الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

د. حاتم قطران يكتب لـ «الشروق»:أطلب تدخل رئيس الدولـــة لردّ مشـــروع قانون القضاء على العنف ضد المرأة

اختيارنا التشريعي في تحديد سن الرشد الجنسي شاذ ومشطّ.. ولا يقي الاطفال من الاعتداءات
هناك خلـــــــــــــل في الفصلين 227 و227 مكرر المتعلقين بالجرائم الجنسية ضد الأطفال
توسيــــــــع قائمة مرتكبــــــــــــي جرائم الاغتصاب وضحاياها عقـــــــدة كبــــــرى في المشروع
الجريمة الجنسية تصبح اغتصابا إذا كانت الضحية دون الـ 13 سنة كاملة
هكذا يصبح مشروع القانون «ثورة تشريعية» لفائدة المرأة والطفل والأسرة

صادق مجلس نواب الشعب قبل أيام على مشروع القانون الأساسي للقضاء على العنف ضد المرأة وينتظر أن يعرض قريبا على رئيس الدولة للتوقيع عليه حتى يدخل حيّز التنفيذ. د. حاتم قطران (عضو لجنة حقوق الطفل لمنظمة الأمم المتحدة والأستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس) رصد بعض الثغرات في هذا القانون طالت مقتضياته المتعلقة بالجرائم الجنسية ضد الأطفال. وقد خصّنا بمداخلة قيمة صاغها في قالب نداء موجه الى رئيس الجمهورية من أجل ردّ مشروع هذا القانون الاساسي الى مجلس نواب الشعب لتلافي الثغرات المرصودة قبل توقيعه من قبل رئيس الجمهورية.
صادق مجلس نواب الشعب مساء يوم 26 جويلية 2017 بإجماع كل النواب الحاضرين بالجلسة العامة وعددهم 146 على مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.
وفاء بتعهّد دستوري
حيّ نواب الشعب ومختلف المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان اعتماد مشروع القانون الذي جسّم إرادة جميع التيارات والكتل في التغلب على الخلافات السياسية والأيديولوجية، ما يمثّل، بلا ريب، "ثورة تشريعية" ويمكن من تجسيد احد التعهّدات المنصوص عليها بمقتضى الفقرة الرابعة من الفصل 46 من الدستور الجديد بأن "تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة".
ولا يسع كاتب هذا المقال إلا أن يعبّر من ناحيته عن سعادته باعتماد مشروع القانون الذي يمثل مكسبا وطنيا بفضل المقاربة الشمولية التي اتسم بها والتي تبدأ بالوقاية من العنف إلى الملاحقة الجزائية، من دون إغفال الجوانب المتعلقة بحماية المتضررات من العنف وتقديم المساعدة وإعادة التأهيل الاجتماعي والنفسي لهن.
وقد اعتمد مشروع القانون بعد مناقشات ساخنة، واستدعى إعادة النظر فيه بعد اعتماد أولي، بناء على طلب من الحكومة، وذلك بغاية مراجعة أحكامه المتعلقة بحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي، بما في ذلك تلك المتعلقة بتنقيح الفصلين 227 و 227 مكررا من المجلة الجزائية، الأول متعلق بالاغتصاب، والثاني بالاعتداء الجنسي على أنثى برضاها سنها دون سن الرشد القانوني.
تنقيحات ذات أهداف نبيلة
يجدر التذكير في هذا الخصوص بنقطة الانطلاق لهذا التنقيح للفصلين 227 و 227 مكررا من المجلة الجزائية والمتجسّد في الإحساس بالسّخط نتيجة للحكم الصادر منذ ما يزيد عن السنة عن محكمة الكاف والقاضي بوقف التتبعات ضد رجل نتيجة مواقعة فتاة تبلغ من العمر 13 سنة، نتج عنه حمل هذه الاخيرة، والسماح له بالزواج من ضحيته.
وقد زاد شعور السّخط من هذا الحكم بعد أن ثبت أن القانون الجزائي نفسه هو الذي يشرّع للفعل الإجرامي ولانتهاك حقوق الطفل. وهنا موضع الإشارة إلى الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية في صياغته الحالية، الذي يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من واقع أنثى برضاها سنها دون خمسة عشر عاما كاملة، وبالسجن مدة خمسة أعوام إذا كان سن المجني عليها فوق الخمسة عشر عاما ودون العشرين سنة كاملة، مع الإضافة بأن "زواج الفاعل بالمجني عليها في الصورتين المذكورتين يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة".
ومن ثم كان أحد الاهداف الأصلية من مشروع القانون في هذا الباب مراجعة هذه الأحكام، وتم بهذا الخصوص الموافقة من قبل الكتل النيابية على صياغة أولى للتنقيح كانت مقبولة عموما وذلك بإلغاء مقتضيات الفصل 227 مكررا والاعلان عن نهاية الإجازة التشريعية للزواج من المغتصبة كسبب للإفلات من العقاب. وفي ذات الوقت قام مشروع القانون بتوسيع جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال، لتشمل الفتيان مثل الفتيات، بما يجسد إحدى التوصيات الختامية التي أبدتها لجنة الأمم المتحدة حقوق الطفل، عقب النظر النظر يوم 4 جوان 2010 في التقرير الثالث لتونس حول إعمال اتفاقية حقوق الطفل والتي لاحظت فيها اللجنة "...بقلق أن المادة 227 مكررا من المجلة الجزائية التي تحظر إقامة علاقة جنسية خالية من العنف مع طفلة يقل عمرها عن 15 عاماً تشير إلى الفتيات فقط ومن ثم فهي لا تحمي صراحةً الفتيان الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً من هذه الأفعال...". وبناء عليه، أوصت اللجنة " بأن تعدّل الدولة الطرف المادة 227 مكرراً من مجلتها الجزائية لتضمن حظراً صريحاً لإقامة علاقات جنسية مع كلٍ من الفتيات والفتيان الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً. وتوصي اللجنة كذلك بأن تنفذ الدولة الطرف ما يكفي من التشريعات والسياسات والبرامج لمنع الاعتداء على الأطفال واستغلالهم جنسياً، والتحقيق في هذه الحالات ومقاضاة مرتكبيها وتوفير خدمات إعادة التأهيل والإدماج الاجتماعي لضحاياها..." ( راجع الوثيقة CRC/C/TUN/CO/3 CRC/C/TUN/CO/3 بتاريخ 16 جوان 2010، الفقرتان 61-62).
بيد أن مشروع القانون ذهب إلى أبعد من ذلك وتولّى في ذات الوقت مراجعة مقتضيات الفصل 227 من المجلة الجزائية بغاية إعادة تعريف أحكام الاغتصاب والتي تعاقب، في صياغتها الحالية، بالإعدام كل من واقع أنثى غصبا باستعمال العنف أو السلاح أو التهديد به، و كذلك كل من واقع أنثى سنها دون العشرة أعوام كاملة ولو بدون استعمال الوسائل المذكورة، وبالسجن بقية العمر كل من واقع أنثى بدون رضاها في غير الصور المتقدّمة.
وقد جاءت مراجعة أحكام الفصل 227 جديد في الصياغة النهائية المعتمدة مقبولة بوجه عام حين تولت:
- تعريف جريمة الاغتصاب وتحديد ركنه المادي المتمثل في "كل فعل إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته والوسيلة المستعملة ضد أنثى أو ذكر دون رضا"، بما يشمل الذكور الضحايا والإناث على حد السواء؛
- إلغاء عقوبة الإعدام وتعويضها بعقوبة السجن لمدة 20 عاماً، مع الرفع في العقوبة إلى السجن بقية العمر في صور اركاب جريمة الاغتصاب باستعمال العنف أو السلاح أو التهديد به أو باستعمال مواد أو أقراص أو أدوية مخدرة أو مخدرات، أو ضد طفل ذكرا كان أو أنثى سنه دون 10 اعوام كاملة، وكذلك الأمر في صورة سفاح القربى باغتصاب الطفل مرتكب من أشخاص محددين من الأقارب مثل الأصول وإن علوا والفروع وإن سفلوا والإخوة والإخوان...، ما يمثل في حد ذاته تجديدا تشريعيا ذا نوعية خاصة. كما تكون العقوبة السجن بقية العمر إذا كانت الضحية في حالة استضعاف مرتبطة بصغر أو تقدم السن أو بمرض خطير أو بالحمل أو بالقصور الذهني التي تضعف قدرتها على التصدي على المعتدي، أو إذا حصل الاغتصاب ممن كانت له سلطة على الضحية أو استغل نفوذ وظيفه أو من مجموعة أشخاص فاعلين أو مشاركين.
نقطة الضعف الأساسية في مشروع القانون
في حين كان هناك توافق في الآراء بين مختلف الكتل البرلمانية وصل إلى اعتماد مشروع القانون برمته، بما في ذلك التنقيحات المقترح إدخالها على الفصل 227 من المجلة الجزائية المتعلّق بالاغتصاب، تم بطلب من الحكومة وتحت ضغط من عدد من الجمعيات والمنظمات الغير حكومية المعنية، طلب إعادة صياغة الفقرة الثانية من 227 جديد ومقتضاها: " ويعتبر الرضا مفقودا إذا كان سن الضحية دون 13 عاما كاملة ".
وهنا موضع القلق المتأتي من الخلط في مدلول هذه الفقرة والتي لا تتعلق بتحديد "سن الرضا الجنسي" وإنما الغاية منها تحديد "سن الانعدام المطلق للرضا الجنسي" ما ينعكس على تحديد طبيعة الجريمة الجنسية وجعلها في مقام "الاغتصاب" مهما كانت الوسائل المستعملة وحتى في غياب أي مظهر من مظاهر العنف كلما كان سن الضحية دون 13 عاما كاملة.
والرأي عندنا أنه لم تكن هذه الفقرة الثانية من الفصل 227 جديد لتثير كل هذه الانتقادات لو تمت صياغتها على النحو التالي: " ويعتبر الاغتصاب قائما بصفة قطعية إذا كان سن الضحية دون 13 عاما كاملة ". وهذا هو معنى مستويات العمر المختلفة، التي غالباً ما تستخدم في القانون المقارن، حيث تصنف العقوبات في حالة الجرائم الجنسية ضد الأطفال تبعاً لعمر الضحية. وهو ما كرّسه الفصل 227 جديد نفسه، في الصياغة المقترحة لمشروع القانون حين جعل من بين ظروف تشديد عقوبة الاغتصاب ورفعها إلى السجن بقية العمر صورة ارتكابها ضد طفل ذكرا كان أو أنثى سنه دون 10 اعوام كاملة.
وفي نهاية الأمر، وفي ظل موجة الارتباك التي ميزت المناقشات في الجلسة العامة والتي زادت في منسوب الخلط في المفاهيم، تم الرفع في "سن الانعدام المطلق للرضا الجنسي"، المحددة في القرة الثانية من الفصل 227 جديد، ما يترتب عنه خاصة ما يلي:
- قيام جريمة الاغتصاب بصفة قاطعة وغير قابلة للدحض في جميع الصور التي تحصل فيها علاقة جنسية مع طفل ذكرا كان أو أنثى سنه دون 16 عاما كاملة، وذلك حتى في صورة موافقة الضحية، بل وحتى في صورة حصول العلاقة بين طفلين، أحدهما أو كلاهما دون سن 16 عاما المذكورة؛
- مراجعة مقتضيات الفصل 227 مكرر جديد المتعلق بجريمة "الاتصال الجنسي بطفل كان ذكرا أو أنثى برضاه" وجعلها تقتصر على الاتصال الجنسي بطفل عمره بين 16 عاما كاملة و18 عاما!
وجه القلق الأول: توسيع لقائمة مرتكبي جرائم الاغتصاب وضحاياها!
لا يتمثل موضع الريب في كون مشروع القانون قد أبقى على تجريم كل العلاقات الجنسية مع الأطفال دون 18 عاما. فالأمر يمكن فهمه في سياق مدلول السياسة الجزائية الوطنية وتعريف مفهوم الجريمة الجنسية، حيث ترتبط بسن "الرشد الجنسي" في القانون الجزائي التونسي والتي لا تقل بأية حال، قبل مشروع القانون المعتمد من قبل مجلس نواب الشعب وبعده، عن سن الرشد القانوني، المحدد ب 18 عاما، طبقا لمقتضيات القانون عدد 39 لسنة 2010 المؤرخ في 26 جويلية 2010 والخاص بتوحيد سن الرشد المدني.
ويكمن سبب الالتباس حينئذ أساسا في قيام مشروع القانون الجديد في الرفع في "سن الانعدام المطلق للرضا الجنسي" كقرينة غير قابلة للدحض لقيام لجريمة الاغتصاب، وجعلها تنطبق في جميع الحالات التي يكون فيها سن الضحية دون 16 عاما كاملة، وهو ما يذهب إلى أبعد من مجرد حظر على العلاقات الجنسية مع القاصرين، ليشمل تكييف جميع هذه العلاقات مع من هم دون 16 بكونها تمثّل جريمة الاغتصاب على معنى الفصل 227 جديد، بما ينطبق مستقبلا على جميع الأشخاص الذين مارسوا مثل هذا العلاقات الممنوعة، بمن فيهم الأطفال أنفسهم، بما يوسّع في دائرة مرتكبي مرتكبي جرائم الاغتصاب وضحاياها، مهما كانت الوسائل المستعملة وحتى في الصور التي يكون فيها الطفل نفسه قد وافق على قيام العلاقة الجنسية!
والرأي عندي شخصيا ـ وبكل تواضع ـ انطلاقا من التزامي الشخصي والثابت بمناصرة حقوق الطفل طوال أكثر من ثلاثين عاماً، وبصفتي أقدم عضو في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، أن هذا الخيار التشريعي مبالغ فيه للغاية، وخلافا لما قيل وتم تقديمه في بعض الشهادات، فإن هذا الخيار لم يتم تكريسه في القانون الدولي ولا في القانون المقارن، حيث يتولى القانون عادة تحديد أصناف عمر مختلفة يتم فيها التمييز بصفة واضحة بين غياب "سن الرشد الجنسي" (« majorité sexuelle ») و"انعدام سن الرشد الجنسي من أصله" ( «âge de non- consentement sexuel» )، ما ينعكس على تكييف الجريمة ويجعلها ترتقي إلى جريمة الاغتصاب، وذلك كل ما كانت سن الضحية منخفضة إلى درجة ينعدم فيها أي تقدير لدى الطفل لطبيعة العلاقة الجنسية مع الغير و يمثّل واحدا من الظروف المشددة للعقوبة، هو ما حدا بعدد من التشريعات المقارنة في عدد من الدول الراسخة في حماية حقوق الطفل بجعل سن "انعدام الرشد الجنسي من أصله" في مستوى منخفض، وعلى أي حال في سن أقل من سن الرشد الجنسي.
وعلى سبيل المثال، فقد حدد الفصل 227-25 من المجلة الجزائية الفرنسية سن الرشد الجنسي ب 15 عاما وجعل من هم بلغوا سن الرشد المدني (18 عاما) وحدهم معنيين بحظر العلاقات الجنسية مع الأطفال دون 15 عاما، وفي صورة ارتكاب الجريمة، يكون الحكم بالسجن مدة أقصاها خمسة أعوام، دون أن يمثّل ذلك اغتصابا. أما سن "انعدام الرشد الجنسي من أصله" فقد حددته المحاكم عمليا في حالات قيام العلاقة الجنسية مع من هم دون 12 عاما، استنادا إلى "غياب الرضا القائم على العلم («absence de consentement éclairé») وإلى عنصر المباغة («surprise») المتضمن في المجلة الجزائية والذي يعتمد في تكييف الجريمة الجنسية ضد الطفل.
وحدد سن "الرشد الجنسي" («majorité sexuelle ») في باقي الدول الأوروبية في سن أقل من سن الرشد المدني (14 عاما في ألبانيا والنمسا وبلغاريا وألمانيا وإيطاليا...)، ( 15 عاما في كرواتيا والجمهورية التشيكية والدانمارك واليونان وموناكو والسويد...)، (16 عاما في بلجيكيا وإسبانيا وفنلندا وهولندا والنرويج وسويسرا والمملكة المتحدة...). ولم تبق سوى مالطا وتركيا والفاتيكان يتم فيها الإبقاء على سن "الرشد الجنسي" في حدود 18 عاما.
بيد أنه وفي جميع هذه الدول، يحدد" انعدام سن الرشد الجنسي من أصله" («âge de non- consentement sexuel») في سن أقل من سن "الرشد الجنسي" («majorité sexuelle»). ففي بلجيكا مثلا، حيث حدد سن الرشد الجنسي ب 16 عاما، يتم تجريم العلاقات الجنسية مع المراهقين الذين بلغوا سن 14 و15 عاما، مع الإشارة إلى أن هذه العلاقات تتحوّل إلى جريمة "اغتصاب" كلما كان سن الضحية دون 14 عاما. وهكذا تتدرّج العقوبات تبعاً لعمر الضحية، وفقا لمراحل العمر الدنيا التي تتراوح بين من هم دون 10 و14 و 16 سنة.
وفي باقي دول شمال إفريقيا، حددت سن "الرشد الجنسي" ب 18 عاما في كل من المغرب ومصر، و ب 16 عاما في الجزائر وموريتانيا، فيما تجرّم جميع العلاقات الجنسية خارج الزواج في دول الخليج.
اختيار تشريعي شاذ ومشط!
لا يتمثل التفرد في الاختيار التشريعي الذي انتهى إليه التوافق في القانون المعتمد من قبل مجلس نواب الشعب مساء يوم 26 جويلية 2017 في تحديد "سن الرشد الجنسي" في 18 سنة من العمر، ولكن في تكييف كل علاقة مع من هم دون 16 سنة من العمر على أنها تمثل جريمة اغتصاب! وهنا بالذات يكمن تفرّد الحل التشريعي التونسي قياسا بما هو معمول به في الشرق والغرب وفي شتى النظم القانونية المقارنة، ما يمثل شططا ولا يساهم في تقديرنا في الوقاية من الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال، باعتبار أن الطفل نفسه الذي يتم والحالة تلك الحكم بأنه كان ضحية جريمة "اغتصاب" قد يتأثر سلبا وبصفة دائمة من تبعات هذا الحكم النفسية والتي لا تخدم بالضرورة مصالحه الفضلى. وهنا موضع التذكير، في هذا المجال كما في غيره من مجالات السياسة الجزائية، "أن العقوبات المتناسبة مع خطورة الجرائم تؤدي وحدها الغرض منها عند وضعها، لأن المتقاضين يدركون أنها عادلة وقابلة للحكم بها وتنفيذها، بينما تتحوّل العقوبات غير ذات صلة بخطورة الجرم إلى شيء من "الفزاعات السخيفة" وتقلق حسن سير السياسة الجزائية" .
وجه القلق الثاني: إدماج الأطفال في قائمة مرتكبي الاغتصاب الجنسي؟
يتمثل وجه القلق الثاني المترتب عن صياغة الفصل 227 جديد، مثلما تمت مراجعته واعتماده من قبل مجلس نواب الشعب في كون الطفل نفسه يمكن اعتباره من ضمن "المعتدين الجنسيين" ومعرّضا للحكم عليه بارتكاب جريمة الاغتصاب كل ما كان سن "شريكه" في العلاقة الجنسية أقل من 16 عاما كاملة!
وخلافا للفصل 227 مكررا جديد المتعلق موضوعه بتجريم الاتصال الجنسي بطفل ذكرا كان أو أنثى برضاه والذي وضع – على نحو لا يخلو هو الآخر من الخلط كما سنبينه لاحقا- نظاما خاصا عندما يكون مرتكب الجرم طفلا، لم يضع الفصل 227 جديد أي نظام خاص للصورة التي يكون ارتكاب جريمة الاتصال الجنسي بطفل سنه دون 16 عاما من قبل طفل آخر لم يكتمل سن الرشد، بل سنه هو نفسه دون 16 عاما، في حين يكون هذا الاتصال الجنسي قائما دون أي وجه عنف بين قاصرين وبتمام رضاءهما! وقد وردت عبارات نص الفقرة الثانية من الفصل 227 جديد من المجلة الجزائية والقاضية بأنه " يعتبر الرضا مفقودا إذا كان سن الضحية دون 16 عاما كاملة" مطلقة، ما يستوجب تأويلها على إطلاقها، وفقا للقاعدة العامة في مجال التأويل المنصوص عليها بالفصل 533 من مجلة الالتزامات والعقود والقاضية بأنه "إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها"، مما يعني أن لا وجه وصياغة الفصل 227 جديد على هذا النحو من تطبيق أي نظام استثناء خاص بالأطفال. وهذا يعني أن الأطفال سيخضعون مستقبلا للمحاكمة بتهمة الاغتصاب على معنى الفصل 227 (جديد) إذا كان أحد الشركاء في العلاقة الجنسية سنه دون 16 عاما كاملة! ولا يتسنى للحد من وطأة هذا الاتجاه المتشدّد إلا الاستناد إلى أحكام الفاصل 43 من المجلة الجزائية والقاضية بتخفيف العقوبات (الحط من السجن بقية العمر وتعويضه بالسجن مدة عشرة أعوام، وإذا كان العقاب المستوجب هو السجن لمدة معينة تحط مدته إلى النصف على أن لا يتجاوز العقاب المحكوم به الخمسة أعوام).
وكان في الواقع حريا بواضعي هذه الصياغة الجديدة للفصل 227 (جديد) رفع كل وجه التباس ووضع نظام خاص بالأطفال، يجعلهم في مأمن من تطبيق قرينة الاغتصاب المترتبة عن الفقرة الثانية من الفصل 227 (جديد) في الصور التي يكون فيها سن أحد الأطفال دون 16 عاما كاملة، دون أن يعني ذلك إعفاءهم الكامل من أية مسؤولية جزائية وفي جميع الحالات. وكان من الحري في هذا الصدد حصر جريمة الاغتصاب التي يمكن مواجهة الأطفال بها لتغطية الحالات التي يثبت فيها أن الطفل الجاني استغل حالة الضعف لدى طفل آخر، أو قام باستعمال إحدى الوسائل المنصوص عليها بالفصل 227 (جديد)، مثل استعمال العنف أو السلاح أو التهديد به، أو ارتكب الاعتداء الجنسي ضد طفل آخر ذكرا كان أو أنثى سنه دون 10 أعوام كاملة، أو ممارسة سفاح القربى.
وفي ما عدا ذلك، وكل ما حصلت العلاقة الجنسية دون عنف بين اثنين من الأطفال القصر، يجدر التنصيص صراحة على عدم تجريم الأطفال، إلا إذا كان أحد الأطفال سنه دون ثلاثة عشر عاماً!
وجه القلق الثالث: أية علاقة بالطفل المهدد؟
خلافا للفصل 227 (جديد) المعلق بجريمة الاغتصاب والذي لم يتضّمن أية مقتضيات خاصة بمرتكبي هذه الجريمة من بين القاصرين، نص الفصل 227 مكررا (جديد) الخاص بجريمة مواقعة قاصر برضاه سنه بين 16 و 18 عاماً على أنه " عند ارتكاب الجريمة من قبل طفل تطبق المحكمة أحكام الفصل 59 من مجلة حماية الطفل". ويصل وجه الارتباك والخلط في المفاهيم في هذا الصدد حده الأقصى بالرغم من الغرض النبيل المنشود وهو تجنيب الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 18 عاما العقوبات السالبة للحرية! ومرد وجه القلق أن لا علاقة بين الأطفال الذين يباشرون علاقات جنسية مخالفة لمقتضيات الفصل 227 مكرا من المجلة الجزائية بمجال تطبيق أحكام الفصل 59 من مجلة حماية الطفل المدرج تحت العنوان الأول من المجلة المذكورة والمتعلق بحماية الطفل المهدد الموجود في إحدى الحالات الصعبة التي تهدد صحته أو سلامته البدنية أو المعنوية، والذي يدعو قاضي الأسرة للإذن في مثل هذه الحالات باتخاذ إحدى الوسائل الهادفة إلى إبقاء الطفل لدى عائلته ونحو ذلك من القرارات الملائمة والمناسبة لوضعه. وكان حريا بواضعي الفصل 227 مكررا (جديد) الاستناد إلى أحكام الفصل 99 من نفس مجلة حماية الطفل المدرجة ضمن العنوان الثاني من المجلة والمتعلقة بحماية الطفل الجانح ومقتضاها: " إذا كانت الافعال المنسوبة للطفل ثابتة فان قاضي الأطفال أو محكمة الأطفال تتخذ بقرار معلل أحد التدابير التالية:
1) تسليم الطفل إلى أبويه أو إلى مقدمه أو إلى حاضنه أو إلى شخص يوثق به.
2) إحالته على قاضي الأسرة.
3) وضعه بمؤسسة عمومية أو خاصة معدة للتربية والتكوين المهني ومؤهلة لهذا الغرض.
4) وضعه بمركز طبي أو طبي تربوي مؤهل لهذا الغرض.
5) وضعه بمركز اصلاح ..).
الخاتمة: يأسف كاتب هذه السطور التسرع والارتباك الذين طبعا مداولات مجلس نواب الشعب عند اعتماد مشروع القانون الأساسي للقضاء على العنف ضد المرأة في مقتضياته المتعلقة بالجرائم الجنسية ضد الأطفال. وقد كان بالوسع تجنّب مختلف أوجه الخلط والقلق المشار إليها أعلاه بإجراء مشاورات أوسع مع الخبراء من ذوي الخبرة في هذه المسائل، وجعل مشروع القانون يرتقي بحق إلى رتبة الإصلاحات التشريعية الرائدة، كما كان الحال ولا يزال بالنسبة لمجلة حماية الطفل، الصادرة بمقتضى القانون عدد 92 لسنة 1995 مؤرخ في 9 نوفمبر 1995 والتي مثلت ولا تزال محطة مرجعية بارزة، معترفا به إقليميا ودوليا، ونموذجا لما يمكن أن بقدّمه المشرع في مجال حماية حقوق الطفل.
ويحدونا الأمل ، في هذه الظروف، بأن يأذن رئيس الجمهورية بردّ مشروع القانون بغية تعديله من قبل مجلس نواب الشعب، وذلك فيما يتعلق بمقتضياته الخاصة بمراجعة الفصل 227 والفصل 227 مكررا من المجلة الجزائية، على النحو الذي يرفع أوجه الريب والخلط المشار إليها أعلاه، ويمكن بحق من جعل القانون المتعلق بالعنف ضد المرأة "ثورة تشريعية" لفائدة المراة والطفل والأسرة بوجه عام! أما الإبقاء على القانون الأساسي في صياغته الحالية فهو من شأنه يؤثر سلبا على التوازن العام للقانون!

عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية