الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تأديب القضاة: أي خيارات وأي إنحرافات؟ بقلم القاضية إيمان عبيدي

تأديب القضاة: أي خيارات وأي إنحرافات؟ بقلم القاضية إيمان عبيدي
بقلم القاضية إيمان عبيدي

كان أمل القضاة التونسيين كبيرا طوال فترة الإنتقال والتأسيس الحالية في إرساء تقاليد إستقلال القضاء وإصلاحه وتطويره وتدعيم نجاعة المنظومة القضائية قطعا مع الموروث القديم البائد ومجابهة للرواسب السلبية الماسة بنزاهة الجهاز القضائي والمشككة في مصداقيته (الرشوة، الفساد، التوظيف، التبعية) والتي لطالما إغتالت العقل القضائي فلا عدالة دون قضاء ناجز نزيه شفاف محايد ولا ثقة تنشأ وتكتسب لدى العموم فيه إلا من خلال الرقابة الموضوعية والشفافة والمحددة المعايير والضوابط والآليات والضمانات على القضاء وأداء القضاة في إطار التسيير الذاتي المستقل
لذلك كانت معركة الوضع الدستوري للسلطة القضائية والمجالس القضائية بالأساس معركة الصلاحيات والسلطة والتمركز والتموقع بما أن المنطق الطاغي عليها هو المنطق الإقطاعي والمجلس الأعلى للقضاء السابق شاهد على هذا النظام إذ كان مجرد صورة أو واجهة تمر عبرها التسميات والنقل والتعيينات والتأديب
وقد كان وعي القضاة وإيمانهم بدورهم كطرف متداخل أساسي في عملية الإصلاح مع ثورة الحرية والكرامة وبإستحقاق إستقلال المنظومة القضائية قويا في مواجهة الإرادة السياسية وبقية الفاعلين المؤثرين في هذا المسار فجابهوا التحديات بكل مسؤولية وفاعلية وساهموا في بلورة إصلاح الإطار القانوني والمؤسساتي للقضاء بناءا على معايير وثقافة الإستقلال والشفافية والنجاعة ضمانا لحق المواطن في قضاء نزيه وكفئ ومستقل وغير متحيز سياسيا خاصة بعدم الرضوخ للسلطة السياسية فكان قانون هيئة القضاء العدلي والوضع الدستوري للسلطة القضائية بداية المسار الإصلاحي التجديدي الذي كان من المفترض تدعيمه ضمن قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية (السلطة القضائية وهي التسمية التي إستبعدها المشرع التأسيسي في دلالة أولية عميقة هادفة) الدائم تتويجا لمجهودات المرحلة الإنتقالية بتحديد ملامح المؤسسة الساهرة على الإشراف الأمثل على السلطة القضائية بكل أصنافها (إنتداب القضاة وتأهيلهم وتكوينهم والبت في مسارهم المهني والتأديبي) ونحت وبناء السياسة القضائية الرسمية الجديدة في إنفصال تام عن وزارة العدل ومهامها أي بإبتداع المقاربة الإصلاحية للقضاء والمقتضيات التي فرضت التجديد في ذلك بالإدارة القضائية الداخلية الذاتية: فالقضاء كسلطة لم يعد شأن السلطة التنفيذية ولا يجب أن يكون كذلك
وفي هذا الإطار تندرج أهمية التحكم الذاتي في المسألة التأديبية وموجبات مساءلة القاضي على معنى مقتضيات الفصل 103 من الدستور في علاقة بجودة العدالة والثقة فيها وكفاءة القضاة ونزاهتهم وحيادهم وخطورتها أيضا على المسار المهني للقاضي ومخاطر توظيفها لضرب إستقلاليته إذ لا يمكن الحديث عن القضاء دون أن يكون مستقلا وهي بديهيات أكدها بكل جرأة دستور 2014 ضمن الفصل 102 منه وكان من المفترض والمستلزم فيها أن تكون معممة شاملة ومسؤولة مع إستبعاد نموذج الموظف العمومي المعتمد في التجارب الماضية إرساءا لقضاء الدولة في مقابل قضاة الإدارة
القضاء في كيانه الداخلي يحكمه بالأساس الفصل 102 وكذلك الفصل 109 من الدستور ويفترض إرساء الإستقلالية الوظيفية وتدعيم الواجبات المحمولة على القاضي (آدابه وسلوكه اللائق داخل المحكمة وخارجها، مدونة السلوك التشاركية التي يتوافق ضمنها القضاة على إرساء مجموعة قواعد ذات إلزامية إعتبارية) تعدد قيم وأخلاقيات "تضمير القاضي" أدبيا ومهنيا
وتتعلق المساءلة الوجوبية بكل إخلال يفترض التتبع طبق القانون: المسؤولية الإدارية والوظيفية أو المهنية وحتى الأخلاقية والجزائية: واجبات وإلتزامات وحقوق وهي تنسحب مبدئيا على القضاء الواقف رغم أن الدستور لم يصرح بذلك وهنا المسؤولية تفترض الرقابة والتقييم الموضوعي وقد تطرح أشكال التصادم بين القاضي ومحيطه
لذلك تثير المسالة التأديبية المعادلة الصعبة بين المساهمة في تطوير المنظومة القضائية مع ضرورة كفالة ضمانات الإستقلالية والدفاع عليها وعدم ترهيب القضاة وإستهداف حقوقهم الأساسية والدستورية المدعمة لها والحامية لمقوماتها كالحق في حرية التعبير والنشر بأنواعها (وهو الحق الذي كرست حمايته هيئة القضاء العدلي بمقتضى بيانها المؤرخ في 08 جوان 2016 وإختارت له عنوانا : "لا وصاية على حق يكفله الدستور") والحق في التنظم والإجتماع والتي أضحت مؤخرا محل نقاش بفعل ممارسات المجلس القطاعي العدلي من خلال قراره الأخير في هذا المضمار الذي يعد معيبا من حيث الإختصاص والمجال ومختلا بذلك قانونا من الناحيتين الشكلية والأصلية (أنظر فحوى المنشور الفوري المجلسي الصادر يوم الثلاثاء 29 سبتمبر 2020 بالصفحة الإفتراضية للمجلس العدلي والمجلس الأعلى للقضاء) وكذلك تفقدية وزارة العدل من خلال تحريكها المفاجئ لبعض الأبحاث الإدارية (أنظر بيان جمعية القضاة التونسيين المعلن عنه يوم الجمعة 09 أكتوبر 2020) والتي إستدعت جدلا واسعا داخل الأوساط القضائية وبلورة موقف عام رافض لها من خلال المقالات المنشورة من قبل قضاة الصنف العدلي بشبكات التواصل الإجتماعي وبالجرائد الإلكترونية (أنظر مقال القاضي السيد عفيف الجعيدي المنشور بالمفكرة القانونية يوم الخميس 08 أكتوبر 2020 بعنوان : "مجلس القضاء العدلي يتدخل لفرض رقابته على تدوينات القضاة في تونس: مخاوف على حرية إنتقاد عوامل الخلل في القضاء"
إذا المعادلة الصعبة كذلك بين أهمية مراقبة القضاة وتقييمهم ومحاسبتهم وضمانات المسؤولية الوظيفية لأن الضمانات في مجال مسؤولية القاضي وإجراءات التأديب محور الإستقلالية فحماية القاضي في هذا الإطار تشكل عنصرا من عناصر الإستقلالية ومعيارا لها فيصبح بذلك نظام تأديب القضاة من بين الآليات الجوهرية لضمان الإستقلالية إذا ما كان واضح المجال ومفصلا ومتناسقا ومتماسكا دون تداخل مقصود مع حقوق القاضي الدستورية والمهنية وغايات الإنحراف القصدي بالصلاحية التأديبية في مواجهة كل صوت وكل فعل حر داخل المؤسسة القضائية
وبالتالي فإن المسار التأديبي هو مسار ضروري ومحوري في الوظيفة القضائية المتعددة المتطلبات الجوهرية اللصيقة بها ويستوجب إحكام تنظيمه كي لا يستعمل بصفة مقنعة لتوظيف القضاء والقضاة Notion de standards، فالأمر على غاية من الأهمية المحورية ويتعلق بمنهاج قيمي، بالمعايير الأساسية المعتمدة عند صياغة القوانين القضائية بعد تشريك القضاة فعليا وليس صوريا (بإبداء المقترحات لا غير) في ذلك بوصفهم أبرز المتداخلين في مجال العدالة وعند إعمال النصوص أو إستنباطها
فالأصل أنه لا مجال للخضوع وحتى للتفاوض والتنازل في إطار المبادئ الأساسية فما بالك إن كانت ذات صبغة دستورية هرمية عليا فيجب أن تكون المطابقة والملائمة مطلقة ولا نسبية لأن المسألة إنشائية تأسيسية بحتة في إطار النقاش والمعركة الديمقراطية والرهان والتحدي الحقيقيان ولا تتعلق بمنافع شخصية للقضاة وإنما بإعادة ثقة العموم والمتقاضين في القضاء وإرساء مقومات مصداقية المؤسسة القضائية القادرة على إدارة الشأن الذاتي ولا سيما في مادة بحساسية تأديب القضاة بواسطة ضوابط وآليات موضوعية واضحة التقنين لأنه لا يمكن محو المراكمات القضائية التاريخية وتحديدا السلبية منها والإنطلاق من نقطة البداية
والمبدأ أن الإطار الدستوري يفترض تطويرا تشريعيا وتحصينا لما هو غير دستوري بما هو دستوري وليس إنقلابا على المبادئ الدستورية وتنكرا قصديا لها بقانون مفخخ بالتوجهات المعلن عنها والمسكوت عنها خصوصا وغير ذلك من التوجهات المجلسية القطاعية المخالفة للدستور
ومن الثابت أن المجلس الأعلى للقضاء يضمن حسن سير القضاء طبق الفصل الأول من قانونه الأساسي عـ34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 وهو ضابط قانوني وهنا يستوجب تفعيل كل الوسائل الكفيلة لتحقيق النتيجة وإحترام إستقلاله قطعا مع هيمنة السلطة التنفيذية
لــــــــــــــذا:
هل أن الإطار القانوني للمؤاخذة التأديبية للقاضي المنتهى إلى تكريسه ضمن قانون المجلس الأعلى للقضاء يتلائم مع التصورات والتوجهات الوطنية التأسيسية الدستورية والمعايير الدولية ويجسد فعليا إستقلالية هاته المؤسسة العليا للقضاء هيكليا وتقريريا ويضمن الحماية المثلى للإستقلالية الوظيفية للقاضي دونما إنحرافات؟؟؟؟
واضح إجماليا أن كل حرف وكل فصل للقانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء يحتمل عديد التأويلات والتوجهات اللغوية والهيكلية غير البريئة ولا سيما وخاصة في شأن المسالة التأديبية ويعكس إصرار السلطة التنفيذية المرحلي عبر الترتيب الهرمي للقوانين على التدخل في سير العدالة فالصياغة وردت غير مرضية وغير متطابقة مع المعايير الدولية مما يطرح وجوب وضع المعايير والموازنة بينها لأنها تعكس تماديا في إنتهاك ضمانات الإستقلالية من حيث الشكل والجوهر والأصل تم تكريسه تطبيقيا
***خيارات تشريعية شكلية إنفرادية مشوهة للتصورات الدستورية: (dénaturation)
إن مخاطر ومحاذير الإعتباطية التشريعية خلال مرحلة الإنتقال والتأسيس المتمثلة في عوائق إستقلالية السلطة القضائية مأتاها إرادة سياسية بحتة وقد إتضح تاريخيا ومنذ صياغة دستور 1959 منطلق الإنحراف البورقيبي أن السلطة السياسية تخير دوما الإبقاء على الغموض والفراغ في قوانين السلطة القضائية عوض الدفع نحو تدعيم الضمانات، واليوم كذلك كان خيار الإنفراد طاغيا في أعمال لجنة التشريع العام خاصة عند تعديل مشروع الحكومة حتى أن حيزا زمنيا هاما خصص من قبل أعضائها لسماع كل المتداخلين في العدالة لتنتهي الجلسة العامة التي صادقت على القانون نهائيا في 24 مارس 2016 (رغم جدية الإخلالات الشكلية والإجرائية المحيطة بمشروع القانون في الصيغة المعتمدة من قبلها) إلى تبني خيارات أجنبية عن مشروع الحكومة المودع لدى مجلس النواب بعد إسقاطه وعن مضمون مختلف السماعات ولم تتم إحالة القانون على الهيئة الوقتية المشرفة على القضاء العدلي. فمنذ المنطلق كان خيار الإنغلاق قائما ونهائيا في تعارض مع روح الدستور في حد ذاته الذي كرس الديمقراطية التشاركية ورغم أن هيئة مراقبة دستورية تدخلت مرتين فإنهم واصلوا نفس النهج بإسم التوافق السياسي. إذا هو قانون سياسي بإمتياز ويكشف عدم الرغبة في الإصلاح والتراجع عن المكتسبات والثوابت الدستورية حتى أن بعض السياسيين (حزب النهضة) صرحوا في أكثر من مناسبة أن المصادق تمت تحت الضغط وهو إصرار على المضي قدما نحو خرق الدستور والسلطة التي منحها لهم الدستور كسلطة تشريعية وسلطة تأسيسية أصلية بما أن إجراءات تعديل الدستور تقتضي أغلبية الثلثين
فهل أن مراجعة الخيارت التأسيسية الثابتة بمقتضى الدستور وكذلك إجهاض مشروع الحكومة من وظائف السلطة التشريعية؟؟؟؟
أولا- من حيث غموض الصياغة وتناقضاتها والفراغ المقصود:
يفترض المبدأ وضوح النص القانوني الأساسي المصاغ والمحرر والمقنن لتنظيم شؤون القضاء على ضوء المقتضيات الدستورية ووفقها
1- في خصوص آلية الإعفاء:
بعد دسترة آلية الإعفاء (الفصل 107 من الدستور) وبالتمعن في الإطار الذي أنزل فيه يتضح أنه أسقط إسقاطا في الباب المتعلق بالمسار المهني للقاضي مع غياب -على خطورته- لكل تحديد لمفهومه ونظامه القانوني أي أنه تم إشتراط تعليل قرار الإعفاء مع التنصيص على نشره بالرائد الرسمي دون ضبط دقيق لمجال تطبيقه الذي يجب أن يكون إستثنائيا ومحصورا صراحة في حالات القصور البدني والصحي عن ممارسة القضاء دون القصور المهني كما هو الحال في التشاريع المقارنة وطبق مقترحات هياكل القضاة وهو ما يبعث على الإنشغال بخصوص نوايا واضع النص خاصة وأن الذاكرة القضائية سجلت تطبيقات تعسفية إنفرادية باطلة بموجب قرارات قضائية إدارية: قرارات إعفاء القضاة من قبل السلطة التنفيذية التي لا تتماشى مع مبدأ الإستقلالية وتنفيه وتنسفه والتي تمت مراجعتها لاحقا من قبل هيئة القضاء العدلي ثم المجلس القطاعي العدلي
وقد تم تخصيص "الأنظمة الأساسية" للقضاة بتحديد وضبط حالات الإعفاء والملاحظ في هذا الإطار أن المشرع إختار توجه التعدد في الأنظمة وفي القضاة حسب أصنافهم وهو أمر غير مرضي لأن الوظيفة القضائية واحدة وصفة القاضي واحدة وهو ما يفترض حتما وبالمحصلة وحدة النظام القضائي الأساسي كما تمسكت بذلك جمعية القضاة التونسيين ضمن مشروعها المقدم
2- التفقدية العامة:
تعد التفقدية العامة في الحقيقة والواقع كائنا موجودا شكليا على الورق لأن القانون دخل حيز التنفيذ دون الأحكام الإنتقالية التي تنظم أعمالها وليست لها سلطة فعلية لممارسة صلاحياتها إذ جاء بالفصل 59 الوارد بالفرع الثاني المتعلق بالتأديب "يضبط القانون صلاحيات التفقدية العامة للشؤون القضائية وطرق سيرها"
إذا لا وجود واقعيا لخطة متفقد عام للشؤون القضائية وهي الخطة المحدثة بموجب القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء وإنما لمتفقد عام للقضاء العدلي: معضلة حقيقية فعلية منتجة لآثار هامة ومفصلية على مسار التأديب وتحديدا منطلقه
وقد إعتبر الأستاذ الجامعي السيد محمد العجمي ضمن مقاله الإفتراضي المنشور يوم الأحد 11 أكتوبر 2020 تحت عنوان "رسالة غير مضمونة الوصول" عند تساؤله عن موقف المجلس القطاعي العدلي (الذي سمح لنفسه على حد قوله بأن يتوجه للقضاة ببيان أو مذكرة حول كيفية تعاملهم مع مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يتبين الكاتب السند المكتوب أو غير المكتوب لذلك) "من مشروع التفقدية العامة للشؤون القضائية الدابة السوداء للقضاة منذ سنة 1967 إلى الآن" خاصة وأن "كل المساعي الرسمية وغير الرسمية تعمل على تمديد أنفاس التفقدية الحالية كذراع طويلة بيد السلطة التنفيذية بما هي سلطة سياسية عبر وزارة العدل لضرب القضاة الملتزمين بإستقلالية القضاء والدفاع عن المصلحة العامة الكامنة في الدفاع عن الحقوق والحريات... ولا أدل على ذلك إستدعاءها لرئيس جمعية القضاة التونسيين السيد أنس الحمادي لمساءلته حول موقف الجمعية الناقد للحركة القضائية الأخيرة والمجلس الأعلى للقضاء يكتفي بالفرجة وهو الضامن دستوريا لإستقلالية القضاء..."
3- في خصوص التعطيل والتجميد العمدي للمسار التأديبي:
وهو معطى يستشف بعدم صياغة الأحكام الإنتقالية الخاصة بالسلم التأديبي
إذا أي إرساء للمؤسسات الدستورية يستبشر به بعد تعلل متواصل بالتأخير في المواعيد الدستورية من قبل الساسة؟؟؟؟
سيما وقد كانت إمكانية التوجه نحو خيار ضبط سلم العقوبات المدقق ضمن ملحق تفصلي واضح للقانون الأساسي ملتحم به قائمة لكن لم يتم التفكير في هذا التمشي ولعلنا نتوقع الأسباب والمسببات
4- تركيبة مجلس التأديب:
يلاحظ تناقض واضح في القانون في تركيبة مجلس التأديب ستكون له تداعيات خطيرة ويطرح حتى مسالة شرعية مجلس التأديب في حد ذاتها
إقتضى الفصل 114 من الدستور "يضمن المجلس الأعلى للقضاء حسن سير القضاء وإحترام استقلاله ... ويبت كل من المجالس القضائية في المسار المهني للقضاة وفي التأديب ..."
خالفت تركيبة المجلس الأعلى للقضاء المعني عندما ينتصب كمجلس تأديب الدستور بإسم مراقبة القضاة وهاجس دولة القضاة وتأليههم اذ يتكون من كامل أعضائه مع الإنفتاح على غير القضاة (كل هياكل القضاة تمسكت بالإنغلاق صلب مقترحاتها وتصوراتها المكتوبة والشفاهية أسوة بأعرق التجارب المقارنة المكرسة للمبادئ الدولية لإستقلال القضاء في هذا الإطار حماية للقاضي المباشر والحامل للصفة من التجريح وإهتزاز صورته ولهيبة القضاء لدى العموم خلافا لهيئة المحامين رغم مجابهتها بحجة تضارب المصالح. إذا الرؤية التشريعية الإصلاحية لهياكل القضاة لم تكن منطلقا مرجعيا حيويا فعليا بالإضافة الى المشاريع المقترحة من قبل بقية القوى المدنية والسياسية المتداخلة) وهذا في حد ذاته غير متماش مع الدستور بإعتبار أنه فرق بين المسار المهني والمسار التأديبي بالضرورة وكان على المشرع التفريق في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء كمجلس تأديب والتنصيص صراحة على أنها تركيبة قضائية بحتة وكمجلس مسار المهني والنتيجة فصول متضاربة إذ جاء من جهة أخرى بالفصل 60 من القانون الأساسي للقضاة عـ29ـدد لسنة 1967 المؤرخ في 14 جويلية 1967 أن القاضي المقرر الباحث المعين من قبل رئيس المجلس القضائي لا يكون أقل اقدمية من القاضي المحال ولكنهم سمحوا له بالتأديب وهي مسالة جد خطيرة
وتمتد مظاهر ومواطن التناقض في القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء في خصوص مجلس التأديب للأغلبية المطلوبة لإصدار القرارات التأديبية وهي أغلبية الأعضاء الحاضرين مع التعليل وفي صورة تساوي الأصوات يرجح صوت الرئيس (الفصل 61) في حين أن قرار رفع الحصانة يستوجب الاغلبية المطلقة (الفصل 61)
فأي المسؤوليتين أهم من حيث الإستقلالية الوظيفية للقاضي الجزائية (التي تحميها ضمانات المحاكمة العادلة) أم المسؤولية الإدارية التأديبية؟
وتجدر الإشارة إلى أن المجلس القطاعي العدلي يتهيئ خلال الأيام القليلة القادمة للنظر في مطالب رفع الحصانة عن أحد أعضائه القضاة المعينين بالصفة وهو نظر قد يطرح إعمال آلية تجميد العضوية من قبل الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء على ضوء منطوق الفصل 40 من القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء
ثانيا- من حيث "منافذ" التبعية لوزارة العدل بعدم وضوح علاقة وزير العدل بالتفقدية ومدى نفوذه القديم المتجدد داخلها:
إن عدم إخراج التفقدية العامة من براثن ومخالب وسلطة وسيطرة وزارة العدل بالإبقاء على سلطة وزير العدل (صلاحيات وزير العدل تضبطها قوانين الماضي النافذة جزئيا قانون 1967 وأمر غرة ديسمبر 2010) في التتبع التأديبي وذلك على الأقل على مستوى تحريك المسائلة التأديبية (الفصل 59) فإشراف المجلس الاعلى للقضاء على التفقدية من وسائل ممارسة صلاحياته وتمثيليته الحقيقية للسلطة القضائية ضمانا لحسن سير القضاء وفي ذلك إرتهان لإستقلاليته وإلتفاف حولها ونفي لدوره الفاعل في الإصلاح وتطوير قواعد سير العدالة
ويشار إلى أن وزير العدل والقاضي الإداري السابق (غ.ج) الذي مرر القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء في عهده لم يدافع على مشروع الحكومة المنقلب عليه والذي قبلت به هياكل القضاة وقد كانت وزارة العدل تمسكت وتشبث بشدة بصلاحياته حتى آخر رمق وآخر لحظة ضمن أجوبة الوزارة بخصوص مشروع القانون الاساسي على أسئلة لجنة التشريع العام خلال جلسة الإستماع المنعقدة يوم 18 مارس 2015 إذ دفعت الوزارة بأن الدستور ولئن أسس صراحة لسلطة قضائية مستقلة فإن الصياغة ظلت "مبهمة" في خصوص العلاقة التي يمكن أن تربط بين المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل ولم يستبعد ترتيبا على ذلك هاته الأخيرة من دائرة الشأن القضائي تماما ولم يلغ صلاحياتها ولم يقصها من الإشراف على المحاكم والمساهمة في حدود معينة في التفقد القضائي بصفتها المشرفة على حسن سير المرفق العدالة وفي هذا الإطار إنفجرت معركة الصلاحيات بين المجلس الأعلى للقضاء ووزيرة العدل (ث.ج) بمناسبة ترتيبات العمل القضائي في ظل جائحة الكورونا خلال شهر ماي 2020 والحديث يطول في هذا الشأن ونكتفي بالإحالة على بيانات المجلس الأعلى للقضاء من جهة ووزيرة العدل من جهة أخرى في تلك الفترة والتي تلخص مواقف وتوجهات كل طرف مع التأكيد على بروز مساندة قضاة العدلي لقرارات مؤسسة الإشراف المجلسية المطلقة حينها
وهنا من غير المنطقي حسب رأينا إقرار إمكانية تكليف وزير العدل الذي يمثل السلطة التنفيذية داخل التفقدية العامة للشؤون القضائية بأية مهام لتعارض ذلك مع مبدأ الفصل بين السلط ومبدأ إشراف المجلس الأعلى للقضاء عليها وبالتالي أي علاقة للوزير بالتفقدية في إطار المهام الموكولة إليها من قبله يجب أن تكون عبر وبالتنسيق مع رئيس المجلس الأعلى للقضاء مباشرة
ويبقى عدم وضوح النظام الإجرائي لمسار البحث والتفقد وتطوراتهما طاغيا في نصوص مجال تدخل وصلاحيات وزير العدل صاحب السلطة المعنوية على المتفقد العام
ثالثا- مدونة أخلاقيات القاضي:
يتولى المجلس الأعلى للقضاء بجلسته العامة إعداد مدونة سلوك القاضي (الفصل 42 من القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء) أي سيساهم غير القضاة (بالنظر للتركيبة المختلطة للمجلس الكبير والمجالس القطاعية كذلك) في صياغة بنودها وهي المتعلقة بكنه الوظيفة القضائية ومتطلباتها وخصوصياتها وقيودها أي بشان قضائي داخلي داخلي
ماهي طبيعة قواعدها (ملزمة او توجيهية)؟؟؟؟ وما هو مضمونها وحدوده وخاصة حدود الواجبات المحمولة على القاضي التي ستوظف حتما لضرب حرياته ذات العلاقة خاصة بثقافة وبممارسات إستقلال القضاء؟؟؟؟
لذلك يتلزم على القضاة المبادرة من الآن بإعداد وتقديم تصوراتهم في خصوص القواعد السلوكية والمهنية الواجب التوافق الجماعي على الإنضواء الإرادي والتلقائي والمسؤول تحت لوائها
وفي هذا الإطار وتفاعلا مع المنشور الفوري الباطل شكلا وأصلا الصادر عن المجلس القطاعي العدلي يوم الثلاثاء 29 سبتمبر 2020 أكد القاضي السيد عفيف الجعيدي ضمن مقاله المنشور بالمفكرة القانونية يوم الخميس 08 أكتوبر 2020 بعنوان : "مجلس القضاء العدلي يتدخل لفرض رقابته على تدوينات القضاة في تونس: مخاوف على حرية إنتقاد عوامل الخلل في القضاء"، "أن مذكرة المجلس شابها عيب إختصاص وقيدت حقوقا بغير ما أوجب القانون من وسيلة لذلك فأتت مختلة شكلا بشكل يفرض التصريح بأنها غير ذات قيمة قانونية. وهو إستنتاج لا يمكن أن يحجب خطورة التصور الذي صيغت به والذي يخشى أن يمتد فعله لمشروع مدونة السلوك بما يحولها نصا للمنع والقيد، وبما يهدد مكاسب القضاء المستقل تحققت بفضل الحرية وما كان لها أن تتحقق من دونها"
كما إعتبرت القاضية السيدة ليلى الزين صلب مقالها الإفتراضي المنشور يوم الإربعاء 30 سبتمبر 2020 تحت عنوان "مسؤول برتبة مخبر" أن "البيان ليس له أي صبغة إلزامية ولا يمكن أن يرتب أثرا تأديبيا عند مخالفته"
كما شدد القاضي السيد محمد الرمضاني ضمن موقفه المنشور في الفضاء الإفتراضي يوم الإربعاء 30 سبتمبر 2020 على أنه "يحتوي على أخطاء مفهومية ووظيفية عديدة عدد الكلمات المكونة له أولاها أن موضوع هذا الإعلام يخرج عن إختصاص مصدره وحتى التوجيهات المضمنة به تتولاها الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء وتضمن بمدونة السلوك وهذه المدونة لا ترتقي بالضرورة إلى مستوى أن تكون سندا للتأديب فهو مدونة لها قوة أدبية أكثر منها حجية قانونية فما بالك بإعلام صادر عن جهة غير مختصة" وإستغرب لتلك الأسباب العميقة الإستناد ضمن توطئة ذلك المنشور الفوري على القانون الأساسي للقضاة والفصل 58 من القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء وما يقتضيه من التوجه نحو إعتماده كسند للتأديب منتهيا إلى الإعتقاد بـ"أننا إنتقلنا من نزاع صلاحيات مع السلطة التنفيذية إلى نزاع صلاحيات بين المجلس ومكوناته"
وهو حسب رأينا توجه تطبيقي خطير جدا يعكس نزعة وميل بعض أعضاء المجلس القطاعي العدلي نحو فرض قواعد سلوكية معينة على القضاة تتجافى مع حقوقهم الدستورية تحت طائلة التأديب والتعسف في إستعمال سلطاتهم في هذا الإطار وعدم الإكتفاء بالتأديب المقنع للبعض في إطار المسار المهني والسعي نحو إستعمال مدونة السلوك كمدخل لتوسيع حدود واجبات القاضي حسب أهوائهم الخاصة والذاتية
***خيارات تشريعية أصلية إنفرادية موسعة للتتبعات التأدبية:
يتبوأ المجلس الأعلى للقضاء بأصنافه مكانة متميزة بوصفه الضامن لإستقلاله بموجب الضمانات التي يفترض أن تخلقها تركيبته وإختصاصاته وتنظيمه والتي تقف حائلا دون تدخل السلطة التنفيذية في سير العدالة وتشكل الخيارات المنتهى إليها في هذا الاطار مظهرا آخر من مظاهر نكران إستقلالية المجلس وذلك بتغييب صلاحيات الهياكل الأربعة مع منح صلاحيات تقريرية لرئيس المجلس وتجريد المجلس من صلاحيته الأصلية في ضمان حسن سير القضاء وإختزال وظائفه في البت في المسارات المهنية للقضاة ويبقى دور هياكل التعديل في إطار التتبعات التأديبية ضعيفا من حيث النظام الإجرائي ومن حيث النظام التقريري ويفترض التوسع في تبيان هاته المستويات دراسة ملفات تأديبية تطبيقية ومختلف القرارات المنتهى لها ولكن هذا الولوج غير متاح لغير أعضاء المجالس التأديبية أو القضاة محل التأديب
***بروز محاولات حديثة وحثيثة لتوسع تأديبي مخالف للقانون وإنتهاك للضمانات التشريعية على ضعفها:
وهو ما يتأكد من خلال توجه المجلس القطاعي العدلي نحو فرض قيود جديدة على قضاة الصنف العدلي دون غيرهم وعلى مقاس القضاة نشطاء الفضاء الإفتراضي تحديدا في سابقة خارقة للدستور وللقواعد القانونية المنظمة لمجال عمله رغم سبق تأكيد القاضي السيد يوسف بوزاخر (رئيس المجلس الأعلى للقضاء) صراحة خلال حوار جمعه بالمفكرة القانونية تحت عنوان "تطور حرية التعبير في الوسط القضائي أسهم في تطوير أدائنا" نشر يوم 30 مارس 2020 حرفيا: "أولا وأخيرا، الحق في حرية التعبير لا يمكن أن يستثنى منه القضاة. نحن كمجلس نساند حق القضاة في ممارسة حقهم ذلك بما لا يتعارض مع ما هو محمول عليهم بموجب وظائفهم.نحن كمجلس غير منزعجين من تطور حرية التعبير في الوسط القضائي بل متحمسون حيث أنها ساهمت في تطوير أدائنا وفي هذا الإطار، أفيدكم أن الإنتقادات اللاذعة التي وجهها القضاة لمعايير الحركة الأولى كانت السبب الرئيس في تطور معايير الحركة التي أعلنت السنة الفائتة وإنتقادات هذه المعايير ستكون حتما سببا في تطوير أكبر"
وكذلك في المبادرة بإستدعاء السيد أنس الحمادي بصفته رئيسا لجمعية القضاة التونسيين لدى مصالح تفقدية وزارة العدل وسماعه يوم الجمعة 02 أكتوبر 2020 بخصوص "أعماله في إطار نشاط الجمعية وعلى خلفية مواقفها بخصوص تقييم الحركة القضائية 2020-2021 والدفاع على إستقلال القضاة ونزاهتهم من التدخل في سير أعمالهم من بعض المسؤولين القضائيين" ( حسب ما أعلن عنه البيان الصادر عن جمعية القضاة التونسيين يوم الجمعة 09 أكتوبر 2020) خلال فترة متزامنة تبعث على الظن على تحالف مسبق بين جهتي الرقابة (التفقدية) والإشراف (المجلس القطاعي العدلي) على المسك بزمام الأمور والشروع في ملاحقة قضاة بعينهم لمواقفهم الفردية أو الجماعية العلنية المعارضة لأداء مجلس القضاء الكاشفة لكل الحقائق والمدافعة عن نزاهة وحياد وإستقلال القضاء وهو موقف مختل قانونا من حيث الإختصاص والمضمون كما أكد ذلك القاضي السيد محمد الرمضاني طبق موقفه السالف بيانه أعلاه
وفي هذا الإطار تمسكت القاضية السيدة ليلى الزين ضمن مقالها الإفتراضي المنشور يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2020 صراحة بأنه "لا وصاية للمجلس العدلي على حق القاضي في التعبير والنشر... وليس من صلاحيات المسؤول عن المحاكم مراقبة ما يكتب منظوريه بل ليس من الأخلاق أن تكلفوا المسؤولين عن المحاكم بالتجسس على منشورات القضاة ولا أن تعطوا الضوء الأخضر للتفقدية لتتبع كل من ينشر رأيا لا يروق لكم، بيانكم مردود عليكم ولا خير في قاض يصده هذا البيان عن إبداء رأيه بكل حرية" ثم أكدت صلب مقالها الإفتراضي المنشور يوم الإربعاء ملابسات 30 سبتمبر 2020 تحت عنوان "مسؤول برتبة مخبر" أن الفصل 50 من قانون 1967 المستشهد به "تضليلا" من قبل المجلس القطاعي العدلي لا يصلح لأن يكون مرجعا لتحديد الخطأ التأديبي المنصب على وسائل جديدة كإبداء الرأي والتعبير عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي و"لا يجوز التعسف على النص وإلحاق التعبير الحر بالعمل المخل بالوظيف أو الشرف أو الكرامة إلا بموجب نص قانوني صريح وليس بيانا هزيلا كالذي شهدناه، أما إذا إحتوى الرأي المنشور على نيل من إعتبار شخص أو سمعته فله وحده حق طلب التتبع الجزائي ولا دخل للمجلس القطاعي في ذلك، حتى لو كان هذا الشخص عضوا من أعضائه" وإستنكرت تدخل المجلس القطاعي في هذا التوقيت لـ"تحذير القضاة من مغبة تناول مقرراته أو تجاوزاتبعض أعضائه بنقدها أو كشفها" معتبرة أن "الأخطر إستعمال التفقدية كأداة للترهيب في محاولة يائسة لإعادة صياغة جيل صامت منسجم... ودعوة مسؤولي المحاكم للعب دور المسؤول المخبر إحياء للسنة النوفمبرية"
وإستنتج القاضي السيد عفيف الجعيدي ضمن مقاله المنشور بالمفكرة القانونية يوم الخميس 08 أكتوبر 2020 بعنوان: "مجلس القضاء العدلي يتدخل لفرض رقابته على تدوينات القضاة في تونس: مخاوف على حرية إنتقاد عوامل الخلل في القضاء" أنه "تعزز ... وملابسات إصدار المذكرة الشكوك حولها وتؤدي لترجيح الإعتقاد بكون الهدف منها لم يكن إلا ما سمته "سمعة الهيئات" ويكون من أصدرها ضاق درعا بجانب من تدوينات القضاة المحرجة فحاول أن يفرض عمن تنسب لهم قانون الصمت. وقد يكون مثل هذا القول من قبيل المحاسبة على النوايا وقد يغيب فعليا الدليل القاطع على صحته: لكن هذا لا ينفي بحال أن ما ذكر في المذكرة من دفاع عن الثقة العامة في القضاء إقترن بإستعمال وسائل تؤدي لإستدامة أسباب تزعزع تلك الثقة""
كما كشف القاضي السيد حمادي الرحماني ضمن مقاله المستفيض المنشور يوم الإربعاء 30 سبتمبر 2020 تحت عنوان "مجلس القضاة العدلي يريد إسكات القضاة... وخاصة تقسيمهم" أن "... بيان مجلس القضاء العدلي المتلحف بواجب الحياد وسمعة القضاء ووو.. ينطوي بوضوح على نية مبيتة في إستخدام وزير العدل وتفقدية القضاة في تكميم أفواه القضاة وإرهابهم والإنتقام من منتقدي المجلس وأدائه وحركته القضائية الرديئة وأجنداته ومنتقدي بعض أعضائه الذين تحول حولهم شبهات جدية حول ملفات قضائية وهم موضوع أبحاث إدارية وجزائية خطيرة جدا..." مع الإطناب في إستعراض المؤشرات ضمن المقال المذكور منتهيا إلى مطالبة المجلس الأعلى للقضاء بـ"تحمل مسؤولياته الدستورية في تدارك الأمر وإصلاح الأوضاع وحماية إستقلال القضاة وضمان حرية ممارستهم لحقوقهم الأساسية... كوظائف من أجلها تم إرساؤه ودسترته وإنتخابه قطعا مع مجلس بن علي الفاسد والموظف دائما لخدمة الإستبداد والمصالح الفئوية..." ثم عزز موقفه المبدئي بحجج عددها ضمن مقاله المفصل المنشور يوم الخميس غرة 2020 تحت عنوان "ها قد عرفنا أهم أسباب البيان الترهيبي للقضاة وصبغته الفورية !" عندما نقل ملابسات سير جلسة الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب بمناسبة نظرها في مطلبي تصحيح الخطأ البين المتعلقين بقراري "النقض دون إحالة" المتعلقين برجلي أعمال مشهورين
من جهتنا نعتبر أن أعضاء المجلس القطاعي العدلي -الذين تجمعهم صراعات داخلية معروفة منذ التأسيس والإرساء تطورت مع الأداء المتتالي وتغيير التركيبة- وعوض تسخير مجهوداتهم لسن القانون الأساسي للقضاة ومدونة السلوك بعد مرور أربعة سنوات على إنتخابهم خلقوا صراعات جديدة واهية مع جمهور قضاة العدلي وخاصة القضاة المستهدفين بالمنع والتقييد لحرية التعبير والنشر الإفتراضي رغم كون المنشور الفوري ولد معدوما من حيث أحقية الوجود وأثر الوجود وذلك في توقيت كان يفترض فيهم التركيز على إصلاح الحركة القضائية الإقطاعية ونشر تقريرها المرافق المحدد للمعايير المطبقة خلال ندوة صحفية تم الإعلان عن إتجاه النية لعقدها دون عقدها إلى حدود كتابة هاته الأسطر وكذلك التداول بخصوص الشبهات التي تحوم حول بعض أعضاء المؤسسة والتي قد تطرح مسألة مدى إستمرار قيام شرط الأهلية لتأديب قضاة الشعب في جانبهم من عدمه
وقد إعتبر القاضي السيد أحمد الرحموني ضمن مقاله الإفتراضي المنشور يوم الجمعة 10 أكتوبر 2020 بعنوان "أكاد لا أصدق" تفاعلا مع سابقة إستدعاء السيد أنس الحمادي لدى مصالح تفقدية وزارة العدل بصفته رئيسا لجمعية القضاة التونسيين بخصوص مواقف وتحركات جماعية للقضاة أنه "من الثابت أن المتفقد العام لم يدع رئيس الجمعية لسماعه كشاهد عن ملفات ووقائع تمت إثارتها من قبله في إطار دوره كممثل للمصالح العامة للقضاة والحقيقة (التي لا نريد تصديقها) هي أن دعوة كهذه صدرت رأسا من وزير العدل الجديد وربما بموافقة من المجلس الأعلى للقضاء" وتساءل "فهل أدرك الوزير أن عقدا من الزمن كان من المفترض أن يكون كافيا حتى تتوقف ممارسات الماضي؟
فهل يمكن أن نصدق أن التفقدية العامة مازالت تلعب إلى اليوم دور "البوليس القضائي" وأن بشير التكاري لم يبرح مكانه؟"
كما إعتبر القاضي السيد حمادي الرحماني ضمن مقاله الإفتراضي المنشور يوم الجمعة 10 أكتوبر 2020 بعنوان "الأصوات العالية لم يسكتها التكاري وأذنابه... فكيف يسكتها أيتامه !" تفاعلا مع نفس موضوع إستدعاء السيد أنس الحمادي لدى مصالح تفقدية وزارة العدل بصفته رئيسا لجمعية القضاة التونسيين "فتح بحث "تأديبي في رئيس جمعية القضاة على خلفية عمله الجمعياتي ومكافحته للفساد القضائي دليل على وجود عمل منسق بين التفقدية ومجموعة نافذة في مجلس القضاء العدلي لإستعادة نفوذ الماضي داخل القضاء وبوزارة العدل ولطمس ملفات فساد خطيرة منشورة بمحكمة تونس ومحل تداول واسع في أوساط العدالة قد تعصف ببعض أعضائها تباعا"
من جهته صرح القاضي السيد أمير قوبعة عند تعليقه الإفتراضي على بيان جمعية القضاة التونسيين الصادر يوم الجمعة 10 أكتوبر 2020 "تفسیر دعوة رٸيس جمعیة القضاة للتفقدیة بأنه مجرد بحث حول شکایة بقاض هو قصر نظر وتفسیر سطحي للأمور باعتبار أن قراءة هذه الخطوة ھي أعمق من ذلک بکثير وتستبطن محاولة ضرب آخر نفس إستقلالي وصوت ناقد لفساد المنظومة القضاٸية متمثل في جمعیة القضاة التونسیین (أمام صمت رهیب لهیاکل تدعي الدفاع عن القضاء) بتحکم لوبیات تحرک التفقدیة العامة في سرعة البرق أمام فضح جمعیة القضاة لجمیع الإنحرافات الحاصلة بمناسبة الحرکة القضاٸية لکن الأكيد أن القضاة لهم من الوعي والفطنة والشجاعة ما یجعلهم یتصدون لمثل هذه المحاولات الیاٸسة التي ترمي لبث الخوف وتکمیم الأفواه خاصة بعد ثورة سالت فیها الدماء ضد الظلم والإستبداد"
وهنا يدق ناقوس الخطر بقوة عندما تصبح حقوق القاضي الأساسية والدستورية والدولية الواقع ممارستها بكل إعتدال ومسؤولية لا موضوع منع وتقييد فقط وإنما مطية للرقابة والملاحقة والتأديب في تجاسر تام على خرق القوانين الإجرائية والأصلية فيما تحصن بعض الممارسات الجسيمة الماسة بجوهر الأداء المهني للقاضي وبسمعة القضاة والثقة العامة في القضاء
من الواضح أنه ليست هناك إرادة سياسية للتفريط في القضاء في إتجاه إرساء سلطة قضائية بكل الدلالات الواقعية والقانونية والسياسية فلا يزال العقل السياسي يستبطن مبدأ السلطة ولا خلاف أن ولادة القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء مثل محنة قانونية قضائية وطنية فعلية لازالت ممتدة زمنيا وستتولد عن تطبيقاته لا سيما في الفرع التأديبي كوارث وكوابيس سيتحملها لا القضاة فحسب وإنما العدالة بكل الأطراف المتداخلة فيها ومن هنا خطورة هذا القانون وستظل شبهة عدم الدستورية متلبسة به وقد تجدد لا محالة طرحها قانونيا وإحتد قضائيا بمناسبة أولى تطبيقات وقرارات المجلس القطاعي العدلي خاصة في المادة التأديبية وغيرها والطعون فيها والتي يصعب الإطلاع عليها وتقييمها لإنغلاق المؤسسة في هذا الإطار ولخصوصية المسار التأديبي للقاضي وسرية معطياته المفصلة ويبقى مسار تحقيق الإستقلالية الهيكلية مسار طويل وصعب تحققه الأطر القانونية الملائمة والشخصيات الفاعلة في المواقع الرائدة والثابتة على قيم النزاهة والحياد والحرية والإستقلال والراغبة حقا في الفعل والإصلاح والبناء وتظل شخصية القاضي بقيمها الذاتية والموضوعية وبملامحها العامة الجديدة الفيصل في إطاره مهما كان النظام السياسي والأداة النضالية الناجعة الغنية في حد ذاتها بالضمانات القوية مع وجوب ضمان الإستقلالية الخارجية للمجلس الأعلى للقضاء وتكريس مبدأ الفصل بين السلط ووضع معايير واضحة وشفافة عند النظر في المسار المهني وخاصة التأديبي للقضاة طبق المعايير الدولية لإستقلال القضاء والقانون الأساسي لأن القواعد الدستورية لا تكفي وحدها لتحقيق الغاية وذلك بكل تجرد وأمانة بعيدا عن الأحقاد والإنتقائية وتصفية الحسابات ممن يفترض فيه أن يكون أهلا لتأديب قضاة الشعب وتنقية القضاء بمفعول تلك النصوص وبكل هدوء وإنفتاح على الرأي الآخر في مواجهة منتقديه ومعارضيه.

عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية