الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

السوق المالية : العروض العمومية



لقد عرف المشرع التونسي العروض العمومية صلب الفصل الخامس من الباب الثالث و العشرين من القانون عدد 117 لسنة 1994 و المؤرخ في 14/11/1994 و المتعلق بإعادة تنظيم السوق المالية إذ جاء صلبه " يعد عرضـــــــــــا عموميا العرض الصادر عن شخص طبيعي أو معنوي لشراء كتلة من الأوراق المالية مصدرة من قبل شركات المساهمة العامة أو استبدالها أو بيعها أو سحبها بشروط إنجاز و شروط سعر تختلف عن شروط السوق". و يتمثل العرض العمومي للشراء في تعبير شخص طبيعي أو معنوي عن رغبته في اقتناء جملة من الأوراق المالية في شركة ذات مساهمة عامة أو شركة مشبهة. و تهدف العروض العمومية للشراء إما إلى تكوين اندماج عمودي أو اندماج أفقي
. العرض العمومي الذي يهدف إلى تحقيق اندماج أفقي يؤدي في غالب الأحيان إلى تقليص حجم المصاريف إذ أن العديد منها سيعتمد لاستغلال مؤسستين في نفس الميدان ( الإعلامية و التسويق مثلا) و هذا النوع من الاندماج يؤدي في معظم الحالات إلى تخفيض هام في المصاريف. و من جهة أخرى فالعرض العمومي الذي يهدف إلى تكوين اندماج عمودي يكون عبر اندماج نشاطين كانا في أول الأمر ينجزان من طرف شركتين مختلفتين فيتحقق بذلك تكامل يكسب دون شك الطرفين قدرة تنافسية أكبر و يوفر حرفاء أكثر عددا و ذلك لاعتبارات عدة لعل أبرزها اندماج شركتين الأولى في ميدان التصنيع و الثانية في ميدان التوزيع فيتفرغ الطرف الأول بدرجة أولى لمجال التصنيع و يترك مسألة التوزيع إلى الطرف الثاني.1
كما أن مبدأ التكامل بين مختلف أنشطة المؤسسة يعتبر من الأسلحة الذكية لمواجهة المنافسة الشديدة التي

  1. محاضرة ختم تمرين للمحاماة  حول العروض العمومية للشراء ورقابة هيئة السوق المالية، للاستاذ المحاضر امين موقو، السنة القضائية 2006-2007، ص2,3.

تفرضها المؤسسات الدولية الكبرى في نفس المجال ومن هنا يثور التساؤل حول طبيعة العروض العمومية والية سيرها والرقابة التي تخضع لها ؟؟؟
سنجيب على هذه الإشكالية من خلال جزأين الجزء الأول سنتحدث فيه عن أنواع العروض ... وفي الجزء الثاني عن النظام الذي يحكم سير العروض العمومية .....
الجزء الأول : أنواع العروض العمومية
يشكل العرض العمومي عملية مالية يقوم من خلالها شخص طبيعي أو معنوي ،بمفرده أو بالتحالف ،بعرض في شكل اقتراح علني لشراء أو استبدال أو بيع عدد من الأوراق المالية لمؤسسة تكون من نوع مؤسسات المساهمة العامة ، وذلك في إطار إجراءات محددة ومقننة خاصة فيما يتعلق بالمعلومات المالية المقدمة للعموم ،وتتمثل عمليات العروض العمومية في العمليات التالية :
العرض العمومي للشراء والعرض العمومي للاستبدال والعرض العمومي للسحب والعرض العمومي للبيع والعرض العمومي للبيع بسعر أدنى وعروض عمومية مختلطة ، والتي تنحصر في نوعين رئيسيين : عروض عمومية إرادية( الفرع الأول ) وعروض عمومية مفروضة (الفرع الثاني ).
الفرع الأول : عروض عمومية إرادية
ونذكر في هذا السياق العروض العمومية للشراء وهي عبارة عن تقنية أمريكية تعرف بتسمية "Take Over Bid" انتقلت إلى فرنسا سنة 1966 ، وتتمثل في عرض علني صادر عن مؤسسة أو مجموعة مستثمرين لشراء أوراق مالية لمؤسسة أخرى مستهدفة ، بسعر محدد ، وذلك قصد ممارسة رقابة عليها . ويكون السعر المقترح للعرض العمومي للشراء عموما أعلى بكثير من سعر أسهم الشركة بالسوق قبل انطلاق عملية العرض باستثناء حالة العرض العمومي المفروض قانونا على الشركة المستهدفة ، كما تكون أسعار أسهم الشركة المستهدفة في أغلب الأحيان رخيصة  و دون قيمتها الحقيقية بالسوق وهو ما يجعل المستثمرون بصفة عامة والمضاربون بصفة خاصة يسعون دوما للبحث عن أوراق المالية يمكن أن تكون موضوع عرض عمومي للشراء ويمكنهم من خلالها جني أرباح وقيمة زائدة هامة ، ويجب الإشارة إلى أنه العروض العمومية المتعلقة بالشراء أو الاستبدال يمكن أن تكون عروض معادية أو عروض ودية وذلك بالنظر إلى طبيعة الاتفاق الحاصل إن وجد ، بين الشركة العارضة و الشركة المسهدة بعملية العرض . ويمكن أن تتطور عملية العروض العمومية للشراء أو الاستبدال لتصبح معارك مالية تدور في بورصة الأوراق المالية وذلك في حالة قيام عروض عمومية أخرى مضادة صادرة عن مزاحمين وخصوم آخرين ويجب أن يشمل هذا العرض إما مجموع الأوراق المالية للشركة المستهدفة أو على الأقل 10% من أوراقها المصدرة .1هناك أيضا العرض العمومي للاستبدال ويتمثل في عملية علنية تقوم بمقتضاها شركة عارضة باستبدال أسهمها في البورصة مع شركة أخرى مستهدفة ، وتهدف العملية إلى أخذ مراقبة في الشركة المستهدفة المراد استبدال الأسهم معها ،ويجب على القائمين على العرض العمومي للاستبدال اقتراح السعر أو ضارب الاستبدال بالنظر إلى مقاييس موضوعية عند تقدير القيمة المعتمدة وبالنظر أيضا إلى خصائص الشركة المعتمدة. يضاف إلى ذلك العرض العمومي للسحب ويتم القيام بالعرض العمومي للسحب الأوراق المالية لشركة مدرجة بالبورصة في مرحلة تتبع إنجاز عملية عرض عمومي للاقتناء سواء كان ذلك عرضا للشراء أو الاستبدال ،حيث تقوم الشركة العارضة والتي أصبحت تملك معظم أسهم الشركة المستهدفة



1-السوق المالية :التجربة التونسية ، شاكر عطاء الله ،ط1 ، 2007 ، ص162.

بالإعلان عن رغبتها في اقتناء بقية الأسهم الباقية الخارجة عن نطاقها والمملوكة من طرف العموم1 ويكون السعر المقترح لأسهم العرض العمومي للسحب أعلى من سعر الأسهم بالبورصة قبل عملية شطب أوراقها المالية من سوق الشركات المدرجة أو إعادة تصنيفها كشركة ذات مساهمة خصوصية وفي حالة عدم نجاح هذه العملية في سحب جميع الأوراق المالية للشركة المستهدفة فإن الشركة العارضة، يمكن لها القيام بعملية سحب إجبارية وقانوناً ينص الفصل 172 من الترتيب العام للبورصة على أنه "إذا توصل شخص طبيعي أو معنوي أو مجموعة منهم عاملة بالتحالف إلى الحصول على 95% على الأقل من حقوق الاقتراع في شركة مدرجة بالبورصة أو متداولة بالسوق الموازية فغنه يمكن لكل حامل للأوراق المالية لتلك الشركة والتي تخول حقوق الاقتراع ، أن يطلب من هيئة السوق المالية أن تطالب ذلك المساهم أو المجموعة ذات الأغلبية بإيداع مشروع  عرض عمومي للسحب"2 .
وهناك أيضا العرض العمومي للبيع بسعر محدد ويتمثل في عملية مالية تقنية تقوم من خلالها شركة عارضة بإدراج أسهمها بالبورصة ، عبر عرض رأس مالها على العموم بهدف توزيعه وتقوم في هذه العملية بتحديد مسبق للكمية وسعر أوراقها المالية موضوع الإدراج. والبيع العمومي بسعر أدنى وهو تقنية إدراج للشركات في البورصة وفتح رأس مالها للعموم وتتمثل في تحديد كمية الأسهم المراد إدراجها ووضعها تحت تصرف السوق في مرحلة أولى ثم في مرحلة ثانية يتم جمع الاكتتابات من عند الوسطاء وتحديد سعر السهم النهائي بعد إغلاق عملية العرض ويوافق سعر الإدراج في هذه الحالة الحد الأدنى من أخر أمر شراء وقعت تثبيته، ويتم استعمال تقنية الإدراج عبرا العرض العمومي بسعر أدنى عندما يكون


  1. المصدر السابق ذكره ،ص 163و164.
  2. الترتيب العام لبورصة لبورصة الأوراق المالية بتونس المؤشر عليه بقرار وزير المالية المؤرخ في 13 فيفري 1997 .

منحنى السوق تصاعديا وقد وقع استعمال هذه التقنية في البورصة التونسية عند إدراج الشركة العربية للإيجار المالي وشركة المزرعة (1) .  بالإضافة غالى العروض العمومية المختلطة والتي تقوم فيها شركات عارضة بعرضين عموميين متزامنين من أنواع العروض السابقة .(2)
الفرع الثاني : عروض عمومية مفروضة
يكون العرض العمومي للشراء في بعض الحالات مفروضا قانونا على الشركة المستهدفة وذلك عندما تكون الشركة العارضة مراقبة للشركة المستهدفة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ويهدف هذا الإجراء المفروض على المساهمين الأقلية إلى حفظ حقوقهم وتمكينهم من الخروج من الشركة . وفي هذا السياق نشير إلى أن الفصل السابع من قانون عدد 117 لسنة 1994 المتعلق بإعادة تنظيم السوق المالية ينص على أنه في حالة توصل شخص بمفرده أو بالتحالف إلى اكتساب 40% (3) من الأوراق المالية في شركة مساهمة عامة تمكنه من الحصول على أغلبية حقوق الاقتراع فيها وما لم يكن هناك مساهم أخر يمتلك بمفرده أو بالتحالف نسبة أعلى منها ،يمكن لهيئة السوق المالية أن تأمره القيام بعرض عمومي للشراء أو بالالتزام بضمان دفع السعر المسجل بالبورصة .
والعروض العمومية سواء كانت إرادية أو مفروضة فإنها تخضع لنظام يحكم سير إجراءاتها  والرقابة عليها وهو موضوع الجزء الثاني .
الجزء الثاني : سير العروض العمومية
تخضع العروض العمومية إلى مجموعة من الإجراءات عند القيام بها (الفرع الأول ) كما تخضع للرقابة (الفرع لثاني )

1-المصدر السابق ذكره ،ص191،192.
2-المصدر السابق ذكره ،ص162.
3-الفصلين 6 و7من القانون عدد 117 لسنة 1994 كما وقع تنقيحهما بموجب القانون عدد 96 لسنة 2005 و المؤرخ في 18 أكتوبر 2005.
 الفرع الأول :إجراءات العروض العمومية
بادئ ذي بدأ يجب أن يودع مشروع العرض العمومي لدى هيئة السوق المالية من طرف وسيط  في البورصة أو أكثر يضمنون باسم العارض أو العارضين الطابع النهائي للتعهدات المأخوذة،و يودع وسيط أو وسطاء البورصة المكلفين بالعملية لدى هيئة السوق المالية ملفا  يحتوي على الهدف الذي يرمي إليه صاحب العرض و نواياه يوم إيداع العرض و خاصة بالنسبة لاثني عشر شهرا القادمة تجاه الشركة المقصودة فيما يتعلق بالسياسة الصناعية و المالية و الاجتماعية التي ينوي إتباعها داخل الشركة و إذا ما كان هنالك اتفاق بين صاحب العرض و مسيري الشركة المقصودة 1. و يهدف هذا الإجراء خصوصا إلى تمكين هيئة السوق المالية من التعرف على نوايا أصحاب العروض العمومية للشراء و إن كان هذا العرض يهدف إلى تغيير موازين القوى داخل الشركة المقصودة بالعرض و إن كان هذا العرض عرضا وديا أو عدوانيا كما سنتعرض إليه لاحقا، كما يتجه على أصحاب العرض أن يبينوا صلب مشروعهم عدد و طبيعة الأوراق المالية للشركة التي بحوزتهم إذا توفر ذلك. إضافة إلى ذلك ينبغي على مؤسسي العرض أن يشيروا إذا كان هذا العرض يشمل مجموع الأوراق المالية المصدرة أو عــــددا محددا منها و في صورة تعلق العرض بمجموع الأوراق المالية المصدرة يكون صاحب العرض مجبرا بتحديد العدد الأدنى الواجب تقديمه كي يظل العرض قائما و إذا كان العارض يحتفظ بإمكانية العدول عن العرض أو التراجع عنه في حالة عدم الحصول على العدد المطلوب، كل هذه التوضيحات تمكن هيئة السوق المالية من ممارسة دورها الرقابي  حتى يتسنى لها سبر نوايا أصحاب العروض العمومية للشراء مما يمكنها من إعلام بقية المساهمين بصفة واضحة و جلية عن ما يوفر لهم ذلك العرض من ضمانات سواء خيروا البقاء في الشركة على ضوء ما توفر لديهم من معلومات تخصّ العرض أو خيروا مغادرتها.



إضافة إلى الملف الذي يؤيد مشروع العرض من الناحية الإجرائية فان صاحب العرض العمومي للشراء مجبر على أن يبين بصفة جلية أن هذا العرض يعتبر من قبيل العروض العمومية للشراء الودية أو العروض العمومية للشراء العدائية و قد أتى الفقه الفرنسي بهذه التفرقة و أعطى تسمية « OPA sauvage ou OPA amicale »
فحين يكون العرض العمومي للشراء قد تم بالتشاور و موافقة مسيري الشركة التي ستخضع للعرض فإننا نطلق عليه في تلك الحالة عبارة ودي أو تشاوري « OPA amicale ou concertée ».و في حالة ما يكون هذا العرض العمومي الإجباري قد تم دون التشاور المسبق مع المسيرين الحاليين للشركة التي ستكون أسهمها موضوع العرض فنحن نتحدث في تلك الحالة عن عرض عمومي عدائي « OPA sauvage ou hostile »1.لذا يكون و الحالة تلك صاحب العرض مطالبا أن يعلم هيئة السوق المالية إن كان العرض قد تم بالتشاور مع المسيرين الحاليين للشركة أو لا. و يكون لهذا الإعلام المسبق لهيئة السوق المالية بنوعية العرض دور هام و جوهري في تمكينها من ممارسة رقابة أكثر دقة في حالات العروض العمومية العدائية لما في ذلك من تأثير على حقوق صغار المساهمين الذين قد يكونون مجبرين على أن يبقوا مكتوفي الأيدي أمام عملية تغيير كتلة نفوذ الشركة التي يملكون أسهما في صلبها. و تنبغي الإشارة أنه في هذه الحالة و دون تدخل هيئة السوق المالية فان أغلبية مساهمي الشركة سيبقون سجيني أغلبية جديدة قد لا يرغبون في استثمار أموالهم بين أيديها.
و بإعلام هيئة السوق المالية هؤلاء المساهمين بصفة مسبقة بنوعية العرض و تداعياته المستقبلية سيختار كل مساهم إما بيع جميع أسهمه و مغادرة الشركة أو الاحتفاظ بها و البقاء بالشركة رغم التغيير الذي سيطرأ على مستوى إدارتها.





  1-الفصل 131 من الترتيب العام للبورصة.
وقصد القيام بواجب الإعلام فان هيئة السوق المالية تلزم الشركة المقصودة بالعرض العمومي للشراء بأن تمد الهيئة بمذكرة إعلام تبين فيها :
  • قاعدة المساهمين
  • الاتفاقيات المبرمة من طرف الشركة مع الغير
  • وجود اتفاقية بين صاحب العرض و مسيري الشركة المقصودة من عدمه
  • الوضعية المالية للشركة .
  • الرأي المعلل لمجلس الإدارة حول العرض العمومي
و هكذا تتمكن هيئة السوق المالية من أن تتعرف إن كان العرض العمومي للشراء قد يؤدي إلى ظهور كتلة نفوذ جديدة أو إلى مجرد تثبيت لكتلة نفوذ قديمة.
و بالتالي و نتيجة لذلك سيكون كل مساهم على دراية بكل مكوّنات العرض و أهدافه و سيقرر البقاء بالشركة أو مغادرتها عملا بما توفر له من معلومات و كذلك بالنظر إلى سعر الشراء المقترح للسهم.إضافة إلى ذلك يجب على صاحب العرض طبقا للفصل 131 من النظام العام للبورصة أن يحدد السعر الذي يعتزم دفعه لاقتناء الأوراق المالية و العناصر التي اعتمدها في تحديد السعر و الضارب و كذلك شروط الدفع التي يقترحها. و يقدم الملف طبقا للصيغ التي ضبطتها هيئة السوق المالية مصحوبا برسالة توجه إلى هذه الأخيرة تحت إمضاء وسيط أو وسطاء البورصة المكلفين بالعملية و الذين يضمنون الطابع النهائي للتعهدات التي التزم بها صاحب العرض و فحواها. و تعتبر عمليّة تحديد السعر من أهم مراحل العروض العمومية للشراء و من أهم مميزاتها بالنسبة للمساهمين في الشركة موضوع العرض ، فالمستثمر الذي سيلجأ إلى عملية العرض العمومي للشراء يكون مطالبا من جهة بأن يقترح سعرا مغريا لشراء الأسهم كي يقبل المساهمون بيع أسهمهم و من جهة أخرى يجب أن لا يكون سعرا يثقل كاهله مما قد يكتب على مشروع العرض بالفشل.
و لهيئة السوق المالية في هذا النطاق أن  تجبر وسيط البورصة المكلف بالعملية بضمان الطابع النهائي للتعهدات التي التزم بها صاحب العرض ،و يمثل هذا الإجراء حماية للمساهمين في الشركة الخاضعة للعرض من تراجع صاحب العرض و عدم التزامه بتعهداته المالية و ذلك في الحالة التي يتعذر فيها على منشئ العرض التقيد بالتزاماته.
و يعتبر الفقيه الفرنسي ألان فاندي على أن عملية ضمان الالتزامات هذه يؤسسها هاجس ضمان جدية طلب صاحب العرض و خاصة تتميع المساهمين بحماية من عجز مالي من الطرف المنشئ للمشروع، و بموجب هذا الضمان يلتزم الوسيط في البورصة الذي يقدم العرض لهيئة السوق المالية بتنفيذ الالتزامات المحمولة على كاهل صاحب العرض لو تخلف عنها أو عجز عن ذلك (.  و يعتبر فقهاء القانون أن الوسيط في البورصة يحل محل صاحب العرض و يكون مطالبا بتنفيذ الالتزامات المالية كما لو كانت صادرة عنه.  و نظرا لأهمية وظيفة الضمان الذي يتعهد بها وكيل البورصة فقد تعرض المشرع لهذه النقطة صلب فصلين من النظام العام للبورصة فإلى جانب تكريس هذه النقطة صلب الفصل 131 فان الفصل 133 من النظام ينص على أنه يخول لهيئة السوق المالية المطالبة بضمانات إضافية كإيداع تغطية مالية(2) .
و لضمان هذه الالتزامات فان وسطاء البورصة يلجئون إلى صندوق الضمان الذي يخصص للتدخل لفائدة المتعاملين في سوق الأوراق المالية و الأدوات المالية قصد تغطية المخاطر غير التجارية المنصوص عليها صلب الفصل 62 من القانون عدد 117 لسنة 1994 المتعلق بتنظيم هيئة السوق المالية و الفصل 12 من النظام العام للبورصة، إذ يجب على وسطاء البورصة أن ينشئوا صندوقا لضمان عمليات السوق يخصص حصرا لضمان نتيجة عمليات التداول في السوق فيما بينهم في حالة عجز أحد الوسطاء عن الوفاء بالدفع أو التسليم و ذلك بعد نفاذ الوسائل و السبل المنصوص عليها في القوانين و التراتيب المنظمة للسوق.
و تعتبر هذه الرقابة التي تمارسها هيئة السوق المالية مدة تنفيذ العرض العمومي ذات أهمية بالغة إذ أن هذا التدخل يجبر جميع المتداخلين في عملية العرض على الوفاء بالتزاماتهم المالية مما يمثل عنصرا وقائيا هاما بالنسبة لكل المساهمين في الشركة موضوع العرض العمومي للشراء فيكون كل مساهم راغب في بيع أسهمه متأكدا من أنه سيتحصل على المقابل المالي لعملية التفويت حتى في حالة العجز المالي لمؤسس العرض طوال المدة التي يبقى فيها العرض قائما.  أما المدة التي تكون فيها الشركة مستهدفة من قبل عرض عمومي للشراء فتمثل فترة حساسة جدا. إذ أن الشك الذي يحوم حول النتيجة التي سيؤول إليها العرض العمومي للشراء سيؤثر حتما بالسلب على الحياة الاقتصادية للشركة و على ظروف العمل لأجرائها و جميع المتعاملين معها بصفة عامة من حرفاء و مزودين. و تجدر الإشارة إلى أن أصحاب العروض العمومية الذين سيتنافسون قصد الوصول إلى مركز القرار في الشركة يمكن لهم أن يتزايدوا بخصوص السعر المقترح للأسهم و ذلك قصد ضمان مبدأ المنافسة المشروعة بين مختلف الراغبين في شراء هذه الأسهم و هو ما يؤدي إلى إطالة فترة العرض العمومي للشراء و بالتالي تواصل فترة الشك الذي يحوم حول مصير الشركة.
و قد نص الفصل 135 من النظام العام للبورصة أنه إضافة إلى جملة المعلومات التي يشملها بلاغ الافتتاح يجب أن ينص على تاريخ افتتاح العرض و تاريخ اختتامه ، و قد نص هذا الفصل كذلك على أن مدة العرض لا يجب أن تقل على عشرة أيام عمل كما يمكن لهيئة السوق المالية خلال مدة صلاحية العرض أن تأجل تاريخ اختتامه و يبين بلاغ هيئة السوق المالية الجدول الزمني الجديد للعرض و المتغيرات التي يمكن أن تنجر عن هذا التأجيل.
ويثور التساؤل حول السبب الذي دفع المشرع التونسي إلى تحديد المدة الدنيا للعرض العمومي للشراء دون أن يحدد المدة القصوى التي لا يجب أن يتجاوزه العرض العمومي للشراء.
هذا التمشّي الذي اعتمده المشرع قد يؤدي  إلى إطالة فترة الشك التي قد تحوم حول الشركة كما كنا قد بينا سابقا مما يؤثر سلبا على مردوديتها.  و قد كان من المستحسن أن يحدد المشرع التونسي صلب النظام العام للبورصة مدة قصوى لا ينبغي أن يتجاوزها العرض العمومي للشراء تفاديا لتداعيات فترة العرض على مصير الشركة. و على عكس المشرع التونسي فقد خير المشرع الفرنسي أن تحديد المدّة التي لا ينبغي أن تتجاوزها فترة العرض العمومي للشراء بثلاثة أشهر و ذلك إيمانا منه من أن فترة العرض العمومي للشراء لا يجب أن تبقى مفتوحة لفترة غير محددة وانطلاقا من بدء إجراءات العرض العمومي وبعد القيام به فإنه يخضع لرقابة  هيئة السوق المالية التي تملك هذه الصلاحية وهو ما سنبينه  (الفرع الثاني).
الفرع الثاني : الرقابة على العروض العمومية :
رغم كل ما توفره العروض العمومية للشراء من مزايا على مستوى النسيج الاقتصادي فانه لم يخفى على المشرع التونسي أن ينشأ هيكلا يتكفل بمراقبة السوق المالية بتونس و تحديدا توفير رقابة على العروض العمومية للشراء لما قد تكتسيه نتائجها من خطورة على صغار المساهمين.
هذا الهيكل هو هيئة السوق المالية و قد تم إنشاؤه بمقتضى القانون عدد 117 لسنة 1994 إذ جاء صلب الفصل 23 منه "أحدثت هيئة تتمتع بالشخصية المدنية و بالاستقلال المالي مقرها تونس العاصمة و تسمى هيئة السوق المالية "1.
و كلف المشرع هيئة السوق المالية بموجب هذا القانون بالسهر على حماية الادخار المستثمر في الأوراق المالية

1- القانون عدد 117 لسنة 1994 و المؤرخ في في 14/11/1994 و المتعلق بإعادة تنظيم السوق المالية.

و الأدوات المالية القابلة للتداول بالبورصة و في كل توظيف للأموال يتم عن طريق المساهمة العامة كما تكلف هيئة السوق المالية بتنظيم أسواق الأوراق المالية و الأدوات المالية القابلة للتداول بالبورصة و السهر على حسن سيرها.كما تكلف هيئة السوق المالية بالولاية على مؤسسات التوظيف الجماعي في الأوراق المالية. و تتمتع هيئة السوق المالية بسلطة واسعة تمكنها من تنفيذ مهمتها المتعلقة بتنظيم سير سوق المالية كما تتمتع بسلطة واسعة لتمارس رقابتها على العروض العمومية للشراء.
و إن خير المشرع التونسي أن يوكل مهمة رقابة عدد كبير من عمليات البورصة العادية لبورصة الأوراق المالية بتونس فانه ارتأى أن يخضع لرقابة هيئة السوق المالية بعض العمليات الاستثنائية و منها العروض العمومية للشراء و ذلك عبر النظام العام للبورصة الذي يخول لهيئة السوق المالية التدخل سواء أثناء فترة تكوين العروض العمومية للشراء أو بعد نجاح هذه العروض.  و هذه الرقابة هذه الرقابة إلى قسمين الأول و يمثل الرقابة القبلية اذ ينبغي على العرض العمومي للشراء أن يستجيب إلى مجموعة من الإجراءات الشكلية و تفرض هيئة السوق المالية رقابتها على هذه العروض و مدى احترام صاحب العرض لجميع الإجراءات القانونية، كما أن هيئة السوق المالية التي من مهامها السهر على حماية الادخار تملك سلطة مراقبة بعدية أي على مستوى نتيجة العرض و على كل المشاريع التي تمكن القائم أو القائمين بها بالتحالف من التحصل على أغلبية حقوق التصويت مما قد يشكل خطرا على صغار المساهمين .
و من هذا المنطلق تمارس هيئة سوق المالية رقابتها على العروض العمومية وذلك أثناء سير إجراءات لعروض العمومية التي ذكرناها سابقا ورقابة لاحقة ، حيث تعتبر الرقابة اللاحقة التي تمارسها هيئة السوق المالية على العرض العمومي للشراء ذات أهمية قصوى بالنسبة لصغار المساهمين إذ أن هيئة السوق المالية و خلال الفترة المباشرة التي تلي انتهاء عملية اقتناء الأسهم ستراقب تكون كتلة نفوذ جديدة داخل الشركة من عدمها. إذ أنه و كما أشرنا إلى ذلك سابقا قد يؤدي العرض العمومي للشراء إلى حصول تغير على مستوى الأغلبية في الشركة إذ أن مؤسسي العرض العمومي قد يتوصلون اثر العرض و عبر اقتناء عدد محدد من الأسهم إلى الوصول إلى موقع القرار في المؤسسة مما قد يؤثر سلبا على مصالح بعض صغار المساهمين الذين قد يبقون سجيني تلك الأغلبية. المشرع التونسي منح هيئة السوق المالية عبر الفصلين 6 و 7 من القانون عدد 117 لسنة 1994 كما هو منقح بموجب القانون عدد 96 لسنة 2005 سلطة رقابة واسعة تمكنها من إلزام مؤسسي العرض بالقيام بعرض عمومي إجباري قصد شراء بقية الأسهم و ذلك قصد تمكين أي مساهم من مغادرة الشركة بعد تغير موقع القرار فيها و أصبحت بين أيدي أشخاص لم يمنحهم ثقته قصد استثمار أمواله.
تمنح العروض العمومية للشراء عديد المؤسسات الاقتصادية امكانية توسيع نشاطها بطريقة تتماشى مع طموحاتها المستقبلية و فرصة حقيقية لمواجهة المزاحمة التي قد تتعرض لها طوال حياتها سواء كانت تلك المزاحمة من مؤسسات تونسية أو مؤسسات دولية.
لكن و نظرا للتحول الكبير الذي سيؤدي إليه حتما العرض العمومي للشراء على مستوى موطن القرار داخل الشركة التي ستخضع إليه فان المشرع التونسي و حفاظا على حقوق المساهمين في الشركة التي ستكون أسهمها عرضة للعرض العمومي للشراء و خصوصا صغار المساهمين منح هيئة السوق المالية صلاحيات واسعة قصد مراقبة شرعية العرض العمومي سواء في المرحلة السابقة لشراء الأسهم أو الفترة اللاحقة لها.
هذه السلطة الواسعة التي منحها المشرع لهيئة السوق المالية يجب أن يقع استعمالها طبعا لحماية حقوق صغار المساهمين و لكنها رغم ذلك يجب على هيئة السوق المالية أن تضع نصب أعينها حين تدخلها أيضا مصلحة صاحب العرض كي لا تفرغ تقنية العرض العمومي للشراء من محتواها و تنفر منه المتداخلين في الميدان الإقتصادي

عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية