الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

: إجراءات محاكمة المتهم حضوريا


1-استدعاء المتهم:

المشرع التونسي قد أوجب ضرورة استدعائه حتى يتسنى له حضور المحاكمة والدفاع عن نفسه، وإذا كان المشرع لم ينص صراحة على ضرورة استدعاء المتهم إلا أن ذلك يستشف من منطوق الفصل 199 من م إ ج الذي نص على أنه "تبطل كل الأعمال والأحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام العام أو القواعد الإجرائية الأساسية أو لمصلحة المتهم الشرعية" وهو نفس التمشي الذي ذهبت إليه محكمة التعقيب عندما اعتبرت وأن "عدم استدعاء المتهم لجلسة الحكم يعتبر خرقا للقواعد الإجرائية الأساسية لمصلحة المتهم الشرعية ويوجب النقض طبق الفصل 199 من مجلة الإجراءاءت الجزائية"

وحيث يستشف مما سبق بيانه وأن المشرع التونسي قد أولى أهمية كبرى لمصلحة المتهم الشرعية التي تفترض استدعاءه وذلك باحترام جملة من التنصيصات التي تتعلق بمضمون الاستدعاء وآجال التبليغ بالإضافة لشكل الاستدعاء وهي كلها تنصيصات قد ينتج عنها في صورة عدم احترامها بطلان الاستدعاء وبالتالي بطلان الحكم المؤسس على احكام الفصل 199 من م إ ج.

الفقرة الأولى: الشروط المتعلقة بالاستدعاء:

1-    من الناحية الشكلية:
أ‌-       طريقة الاستدعاء:
لقد نص الفصل 134 من م إ ج على أن "الاستدعاء يكون بالطريقة الإدارية أو بواسطة العدل المنفذ ما لم ينص المشرع على خلاف ذلك" وهو نفس الاتجاه الذي اعتمدته محكمة التعقيب في قرارها عدد 7966 المؤرخ في 13 أفريل 1971 الذي جاء فيه وأن " استدعاء المتهم لجلسة الحكم من الإجراءات الأساسية ولا يكون الاستدعاء إلا بالطريقة الإدارية أو بواسطة العدل المنفذ ما لم ينص القانون على خلاف ذلك وكل استدعاء بطريقة أخرى يعتبر غير قانوني"كما اعتبرت في القرار التعقيبي الجزائي عدد 6552 المؤرخ في 11 نوفمبر 1982 أن "تبليغ الاستدعاء للمتهم بواسطة عمدة المنطقة وشهادة هذا الاخير بالجذر على أنه بلغ الاستدعاء لشخص ذات المستدعي الذي امضى بالجذر وكان الجذر ممضى وبه اسم العمدة المبلغ وختم مكتبه فإن التبليغ صحيح ومثله الحكم الصادر حضوريا بالاعتبار لعدم حضور المتهم وليس بقياس ولا مطعن فيه"
ويتم استدعاء المتهم بالطريقة الإدارية أو عن طريق محضر تحرره كتابة المحكمة وذلك بطلب من النيابة العمومية أو القائم بالحق الشخصي أو كل إدارة لها قانونا الحق في ذلك، ويقوم بمهمة التبليغ عون المحكمة نفسها أو أحد اعوان الشرطة، ويقع التنصيص بجذر الاستدعاء على اسم العون المبلغ وصفته وعلى إمضائه وإلا عد الاستدعاء باطلا ويكون الحكم الذي اعتمده خارقا للقانون ومستوجبا للنقض.

ب‌-   التاريخ الذي حصل فيه الإعلام:  
اكتفى المشرع صلب الفصل 140 من م إ ج بذكر أنه "يبين بأصل الاستدعاء وبنظيره أو بجذره اسم المكلف بالتبليغ وصفته وتاريخ التبليغ" وهو أمر لم يشترط فيه الدقة اللازمة أمام ما تكتسيه هاته النقطة الشكلية من أهمية والتي تستوجب التطرق إلى اليوم والشهر والسنة والساعة نظرا لما لها من أهمية في احتساب الأجال" ولقد رات محكمة التعقيب في ذلك شرطا أساسيا للتصريح بسلامة الاستدعاء من الناحية الشكلية.
ت-  صفة طالب الاستدعاء:
جاء بالفصل 135 من م إ ج أن "الاستدعاء يوجه بطلب من ممثل النيابة العمومية أو القائم بالحق الشخصي أو كل إدارة لها قانونا الحق في ذلك" وجاء بنفس الفصل في فقرته الأخيرة "إذاا كان توجيه الاستدعاء بطلب من القائم بالحق الشخصي فيضمن به اسم هذا الأخير ولقبه وحرفته ومقره الأصلي أو المختار"
ث- اسم المكلف بالتبليغ وصفته:
جاء بالفصل 140 من م إ ج  تأكيدا على أهمية طبيعة الورقة المحررة من قبل كتابة المحكمة فوثيقة التبليغ هي وثيقة رسمية يجب أن ييتطابق فيها كل من الأصل والنظير وكذلك إمضاء المبلغ، فمحكمة التعقيب هي الأخرى قد أكدت على هذا المعطى الشكلي إذ ذهبت في قرارها المدني عدد 38525 المؤرخ في 14 ديسمبر 1965 إلى أن " المحاضر التي يحررها أعوان التنفيذ خلال القيام بوظيفتهم تعتبر من الحجج الرسمية ولا يطعن فيها إلا بطريق الزور" 
ج- جهات استلام الاستدعاء:
أشار الفصل 139 من م إ ج إلى جهات استلام الاستدعاء وهي بطبيعة الحال متعددة فقد يتسلم الاستدعاء المتهم شخصيا وقد يكون المستدعى شخصا آخر تربطه بهذا الأخير علاقة قرابة. وعلى الرغم من أن الفصل المذكور لم ينص على ضرورة ذكر اسم من يتسلم الاستدعاء إلا أنه في صورة تعذر تسلم الاستدعاء من المستدعى شخصيا فإن هذا الفصل أجاز في هاته الحالة استلامه من قبل وكيل المستدعى أو خادمه أو مساكنه شريطة ان يكون مميزا.
2-    من جهة أصل الاستدعاء:
تكتسي الشروط المتعلقة بمضمون الاستدعاء أهمية كبرى إذ يجب التنصيص بالاستدعاء على الفعل الواقع من أجله التتبع والنص القانوني المنطبق عليه من جهة ومن جهة اخرى تمكين المتهم من مدة كافية لإعداد دفاعه.
أ‌-    بيان الفعل الواقع من أجله التتبع:
جاء بالفصل 135 من م إ ج في فقرته الثانية على أنه يجب أن " يتضمن الاستدعاء بيان الفعل الواقع من أجله التتبع والنص القانوني المنطبق عليه" ومن الطبيعي أن يقع ذكر التهمة التي من أجلها سيقع التتبع والنصوص التي تخضع لها. وهذا التنصيص على الوصف القانوني للجريمة يساعد المتهم على الإلمام بمضمون الواقعة على الرغم من أن هذا الوصف مختصر ولا يكفي حتى يتمكن المتهم من إعداد دفاعه بل أنه بالإضافة لذلك لا بد من تمكينه من الوقت الكافي للاستعداد لذلك.
ب‌-تمكين المتهم من الوقت الكافي لإعداد دفاعه:
إن حق المتهم في الدفاع عن نفسه هو حق مكنه منه المشرع إلا أن ذلك لن يكون ناجعا ما لم يقع تمكين المتهم من مدة زمنية كافية لدراسة وإعداد دفاعه وإن التصريح بخلاف ذلك يعتبر هضما لحقه في الدفاع. والملاحظ في هذا الصدد أن المشرع التونسي نجده يسوي في المدة بين المخالفة والجنحة والجناية دون ان يعتمد مقياس خطورة الجريمة أما التفرقة الوحيدة التي اعتمدها فكانت على أساس معيار الإقامة أو تحديدا المقر فالفصل 136 من م إ ج أبرز فيه المشرع أهمية المقر في تحديد موعد الحضور بالجلسة "وإذا كان المستدعى قاطنا خارج تراب الجمهورية يكون الأجل ثلاثين يوما".

2- إحضار المتهم:
1- المتهم في حالة فرار:
عملا بالفصول من 78 إلى 83 من مجلة الاجراءات الجزائية فإن المبدأ في إصدار البطاقات القضائية من حيث الأشخاص هم قضاة التحقيق إلا أنه ونظرا لضرورة سير المحاكمة العادلة فقد مكن المشرع القاضي الجزائي من إصدار البطاقات القضائية في حالات محدد والمتمثلة في بطاقات الجلب والإيداع.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى كيفية استعمال هذه البطاقات القضائية لجبر المتهم على الحضور إذ يقع استعمالها في صورة فرار المتهم عن أنظار العدالة فيتم استصدارها لإحضاره وعند حضوره أمام الهيئة القضائية يتم إصدار بطاقة إيداع في شأنه وبطاقة الإيداع هاته لا يمكن أن تكون سارية المفعول إلا إذا مثل المظنون فيه أمام المحكمة ولا ولا يمكن في أية حال من الأحوال استعمالها ضد شخص غائب.
وبالإضافة للفصل 142 من م إ ج والذي يقر اختصاص محكمة الموضوع في إصدار بطاقة الإيداع بالسجن فقد أقر المنشور المؤرخ في غرة نوفمبر 1986 والموجه للوكيل العام للجمهورية سابقا إلى الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الجمهورية لدى المحاكم الابتدائية والذي نص على الحالات التي يمكن فيها للمحكمة إصدار بطاقات إيداع والذي ورد فيه على سبيل الحصر حالة المتهم الفار وعدم اختصاص المحكمة ونتيجة ظهور ظروف جديدة.
ولعل ما يجب التطرق إليه في هذا الصدد هو أن المشرع قد حدد الهيئات القضائية المختصة في إصدار البطاقات القضائية وأفرد كل من قاضي الناحية والمحكمة الابتدائية بأحكام خاصة تدخل في اختصاص كل واحد منهم وخاصة بطاقات الإيداع بالسجن.
أ-    قاضي الناحية:
خول المشرع التونسي لحاكم الناحية المنتصب في المادة الجزائية إصدار بطاقات إيداع بالسجن وقد جاء ذلك صلب الفصل 202 من م إ ج وهي الحالات التالية:
أ‌-       إذا كان المتهم بحالة سكر:
يمكن لقاضي الناحية أن يصدر ضد المتهم بطاقة إيداع إذا مثل أمامه لمقاضاته من أجل الأفعال المنسوبة إليه وكان بحالة سكر، أو إذا تم إحالته إليه من طرف وكيل الجمهورية لتتبعه من أجل مخالفة السكر الواضح في الطريق العام على معنى أحكام الفصل 317 من المجلة الجزائية، ويمكن لقاضي الناحية في هاته الحالة أن يصدر ضده بطاقة إيداع بالسجن ويقوم باستنطاقه في وقت لاحق نظرا لحالة السكر التي هو عليها.
وهذا الإجراء يعد إجراء هاما خاصة لحماية حقوق الدفاع فمثول المتهم أمام القاضي بحالة سكر لا يمكن قاضي الناحية من التحقق من هويته نظرا لاختلال الإدراك والوعي لديه ولا يمكنه حتى الدفاع عن نفسه ودرء التهمة عنه.
ب‌-   في صورة عجز المتهم عن التعريف بنفسه:
هاته الحالة أوردها الفصل 202 من م إ ج ويمكن أن تكون ناتجة عن حالة السكر التي تعرض لها أو عدم الادلاء بما يفيد التعريف بهويته، فإذا قام المظنون فيه بمخالفة ولم يعرف بهويته فإنه يكون عرضة لإيداعه بالسجن.
ت-  إذا لم يكن للمتهم مقر معين:
إذا لم يكن للمتهم مقر معين وثابت يمكن استدعاؤه منه إذا افترض سير القضية ذلك، فإنه يمكن لقاضي الناحية ضمانا لمحاكمة المتهم وعدم فراره إبقائه تحت طلبه بمقتضى بطاقة إيداع.
ث- في صورة الخشية من وقوع تشويش من سراح المتهم:
في صورة الخشية من وقوع تشويش أو قلق أو إزعاج من سراح المتهم ومحافظة على الأمن العام والراحة العامة فإنه يمكن لقاضي الناحية في هاته الحالة إصدار بطاقة إيداع في حق المتهم. ولقد أثار هذا الإجراء عدة تساؤلات نظرا لغموض مفهوم التشويش ونسبيته التي من ناحية تؤدي إلى اتساع صلاحيات قاضي الناحية في إصدار بطاقة إيداع من ناحية وتعسفه على حريات الأشخاص خاصة وأن هذا الإجراء صادر عن مرتكب مخالفة من ناحية ثانية.
وعليه فإنه إذا قرر قاضي الناحية إصدار بطاقة إيداع ضد المتهم الواردة صلب الفصل 202 من م إ ج فإنه لا يمكن له إبقاء المظنون فيه موقوفا أكثر من ثمانية أيام وهي مدة تتناسب مع طبيعة الجريمة.
2-    المحكمة الابتدائية:
خول المشرع للدوائر الجناحية والدوائر الجنائية الموجودة بالمحكمة الابتدائية سلطة إبقاء المتهم قيد الإيقاف والإيداع بالسجن أو الإفراج عنه وقد جاء بالفقرة الثالثة من الفصل 206 من م إ ج أن المحكمة الابتدائية تتعهد عند النظر في الجنح بمقتضى إحالة المتهم  توا على المحكمة من طرف وكيل الجمهورية بعد استنطاق بسيط في صورة الجريمة المتلبس بها وإذا لم يكن في ذلك اليوم جلسة فلوكيل الجمهورية أن يأذن بوضع المظنون بمحل إيقاف بمقتضى بطاقة إيداع ويلزمه في هذه الصورة إحضاره بأقرب جلسة ممكنة. كما مكن المشرع صلب الفصل 204 من م إ ج الدائرة الجناحية من إبقاء المتهم بحالة إيقاف أو الإفراج عنه وذلك بتأييد بطاقة الإيداع الصادرة في شأنه أو الإفراج عنه.
أما بالنسبة للدوائر الجنائية بالمحكمة الابتدائية فلا نجد أي إشارة صلب الفصول الواردة بمجلة الاجراءات الجزائية بشأن إصدار بطاقة الإيداع في شان من وقعت إحالتهم من طرف دائرة الاتهام، إذ أنه يمكن لدائرة الاتهام أن تقرر الإفراج على المتهم ويحال على الدائرة الجنائية بحالة سراح، كما يمكن أن ينتهي أجل الإيقاف التحفظي فتكون دائرة الاتهام مجبرة على الإفراج على المتهم فيحال عليها كذلك بحالة سراح.
الفقرة الثانية: إحضار المتهم الموقوف:
تختلف طريقة استدعاء المتهم الموقوف عن طريقة الاستدعاء العادية عندما يكون المتهم في حالة سراح، ويبرز هذا الختلاف من خلال الأشخاص الممكلفين بتبليغ الاستدعاء فقد نص الفصل 137 من م إ ج على أن استدعاؤه يتم بواسطة كبير حراس السجن.
ومثلما تمت الإشارة للنقائص التي تعتري طريقة الاستدعاء الواردة بالفصل 134 من م إ ج فإن طريقة استدعاء المتهم الموقوف لا تتوفر فيها الضمانات الكافية فالواقع العملي يبرز تقصير إدارة السجن التي تتعمد أحيانا عدم إحضار المتهم الموقوف لجلسة المحاكمة وتضطر المحكمة احيانا إلى التأخير في أكثر من مناسبة مما يضاعف عدد الأحكام الغيابية.
وبخصوص المتهم الموقوف فإنه يقع إحضاره في وضعيتين يكون في الأولى موقوفا بسبب قضاء العقوبة المسلطة عليه ويقع استدعاؤه من السجن بسبب جريمة أخرى أما الوضعية الثانية يكون فيها المتهم على ذمة التحقيق بمقتضى إجراء استثنائي وهو "الإيقاف التحفظي".

إجراء محاكمة المتهم في غيابه:

1- الغياب المبني على الإعفاء:
1-    إعفاء المتهم من الحضور لانعدام المصلحة:
يقع إعفاء المتهم من الحضور إذا كانت العقوبة المسلطة عليه مالية (أ) وكذلك في مادة المخالفات (2)
أ‌-       العقوبات المالية:
جاء بالفصل 141 في فقرته الثانية من مجلة الاجراءات الجزائية أنه "يمكن للمتهم في الجنح التي لا تستوجب العقاب بالسجن ...أن ينيب عنه محاميا" وهو ما يعني أن في صورة ما إذا كانت الفعلة موضوع التتبع جنحة معاقبا عنها بغرامة مالية فبإمكان المتهم توكيل محاميا للدفاع عنه وهو خلاف للقاعدة القانونية القائلة بأن محامي المتهم لا يترافع إلا بحضور منوبه. وما يمكن استخلاصه من هذا الإعفاء هو انعدام الخطورة في العقوبات المالية على الحريات الفردية.
ب‌-   الإعفاء من الحضور في مادة المخالفات:
وضع المشرع صلب الفصل 141 من م إ ج قاعدة عامة مفادها ان الحضور الشخصي للمتهم الذي وقع تتبعه في مادة المخالفات، لكن هذ المبدأ نجد له استثناء في الفصل 201 من م إ ج الذي أكد على السلطة التقديرية لقاضي الناحية في الترخيص للمتهم بإمكانية عدم الحضور بالجلسة وهو استثناء آخر لما ورد بالفصل 141 من م إ ج .

2-    إعفاء المتهم من الحضور تفرضه المصلحة الفضلى:
إن المصلحة الفضلى تفترض إعفاء الصغير وكذلك المريض من الحضور بجلسة المحاكمة.
أ‌-       إعفاء الطفل من الحضور بالجلسة:
إن إعفاء الطفل من الحضور بجلسة المحاكمة من طرف قاضي الأطفال هو ناتج عن  وضعيته المميزة مقارنة ببقية المتهمين الرشداء، كما أن هذا القرار قد يترك لدى الطفل أثرا طيبا واستقرارا نفسيا واجتماعيا. وما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد أن لقاضي الأطفال سلطة تقديرية في إعفاء الطفل من الحضور لعدة أسباب من بينها تزامن موعد الجلسة مع اجتياز الامتحانات وفي كل الحالات لا بد من أن تراعى مصلحة الطفل الفضلى حيث نص الفصل 4 من مجلة حماية الطفل على أنه " يجب اعتبار مصلحة الطفل الفضلى في جميع الاجراءات التي تتخذ في شأنه" وقد نص الفصل 73 من نفس المجلة على أن "المخالفات التي يرتكبها الطفل الذي بلغ 13 سنة كاملة تحال على قاضي الأطفال الذي ينظر فيها دون حضور الطفل إلا إذا رغب لطفل أو وليه في ذلك" وهو نفس التمشي الذي نص عليه الفصل 93 من المجلة المذكورة.
ب‌-   إعفاء المريض من الحضور بالجلسة:
لم ينص المشرع التونسي صراحة على ضرورة إعفاء المريض من الحضور بالجلسة إلا أن ذلك لم يمنع محكمة التعقيب من في بعض قراراتها من اعتبار المرض يتنزل منزلة القوة القاهرة فقد ورد في القرار التعقيبي الجزائي عدد 5424 المؤرخ في 13 أكتوبر 2005 أن" المرض تنزل منزلة القوة القاهرة إذا ثبت أن المتهم أقعد من رض ألم به عن تقديم ما له من مؤيدات"
  الفقرة الثانية: الاستعانة بمحامي:)
1-    الاستعانة بمحامي:
أوجب الفصل 141 من م إ ج حضور المحامي في مادة الجنايات إلا أن نفس الفصل في فقرته الثانية أشار إلى كون حضور المحامي اختياري في مادة الجنح والمخالفات. ويتبين لنا من خلال هذا الفصل الصبغة الاختيارية للاستعانة بمحامي وهو اختيار موكول للمتهم الذي بإمكانه الحضور بالجلسة والدفاع عن نفسه بنفسه، إلا أن سكوت المحكمة عن ذلك أيضا فيه إخلال بحق الدفاع.
كما أشار الفصل 26 فقرة ثانية من قانون 7 سبتمبر 1989 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة أنه يجوز للمتقاضين في القضايا التي يوجب القانون تكليف محامي بها أن ينيبوا عنه بتوكيل خاص أصولهم أو فروعهم أو أزواجهم بعد الإدلاء بما يثبت صفتهم. ويفهم من هذا النص أن هذه الإنابة الخاصة لا تشمل القضايا التي يوجب فيها القانون تكليف محامي والتي تمت الإشارة إليها.
2-    اطلاع المحامي على أوراق الدعوى:
لقد أكد المشرع التونسي على أن اطلاع المحامي على أوراق الدعوى يعتبر من الشروط الأساسية للدفاع وهو ما نص عليه الفصلين 193 و 194 من م إ ج ، فقد أورد الفصل 193 من المجلة المذكورة أنه "لنواب الخصوم الحق في الاطلاع على أوراق القضية عند إحالتها على المحكمة"
وتجدر الإشارة إلى أن الهدف الأساسي الذي سعى له المشرع في هذا الاتجاه هو تمكين المتهم بنفسه أو بواسطة محاميه من الاطلاع على أوراق الدعوى حماية لحقوق الدفاع الشرعية التي هي من بين أساسيات محاكمة عادلة.
ولئن تمتع المتهم في بعض الحالات من الاعفاء من الحضور بالجلسة وهو أمر ضمنه له المشرع مثلما تمت الإشارة لذلك فإنه في بعض الحالات يتغيب المتهم عن موعد الجلسة خارج إطار الحالات التي بيناها فصلا فصلا.
2- غياب المتهم غير المبني على الإعفاء:
الفقرة الأولى: الغياب غير الإرادي عن الحضور بالجلسة:
1-    عدم العلم بموعد الجلسة:
نص الفصل 141 من م اج في فقرته الثانية على أنه "إذا لم يحضر المظنون فيه بعد استدعائه قانونا ألم يحضر نائبه في الصور المبينة بالفقرة الثانية أعلاه جاز للمحكمة أن لا تتوقف على ذلك لمباشرة المرافعة...." ولقد أشارت محكمة التعقيب في قرارها عدد 32635 المؤرخ في 14 فيفري 2003 إلى أن انعدام العلم بالاستدعء ومحاكمة المتهم عند عدم حضوره يعد في غير طريقه ويكون الحكم في هذه الصورة معرضا للنقض" كما ذهبت إلى اعتبار ذلك مخلا بمصلحة المتهم الشرعية.
ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن المشرع وفقه القضاء التونسي قد أعطيا حماية كبيرة للمتهم تتمثل في عدم شرعية الأحكام الصادرة بدون علم المتهم بالاستدعاء إلا أنه كان على المشرع أن يكون أكثر صرامة وجدية في كيفية تبليغ الاستدعاء. ولئن اعتبرنا عدم العلم بالاستدعاء هو من الأسباب الخارجة عن إرادة المتهم فإن العذر القهري يعتبر هو الآخر من بين الحالات التي تبرر الغياب غير الإرادي.
2-    العذر القهري:
لا نجد بمجلة الاجراءات الجزائية إشارة إلى أعذار من شأنها أن تجعل المتهم يتخلف عن الحضور بالجلسة، فالفصل 141 من م ا ج نص على التخلف لعدم بلوغ الاستدعاء شخصيا للمتهم وكذلك الأمر بالنسبة للفصل 175 من نفس المجلة. وبالرغم من أنه يقع إعلام المتهم بالموعد المحدد للجلسة شخصيا أو بواسطة إلا انه قد يحدث ظرف مانع يحول دونه ودون الحضور بالجلسة ويمكن أن نذكر على سبيل الذكر لا الحصر حالات المرض المفاجئ، انقطاع المواصلات، أو حتى زلزال، ففي هاته الحالات يجب على المحكمة تأجيل النظر في الدعوى حتى زوال المانع أو العذر فمن غير المنطقي أن تجبر المحكمة المتهم على الحضور وهو بحالة مرض أو أن تلزمه بالحضور في ظروف طارئة مثل الظروف التي مرت بها بلادنا في الآونة الأخيرة.
ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن المحكمة تلتزم بالاستجابة لطلب التأجيل عند وجود العذر القهري وهذ الالتزام يتأسس على اعتبارات إنسانية وواقعية بحيث لم يرد في شأنه نص صريح وهو أمر سعت محكمة التعقيب لترسيخه ففي قرارها عدد 10652 المؤرخ في 20 فيفري 1974 تأكد ما يلي "تقدير العذر الشرعي بما في ذلك الوثيقة الطبية لتبرير تخلف المتهم راجع لاجتهاد محكمة الموضوع التي عليها في صورة عدم الأخذ بها أن تعلل رأيها بما هو كافي وإلا كان حكمها ضعيف المستند ومستهدفا للنقض"
كما ذهبت في قرارها التعقيبي عدد 7737 المؤرخ في 06 ديسمبر 2004 إلى اعتبار "تغيب المعترض عن الحضور بالجلسة بسبب وفاة والده يعتبر أمرا طارئا ولذا فإن القضاء برفض اعتراضه شكلا في غير طريقه واتجه نقضه".

عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية