الفصل 21 من مجلة الصحافة الذي نص على أنه : "يعاقب كمشارك في ارتكاب ما يمكن أن ينعت بجريمة أو جنحة ".
لقد تم تعريف الجنحة والجناية صلب الفصل 122 من م ج الذي نص على أنه : "توصف جنايات على معنى هذا القانون الجرائم التي تستوجب عقابا بالقتل أو بالسجن لمدة تتجاوز خمسة أعوام وتوصف بجنح الجرائم التي تستوجب عقابا بالسجن تتجاوز مدته 15 يوما ولا تفوق 5 أعوام أو بالخطية التي تتجاوز 60 دينارا ".
كم جاء بالفصل 14 من نفس المجلة أنه : " العقاب بالسجن يحكم به لمدة خمسة أعوام لما تعتبر الجريمة جناية حسبما جاء بالفصل الأول من قانون المرافعات الجزائية ويحكم به لمدة لا تقل عن ستة عشر يوما إن تكونت من الجريمة جنحة ...  " .
ويتضح من كل ما سبق بيانه أن المشاركة في الجريمة يجب أن تقترن بفعلة تصنف من قبيل الجنح أو الجنايات التي تم تعريفها طبقا للأحكام المجلة الجزائية .
فما هي التبريرات التي اعتمدها المشرع التونسي لإقصاء المخالفات من ميدان المشاركة .

ب -  تبريـــرات المبدأ :

أقصى المشرع التونسي المخالفات من ميدان المشاركة صراحة صلب الفصل 35 من المجلة الجزائية وهو نفس الاتجاه الذي سلكه المشرع الفرنسي وذلك لعدة اعتبارات من أهمها أن المخالفات هي من الجرائم القليلة الأهمية والتافهة والتي لا يتجاوز عقابها 15 يوما أو 60 دينارا خطية .
إلى جانب وجود فعل أصلي معاقب عنه قانونا فإن المشاركة تقوم على أساس انضمام المشارك إلى المشروع الإجرامي للفاعل الأصلي .

الفصل الثاني: وجود فعل مشاركة

يضاف إلى الركن الشرعي للمشاركة والمتمثل في وجود فعل أصلي معاقب عنه ،فإن المشاركة(8) تستوجب توفر ركن مادي لتحقيقها (مبحث1) بتخلفه تنتفي المشاركة ذاتها استنادا على أنه من المبادئ الأساسية في التشريع الجنائي الحديث أنه لا قيام للمسؤولية الجزائية إلا إذا صدر عن المجرم نشاط مادي له آثاره الملموسة ويجب على الشريك أن يكون قد قصد المساهمة في جريمة الفاعل الأصلي (مبحث2) . .
المبحث1: الركن المادي للمشاركة

لكي تتم معاقبة الشريك من أجل الأفعال الصادرة عنه لابد وأن تكون تلك الأفعال ذات طبيعة إيجابية تترجم عن نشاط مادي صادر عنه وأن تأخذ أفعال الشريك صورة من إحدى الصور المادية التي نص عليها القانون لأنه ساهم في إيقاعها وحدوث النتيجة الإجرامية وهنا تبرز أهمية العلاقة السببية بين الفعل الأصلي المعاقب عنه وفعل الشريك وبانتفائها ينتفي الركن المادي للمشاركة وتنعدم مسؤولية الشريك .

فقرة أولى: ارتكاب الشريك لفعل إيجابي
لكي يؤاخذ الشريك جزائيـــا يشترط أن يرتكب الشريــك فعلا إيجابيـــا .

أ_مبدأ ارتكاب الشريك لفعل ايجابي:
لم ينص المشرع التونسي صراحة على هذا المبدأ صلب المجلة الجزائية ولكن يمكن استنتاجه من خلال الفصل 32 من المجلة الجزائية الذي نص على أنـــه:

 " يعد ويعاقب مشارك:
أولا:  الأشخاص الذين أرشدوا لإيقاع الجرائم أو تسببوا في إيقاعها بعطايا أو مواعيد أو تهديدات أو تجاوز في السلطة  أو خزعبلات أو حيل خبيثة .

ثانيا: الأشخاص مع علمهم بالمقصد المراد الحصول عليه أعانوا على إيقاعه بأسلحة أو آلات أو غير ذلك من الوسائل للاستعانة بها على الفعل .

ثالثا: الأشخاص الذين مع علمهم بالمقصد المذكور أعانوا فاعل الجريمة على الأعمال الاستعدادية أو المسهلة لإيقاعها أو على الأعمال التي وقعت بها الجريمة بالفعل بدون أن يمنع ذلك من العقوبات الخصوصية المقررة بهذا القانون لمرتكبي المؤامرة أو لمستجلبي ما فيه خطر على أمن الدولة الداخلي والخارجي ولو في صورة عدم وقوع الجريمة التي كانت مقصد الداعين إليها أو المتآمرين على إيقاعها أو استجلابها بالفعل .

رابعا:   الأشخاص الذين يعينون المجرمين عمدا بإخفاء المسروق أو غيره من الوسائل الموصلة لاستفادة المجرمين أو لعدم عقاب مرتكبي الجريمة .
خامسا الأشخاص الذين مع علمهم بسوء سيرة المجرمين المتعاطين لقطع الطريق أو الاعتداء على أمن الدولة أو السلم العام أو على الذوات أو على الأملاك ويعتادون بإعداد محل لسكنى المجرمين أو لاختفائهم أو لاجتماعهم ".
يتبين من أحكام الفصل 32 من م ج أن القانون الوضعي التونسي لا يعاقب على جرائم الامتناع وإنما يعاقب فقط على الأفعال الايجابية المكونة لجريمة المشاركة.

القبول الاستثنائي للاشتراك بالامتناع:

يترتب عن العمل بمبدأ عدم معاقبة المشاركة الناتجة عن أفعال سلبية بصفة مطلقة نتائج غير منطقية تؤدي للإضرار بالنظام الاجتماعي وبالأخلاق التي يفترض تواجدها في كل تكتل ايجابي أو سلبي أو محايد .

فقرة 2: القيام بفعل من أفعال المشاركة

للإجابة عن هذه الفقرة نتساءل هل أورد المشرع التونسي أفعال المشاركة على سيبل الذكر أو على سبيل الحصر؟ .
بالرجوع إلى الفصل 32 من المجلة الجزائية يتضح أن المشرع التونسي حصر أفعال المشاركة في شكل 5 فقرات يمكن تبويبها باعتماد معيار زمني إلى ثلاث صور تتمثل الأولى في أعمال المشاركة التي تسبق وقوع الجريمة (1).
 ثم أفعال المشاركة المتزامنة مع تنفيذ الركن المادي للجريمة (2) وأخيرا المشاركة اللاحقة للجريمة (3) لذلك وجب على القاضي أن يحدد الأفعال التي يقوم بها الركن المادي للمشاركة لكي تكون المرجع في تجريمها القانوني .

 1- المشاركـة السابقــة للجريمــة:
تتمثل هذه الأفعال في الإرشاد، التسبب في إيقاع الجريمة أو التحريض عليها، الإعانة على الأعمال التحضيرية للجريمة، فالمشارك الذي يقوم بدور تحريضي يؤثر على الفاعل الأصلي لاقتراف جريمته سواء بهدية أو وعد أو وعيد أو استعمال حيل أو نفوذ وبالتالي فإن مجرد  التحريض في المشاركة لا يعاقب عليه لذاته إذ لم يشفع بوسيلة من تلك الوسائل المذكورة الفقرة 1 من الفصل 32 من م ج (09) .
 أما بالنسبة للمشاركة بإعانة الفاعل بتوفير الوسائل لاقتراف الجريمة المنصوص عليها بالفقرة 2 من نفس الفصل وفي هذه الحالة يتولى المشارك عن دراية توفير الأعمال التحضيرية لتنفيذ للجريمة كأن يتولى المشارك إعداد منزل لارتكاب جريمة إجهاض  .
 لقد نصت الفقرة الثالثة من الفصل 32 من م ج على أنه يعد مشاركا ويعاقب بناء على ذلك الأشخاص الذين سهلوا للفاعل تنفيذ جريمته وذلك بالأعمال الاستعدادية .

و يستخلص من ذلك أن المشرع يعد من قبيل المشاركة كل معاونة على ارتكاب الجريمة مهما كان شكلها أو طبيعتها ومن شأن هذه الإعانة أن تهيئ أو تسهل أو تساعد الفاعل على إتمام جريمته، وقد تكون هذه المساعدة مادية كأن يقدم المشارك للفاعل الأسلحة اللازمة وهذا الفعل هو  يهيئ للارتكاب الجريمة وبالتالي تمثل مشاركة سابق للجريمة

2-       المشاركــة المتزامــنة للجريمــة:

يوجد فارق زمني تتحقق والفاعل الأصلي في المراحل الأخيرة لتنفيذ الجريمة وتحقيق النتيجة الإجرامية،  والتي تمكن من تحقيق الفعل المادي للجريمة فالمساعدة تتحقق في الأعمال المسهلة والفاعل لا يزال في المراحل التنفيذية الأولى وتهدف إلى تمكينه من الاستمرار في تنفيذ جريمته في حين أن المساعدة المتممة تتحقق والفعل في المراحل الأخيرة لتنفيذ الجريمة والتي تمكنه من تحقيق الفعل المادي للجريمة، ومثال ذلك أن يترك الخادم باب المنزل مفتوحا أو كأن يسخر أحدهم للفاعل الأصلي لنقل الأثاث المسروق .

3-       المشاركــة اللاحقـــة للجريمـــــة :
إن المشاركة اللاحقة تفترض أن الفعل التنفيذي للجريمة يكون في مرحلته الأخيرة  وعلى وشك إتمامه فإذا أتم الفاعل الفعل المادي للجريمة وانتفت الرابطة السببية بين الفعل المكون للمشاركة اللاحقة والركن المادي للجريمة فلا يمكن القول بوجود مشاركة وهو ما ذهبت إليه فقه قضاء محكمة التعقيب (10) .
لقد عدد المشرع التونسي الأفعال اللاحقة للجريمة والمتصلة بها وذلك في الفقرتين 4 و5 من الفصل 32 من م ج وقد كرست محكمة التعقيب هذا في إحدى قراراتها التعقيبية الجزائية عدد 6669 بتاريخ 14 جويلية 1969  التي نصت على أنه : "يتضح من نص الفقرة الرابعة من الفصل 32 من المجلة الجنائية المتعلقة بجريمة المشاركة اللاحقة في السرقة أن المشرع التونسي لم يجعل من تعمد إخفاء المسروق جريمة مستقلة بذاتها وإنما اعتبرها بصريح العبارة من باب المشاركة في الجريمة الأصلية التي تقوم أصالة على الاستفادة من جريمة أو التفصي منها "
لقد خالف المشرع التونسي بهذا الاتجاه لهذا النوع من المشاركة مع الموقف الفقهي  وخاصة نظيره الفرنسي الذي نص على أن إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة وإخفاء المجرمين أو تمكينهم من الفرار أو مساعدتهم عليه جرائم مستقلة وقائمة بذاتها وهو نفس الموقف الذي تبناه المشرع المصري والعراقي والسوداني  .


فقرة 3: العلاقة السببية بين فعل المشاركة والجريمة الأصلية

يشترط للمساءلة والمؤاخذة الجزائية  أن يكون فعل الشريك قد ساهم في إيقاع الجريمة ولذلك لا يمكن أن تتوفر عناصر المشاركة بمجرد صدور فعل من أفعال المشاركة من الشريك بل يجب أن تقع جريمة معينة فترتبط نتيجتها fسلوك الشريك برابطة سببية وعند انتفاء تلك الرابطة نستخلص عدة نتائج أساسها أن نشاط الشريك يكون بمنأى عن العقاب لان الجريمة تكون قد وقعت بمعزل عن فعله وهو ما يمثل معيار تكافؤ الأسباب وبالتالي التضييق من دائرة الأفعال التي توصف بكونها أفعال مشاركة تتسبب في نتيجة إجرامية.
إذ قد يعفى الشريك من العقاب عند غياب علاقة سببية بين فعله وبين الجريمة المرتكبة وبالتالي تنتج عن غياب هذه العلاقة السببية حالة المشاركة في المشاركة ووضعية المحاولة في المشاركة .
غير أن المشرع التونسي لم يشترط وود علاقة سببية مباشرة بين فعل الشريك والجريمة المرتكبة بل علاقة سببية مهما كان نوعها بين فعل من أفعال المشاركة وبين الفعل المعاقب عنه قانونا الصادر ن الفاعل الأصلي (11).
يضاف إلى وجوب توفر الركن المادي للمشاركة وجوب توفر الركن المعنوي للمشاركة.

المبحث الثاني: الركن المعنوي للمشاركة

يجب أن تتوفر في فعل المشاركة الموجبة للعقاب إلى جان الركن الشرعي الذي يتمثل في وجود فعل أصلي معاقب عنه والركن المادي الذي يتمثل في فعل من أفعال المشاركة ركن ثالث هو الركن المعنوي، إذ يجب على الشريك أن يكون قد قصد المشاركة في جريمة الفاعل الأصلي .
ويتمثل الركن المعنوي في الرابطة النفسية التي تصل بين شخصية الشريك وماديات الجريمة فتكون تلك الماديات مظهر الشخصية وتعبيرا عن خطورتها على المجتمع فالقيام بالمشاركة وسيلة لارتكاب جريمة أصلية بتحقيق آثارها لذلك من الضروري توفر العنصر القصدي لدى الشريك في الفترة التي يرتكب فيها تلك الأفعال الإجرامية .

فقرة 1:مفهوم الركن المعنوي

يخضع الركن المعنوي للقواعد العامة لأنه يمثل روح المسؤولية الجزائية ذلك أن توفر الإرادة الإجرامية ضروري لارتكاب فعل غير مشروع وذلك إما بصورة القصد الجنائي أو العمد وكذلك صورة الخطأ غير العمد الناجم عن إهمال أو تقصير وبالتالي وجوب\ توفر عنصرين هما العلم بأن الفعل المرد إتيانه يعاقب عليه القانون وإرادة المشاركة في الجريمة.إلا أنه وبالرغم من وجوب توفر الركن المعنوي للمشاركة إلا أنه توجد متعلقة بهذا الركن .

فقرة2: إشكاليات الركن المعنوي في الجريمة :   

تتمثل هذه الإشكاليات في صعوبة إثبات المشاركة في الجرائم الغير قصدية إذ انقسم الفقه إلى شقين ; شق أول استبعد المشاركة من نطاق الجرائم الغير عمدية وشق ثان أقر إمكانية تصور المشاركة في الجرائم الغير عمدية .
ومهما يكن من أمر فإنه عند توفر الركن المادي والركن المعنوي للمشاركة وثبوت فعل المشاركة فإنه يترتب عنه عقاب الشريك



عقوبــــة المشاركة








       يترتب عند توفر كافة أركان المشاركة في الجريمة واستيفاءها لجميع شروطها ومكوناتها طرح التساؤل حول كيفية زجرها ذلك انه لا يمكن نجاح مؤسسة قانونية بدون توقيع جزاء على الإخلال بها لمساس القانون الجزائي بحماية الحقوق والحريات على أن معاقبة الشريك لا تخلو من تعدد الصعوبات شأن تحديد الجزاء  مما استوجب تدخل فقه القضاء لحسمها فيما يتصل بكيفية تحديد مقدار العقوبة التي تنال الشريك. هل تتساوى عقوبة الفاعل الأصلي مع عقوبة الشريك أو الاختلاف بالتخفيف أو التشديد وكذلك مسألة ظروف الجريمة باعتبارها عاملا محدد للعقوبة .هنا يجدر التساؤل عن دورها في التأثير على عقاب الشريك تختلف تحديد العقوبة حسب التشريعات المقارنة فمنها من تقرر عقوبة أخف للشريك من الفاعل الأصلي وهناك تشريعات أخرى تقرر قوانينها للشريك عقوبة متساوية لعقاب الفاعل الأصلي ومنها القانون التونسي والقانون الفرنسي استنادا لنظرية استعارة العقوبة كأساس السياسة الاجتماعية تأثرا بنظرية  استعارة العقوبة، في حين يقر صنف ثالث عقوبة مشددة للشريك من الفاعل الأصلي حرصا للقضاء على المشاريع الإجرامية الجماعية من ذلك القانون الايطالي وبالتالي تختلف القوانين في تحديد الظروف التي تطرأ على ارتكاب الجريمة ومدى تأثير تلك الظروف في تحديد عقاب الشريك باعتبارها أسباب معدلة للعقوبة .

الفصل 1: تحديــد عقوبــة الشريـــك

 لا يوجد نص يحدد صراحة عقوبة الشريك باعتبار أن هذا الأخير لم يقم بالفعل الذي تقوم به الجريمة، ولذلك ولتحديد عقاب الشريك كرس المشرع التونسي نظرية استعارة التجريم والعقاب كتوجه عام للسياسة العقابية تجاه الشريك (فقرة1) لكنه قام  بالتدخل في عديد الحالات إيمانا منه بعدم قدرة تلك النظرية على استيعاب مجمل المسائل الخاصة بنظرية المشاركة فتولى تكريس نظرية تعدد الجرائم بتعدد العقوبات وتجريم أفعال المشاركة بصفة مستقلة عن الفعلة الأصلية المعاقب عنها .

فقرة 1 : تكريس نظرية استعارة العقوبة
ينص الفصل 33 من المجلة الجزائية على أن: " المشاركين في الجريمة يعاقبون في كل الحالات التي لم ينص القانون على خلافها  بمثل العقاب الذي يناله فاعليها ما لم تطبق عليهم أحكام الفصل 53 بحسب مقتضيات الأحوال ."
لقد تبنى المشرع التونسي نظرية استعارة العقوبة بدون أي قيود أخرى وبالتالي المساواة بين الفاعل الأصلي والشريك دون أي تمييز بينهما مع اعتماد وحدة الجريمة المرتكبة وبالتالي عدم تفريد الشريك بعقوبة خاصة عن كل جريمة  .
لقد وضع المشرع التونسي قاعدة عامة أساسها المساواة بين الفاعل الأصلي والشريك تأثرا بنظرية استعارة العقوبة وصعوبة حصر جميع الجرائم ليتم إيقاع عقوبة خاصة على الشريك وتبعا لذلك فإن اعتماد المشرع على نظرية  أساسها المساواة بين الفاعل الأصلي والشريك تأثرا بنظرية استعارة العقوبة كتقنية قانونية لمؤاخذة الشريك سواء في النظرية العامة للمشاركة الواردة بالفصل 32 من المجلة الجزائية وكذلك في الجرائم التي تحوي مشاركة خاصة في حد ذاتها .

1-   استعارة العقوبة في النظرية العامة للمشاركة :

كرس المشرع التونسي نظرية الاستعارة المطلقة للعقوبة بإقراره المساواة بين الفاعل الأصلي والشريك ضمن الفصل 33 من المجلة الجزائية أسوة بالمشرع الفرنسي في المجلة الجزائية القديمة والمقصود في العقاب ليست تسليط نفس العقاب على كل من الفاعل الأصلي والشريك بل إحالتهما على المحاكمة من قبل النيابة العمومية وفق نص أو نصوص قانونية واحدة مع احتفاظ المحكمة بحرية الاجتهاد في تسليط العقاب المناسب على كل واحد منهما وفق ما تمليه المعطيات والظروف الخاصة بكل منهما وكذلك العقوبات التكميلية.

2 - تكريس استعارة العقوبة في المشاركة الخاصة

 كرس المشرع التونسي نظرية الاستعارة المطلقة للعقوبة في بعض الجرائم التي تكون المشاركة فيها من قبيل المشاركة الخاصة  لأنها تنص على شروط المشاركة والعقاب المقرر لها دون الحاجة للرجوع إلى النظرية العامة للمشاركة الواردة بالفصل 32 وما يليها من المجلة الجزائية على غرار النصوص المجرمة الاعتداء على أمن الدولة الخارجي وهي جرائم الفصل 60 مكرر من م ج و جرائم الرشوة  الفصل 91  من م ج  والفصول 230 و 231  من نفس المجلة .

فقرة 2: حدود نظرية استعارة العقوبة

   اعتمـد المشرع التونسي قاعدة التدرج من الصلابة إلى اللين في إقراره حدود مبدأ الاستعارة المطلقة لعقاب الشريك فكرس نظرية الاستعارة النسبية للعقوبة بغاية تعويض مبدأ المساواة المطلقة في العقاب بين الفاعل والشريك الفصل 33 من م ج والتالــي فإن تبني المشرع التونسي للنظريتين معا لاقتناعه بجدواهما معا في إرساء سياسة جنائية رادعة ولمنح القضاة إمكانية تفريد العقاب من خلال استعمالهم لتقنية ظروف التخفيف وهذه الحدود قد تكون اختيارية بالنسبة للقاضي وأحيانا أخرى إجبارية إذ لا يمكنه التصرف فيها حسب إرادته .
فقد يكون القاضي مجبرا على التخفيف وقد يكون مخيرا في ذلك إذ أقر المشرع حدودا اختيارية له يمكن من خلال أعمال سلطته التقديرية والحكم بعقاب أقل من الفاعل الأصلي وقد يكون مجبرا على تخفيف العقاب أو تشديده .

      أولا: الحدود الاختيارية للقاضي :

يخضع الفاعل الأصلي والشريك لنص قانوني واحد يحدد عقوبة الجريمة المرتكبة وذلك لا يعني المساواة العامة والمجردة والمطلقة بين الفاعل والشريك في العقوبة التي يصرح بها القاضي إذ يمنحه المشرع سلطة تقديرية في تحديد العقاب فهو يقرر لكل جريمة العقوبة القصوى ويترك للقاضي حرية تقديرية حب معايير وضوابط حددها الفصل 53 من المجلة الجزائية غير أن العقاب يبقى هو نفسه بالنسبة للفاعل الأصلي والشريك على حد السواء حسب نظرية الاستعارة النسبية التي تبناها المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 33 من المجلة الجزائية إلا أن تطبيق تلك العقوبة يكون مخففا بالنسبة للشريك وبالتالي إكساء المشرع للاستعارة النسبية للعقوبة صبغة نسبية اختيارية ومنح ظروف التخفيف بالنسبة للشريك نضرا للسلطة القاضي التقديرية حسب مقتضيات الأحوال التي وردت في الفصل 33 من م ج .   

     ثانيا: الحدود الإجبارية للقاضي :

لئن يتمثل المبدأ العام في إقرار حرية للقاضي في إيقاع العقوبة المناسبة للشريك حسب ما يتلاءم وخطورة الأفعال التي اقترفها بالاعتماد على تقنية ظروف التخفيف لذلك فقد أورد المشرع على هذا المبدأ إستثنائين أساسيين يتمثل الأول في إقراره حدودا تجبر القاضي على التخفيف من عقاب الشريك مقارنة بعقاب الفاعل الأصلي حسب الفصل 34 من المجلة الجزائية ويتمثل الثاني في تنصيصه في بعض الجرائم التي تكون المشاركة فيها ذات طبيعة خاصة على حدود تفرض على القاضي ضرورة التشديد في عقاب الشريك مقارنة بالفاعل الأصلي .

فقرة3: المعاقبــة على المشاركـة بصفـة مستقلـة:

 لقد أتاح المشرع التونسي إمكانية  عقاب العديد من الأفعال باعتبارها جرائم قائمة الذات رغم أن التكييف الصحيح لها لا يخرج عن كونها أفعال مشاركة .
ويرد التأكد على خصوصية عقاب الشريك في بعض الجرائم نظرا لخطورة هذا الأخيرة ولانعكاسها السلبي الفظيع على جميع مكونات المجتمع بوجه عام. فضمن هذا الصنف من الجرائم لا يمكن للشريك أن يستفيد تحت أي ظرف من الأحوال الخاصة بالفاعل الأصلي.
بل أن المشرع يمضي إلى حد إيجاد تكييف قانوني مغاير لأعمال الشريك بما يدرجها ضمن جرائم أصلية مستقلة بذاتها.
وتزخر المجلة الجزائية التونسية بحالات عقاب الشريك بقطع النظر عن الأحوال الخاصة الفاعل الأصلي .
من ذلك مثلا:
1-      يتعرض الفصل 60 من المجلة الجزائية في فقرتيه 4 و5 إلى مساءلة مرتكب جريمة الخيانة، على أن المتمعن في ركنها المادي يلاحظ انه اقرب إلى أعمال المشاركة ولكن المشرع أقر استقلالية تلك الأعمال لتشكل جريمة بذاتها فيعاقب مرتكبها بوصفه فاعلا أصليا لا مجرد شريك، هذا وقد جاء بالفقرتين أنفتي الذكر:" كل تونسي في زمن الحرب يحرض عسكريين أو بحارة على الالتحاق بخدمة دولة أجنبية أو يسهل لهم الوسائل إلى ذلك....."
وتضيف الفقرة الخامسة من ذات الفصل :" كل تونسي في زمن الحرب يتصل بدولة أجنبية أو بأعوانها ليساعدها في اعتداءاتها على البلاد التونسية."
فالتحريض والتسهيل والمساعدة تعد جميعا من قبيل أعمال المشاركة وان الجريمتان الأصليتان في الفقرتين متقدمتي الذكر هما:
    -الالتحاق بخدمة الدولة الأجنبية زمن الحرب.
    - الاعتداء على الدولة التونسية زمن الحرب
ويمكننا أن نتصور في هذا الشأن اتصال شخص تونسي بدولة أجنبية وإمداده لها بشخص فاقد للعقل وقع توظيفه من قبل القوات المعادية في أعمال تفجيرية ضد البلاد التونسية.
فالشخص التونسي الذي أمد القوات المعادية بمنفذ العملية الفاقد لمداركه العقلية يؤاخذ قطعا ولا يمكنه الاستفادة من جنون منفذ العملية ولا من وفاته،واعتبارا لإمكانية وجود عائق قانوني يحوم حول مؤاخذته من أجل أعمال المشاركة، فقد تفادى المشرع هذه الوضعية مصنفا "الشريك" ضمن مرتكبي جريمة الخيانة وذلك بصريح عبارة الفصل 60 م.ج.مسلطا عليه تبعا لذلك أقصى العقوبات.
2-        ضمن تعرضه إلى الجرائم التي تشكل اعتداء على امن الدولة الداخلي،خص المشرع الجزائي فعل الشريك بمساءلة الفاعل الأصلي وذلك حسبما تضمنته صيغة الفصل 74 م.ج وجاء فيه:" يعاقب بالإعدام كل من يجمع ويمد بالأسلحة جموعا... بقصد نهب أموال عمومية أو خاصة، الاستيلاء على عقارات..."
فالقائم بأعمال السلب والنهب المسلح هو الفاعل الأصلي، ويعد شريكا له في ذلك من أمده بالأسلحة لتنفيذ تلك المقاصد الإجرامية.
وعموما،يستشف من عبارة هذا الفصل،أنه إذا ثبت قيام شخص بأعمال سلب ونهب مسلح، يعاقب بالإعدام ذلك الذي أمده بتلك الأسلحة مكتسبا في هذا الشأن صفة الشريك في القيام بتلك الأعمال الإجرامية.
3-هذا وتجدر الإشارة إلى انه واعتبارا للطابع الجماهيري لبعض الجرائم والذي يعسر من خلاله تحديد الفاعل الأصلي ، فقد ميز المشرع الشريك بعقوبة جزائية خاصة حتى تطاله بشكل مباشر وهو ما نستدل عليه من خلال جريمة العصيــان
 المنصوص عليها بالفصل 119 من المجلة الجزائية وجاء فيه :" كل من شارك في عصيان وقع بالسلاح أو بدونه ..... يعاقب لمجرد مشاركته بالسجن مدة...." .
 على أن المشرع ذهب إلى اعتبار كل من دعا إلى العصيان فاعلا أصليا وهو ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 121 م ج : " يعاقب كالمشارك في العصيان الشخص الذي دعا إليه ..." .
على انه يعسر إيجاد تفرقه صريحة بين فقل المشاركة وفعل التحريض على اعتبار أن التحريض نوع من أنواع المشاركة.
هذا وتتماثل جريمة المشاركة في العصيان مع جريمة المشاركة في المعركة المنصوص عليها ضمن أحكام الفصلين 209 و 220 م ج وجاء في الفصل الأول أن :" الأشخاص الذين شاركوا في معركة وقع في أثنائها عنف انجر عنه الموت ... يعاقبون لمجرد المشاركة ..." كما جاء بالفصل الثاني أن: " الأشخاص الذين شاركوا في معركة وقع أثنائها ضرب أو جرح .... يستوجبون عقوبة بالسجن مدة ستة أشهر لمجرد المشاركة" .
وبناء على ما تقدم ، فان تواجد فاقد عقل ضمن مرتكبي جريمة العصيان أو محدثي المعركة لا يحول دون مؤاخذة بقية المشاركين العاقلين، بيد أن مصطلح المشاركة حسبما وقع توظيفه في هذين الفصلين إنما يحيلنا بشكل ضمني على وضعية الفاعل مع غيره -coauteur- لعدم إمكانية تمييز الفاعل الأصلي من الشريك في مثل هذا النوع من الجرائم.
ناتي الآن إلى وضعية الفصلين 132و 133 المنضويين تحت القسم الثالث من المجلة الجزائية وعنوانه " في تشارك المفسدين "، ونتساءل بالرجوع إلى مثل هذا العنوان عما إذا وجد اختلاف بين عبارتي "المشاركة" و"التشارك " .
يبدو أن المشاركة تقتضي وجود فاعل أصلي ، أما التشارك فيقتضي وجود تنظيم يرأسه شخص ما ، وبالتالي توجب التمييز بين صنفين مختلفين:
-         صنف أول يضم الفاعل الأصلي والشريك
-         صنف ثان يضم رئيس الوفاق والمشارك
ويمكن أن نفهم من ذلك أن المشاركة تتوفر متى انفرد الفاعل الأصلي ويحل محلها التشارك متى تعدد الفاعلون الأصليون.
بيد أن المنظور اللغوي لا يقر مثل هذه التفرقة مما يجعل هذا الرأي من قبيل اجتهادنا المحض.
وعموما فان عبارة المشاركة واردة بصريح صيغة الفصل 132 م ج المنقح بالقانون عدد 93 لسنة 1995 المؤرخ في 19/11/1995 وجاء فيه : " يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من انخرط في عصابة أو شارك في وفاق ..."


واتجه فهم عبارة المشارك على أساس أنها مجموع الأعمال المتعرض لها بالفصل 32 من مج أخذا بمبدأ التأويل الضيق للنص الجزائي.
وترتيبا على ذلك ، وعلى فرض وجود وفاق يضم مجموعة من الأشخاص من بينهم شخص مجنون ، لا يمكن للمشارك في هذا الوفاق بأية حال أن يتقصى من المؤاخذة الجزائية بدعوى تواجد فاقد للعقل ضمن المجموعة ، وإلا لعملت جل العصابات على إدماج المجانين ضمن عناصرها حتى لا يؤاخذ أي من أفرادها.


الفصل 2: الأسبـاب المعدلـة لعقوبـة المشاركـة
قد تطرأ على عملية ارتكاب الجريمة عدة أسباب تؤثر في عقاب الفاعل الأصلي أو الشريك وبالتالي تجعل جزاء أحدهما مختلفا عن الآخر رغم قاعدة المساواة في الزجر بينهما التشريع التونسي إلا أن ظروف الجريمة قد تحور من تلك القاعدة لذلك طرح التساؤل حول مدى تأثير الظروف المحيطة بالجريمة سواء المشددة منها أو المخففة أو المعفية من العقاب على تقدير عقوبة الشريك.
اختلفت التشريعات حول هذا الموضوع لتعدد الحلول المعتمدة لديها وتأثير الظروف بالتشديد أو التخفيف على عقاب الشريك .
بالنسبة للمشرع التونسي لم يتول تركيز نظرية عامة تحدد تأثير الظروف المحيطة بالجريمة على عقاب الشريك وقد تبنى فقه القضاء نفس الحلول التي توصلت إليها المحاكم الفرنسية وهي معاقبة الشريك بنفس عقاب الفاعل الأصلي .

فقرة 1: تأثير ظروف التشديد على عقاب الشريك
يوجد نوعين من الظروف التي تشدد العقاب على الشريك وهي ظروف موضوعية وأخرى شخصية .

أ‌-      ظروف التشديد الموضوعية:
وهي الظروف المتعلقة مباشرة بالفعل الأصلي أو بالركن المادي المكون للجريمة وتبعا لذلك تؤثر على جسامة الجريمة وعقوبتها وتتعلق بما يتصل بطريقة ارتكاب الجريمة من وسائل التعدد أو استعمال السلاح أو العنف أو الخلع أو التسور أو ظرف الليل .

ب- ظروف التشديد الشخصية :
هي جملة من الأوصاف والشروط التي تتوفر في شخص الجاني أو الشريك والتي تؤدي إلى تسهيل تنفيذ الجريمة بما يضاعف خطورتها ويؤول إلى تشديد عقابها، ومثال ذلك الموظف الذي يستولي على الأموال العمومية الفصل 99 من م جوالمشاركة تكون في مثل هذه الصورة بغض النظر عن صفته الشخصية   .

فقرة 2: تأثير ظروف التخفيف على عقاب الشريك

هي وقائع عرضية وتبعية تضعف من جسامة الجريمة ينتج عنها تخفيف العقوبة على أقل من حدها الأدنى أو الحكم بتدبير يناسب تلك الخطورة .


أ‌-  الظروف القضائية المخففة:
يمنح  الفصل 53 فقرة من المجلة الجزائية سلطة مطلقة للقاضي في تسليط العقوبة التي يراها لائمة والفعلة المرتكبة كل ذلك حسب سلطته التقديرية ووجدانه الخالص.


ب -الأعذار القانونية:

يمكن للقاضي تخفيف عقوبة الجاني بموجب إرادته الخالصة حسب ما له من سلطة تقديرية في ذلك طبقا لما هو مخول له بالفصل 53 من م ج (12) .
 وقد يسعى لتخفيف العقاب بموجب إذن من المشرع وتكون سلطته مقيدة وتعرف الأعذار القانونية بأنها أسباب تعرض إليها القانون تبقي الجريمة قائمة الذات ولكنها تؤدي إلى اضمحلال العقوبة في بعض الأحيان أو التخفيف منها وتتمثل الأعذار القانونية المخففة للعقوبة في الظروف التي ينص عليها القانون والتي تستوجب تخفيف العقاب ومن آثارها أنها إذا توفرت لدى الفاعل الأصلي لا يتمتع بها الشريك و العكس صحيح نظرا لصبغتها الشخصية وطبيعتها الاستثنائية و الأعذار المخففة للعقاب نوعان :
عــذر عـــام : وهو صغر السن نص عليه الفصل 43 من المجلة الجزائية الذي ينص على أنه: "يقع تطبيق القانون الجنائي على المتهمين الذين سنهم أكثر من ثلاثة عشر عاما كاملة وأقل من ثمانية عشرة عاما كاملة ".
وعــذر خـاص : نص عليه الفصل 191 من م ج فيعاقب بخطية الشخص الذي يستعمل قطعا نقدية مدلسة بعد اكتشاف عيوبها إذ لا يعاقب المدلس بقية العمر.

مبحث 3: تأثير حالة إعفاء الفاعل الأصلي من العقاب على الشريك  

تطرح الإشكالية في صورة ما ذا أعفي الفعل الأصلي من العقاب لسبب من الأسباب الشخصية أو الأسباب القانونية، فهل يؤثر إعفاء الفاعل الأصلي من العقاب على الشريك .
لقد أجاب فقه القضاء عن هذه الإشكالية واعتبر أنه لا يمكن إعفاء الشريك في الجريمة من العقاب إذا ما تم إعفاء الفاعل الأصلي المسؤولية الجزائية  والعكس صحيح.
وبالتالي لا يوجد حالات يعفى منها الشريك من التتبع والجزاء إذا ما تم إعفاء الفاعل الأصلي من العقاب لسبب من الأسباب الشخصية كصغر السن أو الجنون أو وفاة الفاعل الأصلي أو تحصنه بالفرار... أو لسبب من الأسباب  الموضوعية كصورة التقادم أو صورة الدفاع الشرعي ... .ش
ولنتناول مثال ذلك صورة الجريمة التي يكون فيها الفاعل الأصلي مجنونا وشريكه متمتعا بكافة مداركه العقلية   فهل يفلت الشريك في مثل الصورة من المساءلة الجزائية .

قد لا تخلو هذه الوضعية من غرابة وتعقيد باعتبار أن أعمال التحقيق تكون قاصرة عن إيجاد الشريك العاقل فيما عدا حالات التلبس بأعمال المشاركة وتزداد خطورة هذه الصورة عندما لا تلزم النيابة العمومية بفتح تحقيق حول مدى احتمال وجود  شريك يتخفى وراء الفعل الإجرامي الذي ارتكبه المجنون على اعتبار عدم توفر أدلة أو قرائن تفيد إيجاد شريك في العمل الإجرامي، إضافة إلى أن شهادة المجنون ضد شريكه لا يعتد بها لصدورها عن فاقد للعقل.
وفعلا تبقى مثل هذه الفئة من شركاء المجرمين في أغلب الحالات بمنأى عن التتبع والمؤاخذة الجزائية وبالتالي تعسر ملاحقة الذين خططوا لمثل هذه الجرائم واكتسبوا صفة الشريك فيها على معنى مقتضيات الفصل 32 من المجلة الجزائية وتبقى أعمال البحث عن الشريك العاقل بجميع مراحلها مبتورة في اغلب الجرائم التي يكون فيها الفاعل الأصلي مجنونا إذ لا وجود لمنهج مضبوط يلزم باحثي البداية وحكام التحقيق ووكلاء الجمهورية بالعمل على منواله للعثور على الشريك سواء انفرد أو تعدد لذلك كلما اتضح أن الفاعل الأصلي فاقد لمداركه العقلية.
ونتساءل في هذا الإطار عن تعرض المحاكم التونسية لهذه الوضعية التي يكون فيها الفاعل الأصلي مجنونا والحال أن شريكه عاقل ؟
الإجابة تكون بالنفي ومرد ذلك القصور التشريعي الذي يعتري النصوص الجزائية وهنا يتبادل التساؤل حول ما إذا تبلورت حاجتنا لنص عام يتطرق بشكل صريح لمثل هذه الوضعية أم أن فقه قضاء المحاكم التونسية كفيل بسد هذا الفراغ التشريعي وكذلك المجال الضيق لأعمال البحث بعدم تطرقها ولو من باب الافتراض المجرد لاحتمال وجود شريك يتخفى وراء فعل إجرامي أتاه المعتوه واكتفاؤه بالبحث في مسالة جنون الفاعل الأصلي لا غير.
ولئن وجدت بعض الحالات الخاصة عند الفاعل الأصلي أو الشريك تجعل الاستفادة منها مقتصرا على أحدهما دون الآخر، فالفاعل إذا انعدم لديه القصد الجنائي لا يؤاخذ جزائيا بينما يؤاخذ الشخص المشارك له إذا اقترف الفعل المادي للجريمة وهو عن سوء نية والعكس صحيح وإذا انعدمت المسؤولية الجزائية لسبب ما عند أحدهم ظل الآخر عرضة للعقاب
غير أنه ولئن حاول المشرع التونسي سد كل الثغرات التي قد تشوب القانون الجزائي بتجريمه أفعال المشاركة المرتبطة بفعلة أصلية أو بتكييفة أفعال المشاركة كجرائم مستقلة بذاتها فإنه يبقى الشريك في الجريمة في بعض الأحيان بمنأى عن التتبع والمساءلة الجزائية .







عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية