يفترض القانون في المتعاملين والتجار وعامة الناس الاستقامة وحسن النية وان تعود الديون والممتلكات لأصحابها حتى يعم السلام والامن الاجتماعي العلاقات الانسانية.
الا ان مدينين يرفضون اعادة الاموال لأصحابها وخلاص ما عليهم من ديون فان صدر حكم ضدهم بالأداء ماطلوا في الخلاص واستغلوا جميع وسائل الطعن المعطلة للتنفيذ.
فان نفذت الحيلة ووسائل الطعن عمد الدائنون الى الحيلة والتغرير والتدليس حتى يتملصوا من ضرورة الخلاص وما صدر ضدهم من أحكام بتصنع العسر والفقر ونفاذ المال و المتاع حتى لا يبقى للدائن مال يستحق العقلة والبيع تابع للمدين.
تعرض المشرع التونسي لحالة المدين المماطل سيء النية المصطنع للإعسار والفقر و الحاجة فخول للدائن حق الطعن في العقود التي اتمها المدين تغريرا وتدليسا للإضرار بحقوق الدائن.
على ان مماطلة المدين قد تتخذ شكلا سلبيا فان لم يفوت فيما له من مكاسب فانه قد « يتقاعس » عن تتبع استخلاص ديونه التي له على الغير.
أجاز المشرع في هذه الحالة الأخيرة للدائن حق الحلول محل المدين لتتبع ما لديه على الغير من حقوق.
جاءت الصورتان في الفصل 306 من المجلة المدنية:
الفصل 306 – (نقح بالأمر المؤرخ في 15 سبتمبر 1923). يجوز للدائنين أن يطعنوا في حق أنفسهم في العقود التي تممها مدينهم بأنه تممها لإضرارهم في حقوقهم تغريرا وتدليسا لكن دون أن تقع مخالفة الأحكام المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالميراث.
وإذا لم يتيسر لأصحاب الديون الخلاص فيما لهم على المدين وكانت له حقوق على الغير كان لهم عرض قضيتهم على المحكمة وبعد إثبات حقوقهم يمكن لهم التحصيل على عقلة ما للمدين من الحقوق والديون التي على الغير والقيام بما تبعها من الحقوق والدعاوى عدا الحقوق الخاصة بذاته كحقوق الأب على ولده وحق الانتفاع والسكنى والنفقة والحقوق المترتبة له من جنحة أو شبهها وقعتا على الذات وبصفة عامة كل ما لا تصح عقلته ولا إحالته و أما القيام بالفسخ بناء على عدم أهلية المدين أو صغر سنه فإن ذلك لا يعد من الدعاوى الشخصية على معنى هذا الفصـل ويسوغ للدائنين القيام بها.
وضعت محكمة التعقيب شروطا لممارسة الدعوى المؤسسة على الفصل 306 والتي أصبحت تعرف منذ سنة 2006 في فقه القضاء المدني التونسي بالدعوى البليانية.
ان من الشروط المفروغ منها والتي لا تثير نقاشا ما يقتضيه الفصل 306 من المجلة المدنية من ضرورة حلول الدين و امكانية المطالبة به.
تعتبر سوء نية المدين عند تفويته في مكاسبه اول شروط الدعوى البليانية وقد اتضح ذلك من جملة قرارات تعقيبية.
مدني عدد 5710 مؤرخ في 08/01/1970 – يستفاد من نص الفصل 306 من المجلة المدنية ان من الشروط الاساسية لإبطال العقد ان يكون منطويا على سوء النية – وتفريعا على ذلك يكون قابلا للنقض الحكم الذى قضى بإبطال عقد أبرمه المدين دون ان يستظهر سوء نيته.
مدني عدد 19779 مؤرخ في 03/10/1990 أوجب الفصل 306 من مجلة الالتزامات و العقود على الدائنين الذين يريدون أن يطعنوا في حق أنفسهم في العقود التي تممها مدينهم أن يثبتوا التغرير و التدليس في جانب هذا الأخير.
مدني عدد 45365 مؤرخ في 15/04/1997 يستفاد من نص الفصل 306 من مجلة الالتزامات والعقود أنه من الشروط الأساسية لإبطال العقد أن يكون منطويا على سوء نية.
من الحالات التي أقرت محكمة التعقيب انها تمثل حالة تغرير وتدليس يُقصد منها الاضرار بالدائنين حالة المدين الذي يفوت في مكاسبه لزوجه بثمن بخس ويبقى على ادارة ممتلكاته والانتفاع منها
مدني عدد 3669 مؤرخ في 07/10/1981 – » ان ممتلكات المدين من العقار هي ضمان لخلاص ما عليه من دين ثابت فبيعه لعقاره المسجل لزوجته بثمن بخس مع بقائه متوليا ادارته والتظاهر بالإعسار للدائن فان ذلك البيع يكون باطلا لما فيه من سوء النية والاضرار بالدائن فقيام هذا الاخير بالدعوى (البليانية ) طبق الفصل 306 مدنى واستصدار حكم بإبطال ذلك البيع والتشطيب عليه من السجل العقاري في طريقه ولا مطعن فيه. »
وبصفة عامة اذا كان الثمن صوريا لا يمت للواقع بصلة فانه قرينة قوية على سوء نية المدين.
مدني عدد 45378 مؤرخ في 15/04/1997 تكون قد أحسنت تطبيق أحكام الفصل 306 من مجلة الالتزامات والعقود محكمة القرار التي استجابت للدعوى المعارضة و عللت حكمها بناء على ما ثبت لديها من خلال الاختبار الذي اذنت به أن الثمن المضمن هو ثمن صوري لا يمت بالواقع بأي صلة وعليه تأكد لديها حصول التواطؤ بين المتعاقدين.
أما اثبات التغرير والتدليس فانه يتم بجميع طرق الاثبات ما دام الامر متعلقا بوقائع يمكن اثباتها بجميع طرق الاثبات وللقاضي سلطة التقدير بشرط التعليل.
مدني عدد 16831 مؤرخ في 04/24/ سوء نيّة المدين هي أمر باطني يمكن الاستدلال عليه بتظافر مجموع الظروف الملابسة لعملية التفويت التي قام بها المدين لجهة المُفوّت له وثمن التفويت وتاريخه مقارنة بتاريخ الدين.
و في قرار مؤرخ سنة 1997 اشترطت محكمة التعقيب ان تكون سوء النية متقاسمة بين المدين المفوت في ماله وبين المنتفع من التفويت
مدني عدد 45365 مؤرخ في 15/04/1997 » يستفاد من نص الفصل 306 من المجلة المدنية أنه من الشروط الأساسية لإبطال العقد أن يكون منطويا على سوء نية كما يخلص من نفس الفصل أنه للدائن القيام بإبطال البيع الذي عقده مدينه تغريرا و تدليسا قصد الإضرار بحقوقه و للتنقيص من الضمان العام لدينه إذا كان الدين مستحق الأداء و من أهم شروط الدعوى البليانية التواطؤ بين البائع و المشتري أي أن يكون هذا الأخير عالما بالمديونية و سوء النية. »
ان كان شرط سوء النية و قصد الاضرار امر مسلم به فان شرطا آخر من وضع فقه القضاء بقي محل نقاش و قرارات متناقضة.
يتعلق الشرط محل النقاش بإعسار المدين حيث قضت محكمة التعقيب اولا في قرارها المؤرخ في 4 مارس 2008 تحت عدد 16927 ان اعسار المدين شرط اساسي لممارسة الدعوى البليانية بحيث يكون المال المطلوب اعادته لذمة المدين آخر الاموال لديه.
مدني عدد 16927 مؤرخ فى 04/03/2008 » أجمع فقهاء القانون على أن يكون المبيع آخر ما في ذمّة المدين من مكاسب يمكن التنفيذ عليها إذ أن الفصل 306 من المجلة المدنية لم ينزع الأهلية عن المدين البائع بل أجاز إبطال عقوده التي يحررها بتواطؤ مع المشتري للإضرار بالدائن ولا يمكن التحقق من ذلك إلا عند انعدام المكاسب الأخرى للمدين ذلك أن المراد بإعسار المدين هو المؤدي إلى افتقاره و المرتبط ارتباطا عضويا بانعدام أي مكاسب أخرى كافية لسداد ما عليه. »
الا ان محكمة التعقيب وفي نفس السنة و بعد اقل من شهر قضت بعكس ما راته في القرار اعلاه
مدني عدد 16831 مؤرخ فى 24/04/2008 « إن شرط الإعسار لم تنصّ عليه أحكام الفصل 306 من المجلة المدنية ولا فقه القضاء مما يجعل التمسّك لمواجهة الدعوى البليانية بعدم عسر المدين في غير طريقه. »
وفي نفس السياق قضت محكمة التعقيب ضمنيا ان ليس للدائنين اصحاب الديون الممتازة ممارسة الدعوى البليانية ذلك ان امتيازهم يسمح لهم باستخلاص اموالهم ولا حاجة لممارسة الدعوى البليانية التي يجب ان تكون آخر الدعاوى التي يمكن للدائن القيام بها.
مدني عدد 3371 مؤرخ فى 14/12/2006 ثشُرعت الدعوى البوليانية لفائدة الدائنين عندما تكون ديونهم غير ممتازة ويكون المدين الذي تعتبر جميع مكاسبه ضمانا لديونهم قد فوت عنهم آخر ما يكفل لهم الخلاص تغريرا منه وتدليسا بقصد الإضرار بحقوقهم متواطئا في ذلك مع المشتري.
ينجر عن توفق المدعي في ممارسته للدعوى البليانية الحكم بإبطال التفويت وان كان العقار عقارا مسجلا يُشطب على ترسيم البيع من دفاتر الملكية العقارية.
مدني عدد 3669 مؤرخ فى 07/10/1981 – ان ممتلكات المدين من العقار هي ضمان لخلاص ما عليه من دين ثابت فبيعه لعقاره المسجل لزوجته بثمن بخس مع بقائه متوليا ادارته والتظاهر بالإعسار للدائن فان ذلك البيع يكون باطلا لما فيه من سوء النية والاضرار بالدائن فقيام هذا الاخير بالدعوى (البليانية ) طبق الفصل 306 مدنى واستصدار حكم بإبطال ذلك البيع والتشطيب عليه من السجل العقاري في طريقه ولا مطعن فيه.
وختاما لا يفوتنا ان نشير ان الدعوى التي يحل الدائن محل المدين للقيام بها يجب ان لا تكتسي صبغة شخصية وان لا تخالف قواعد الميراث فلا حق للدائن على سبيل المثال ان يحل محل المدين في قضية طلاق لطلب غرامات تعويض عن ضرر ولا ان يقوم بطلب مناب مدينه من تركة لم تُفتح بعد لمخالفة ذلك قواعد الارث.
بقلم محمد علي التقرتي
إرسال تعليق