الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

استرجاع العقارات المنتزعة الجزء الأول : شروط استرجاع العقارات المنتزعة

 

شروط استرجاع العقارات المنتزعة:

لئن مكّن المشرّع التونسي الإدارة من انتزاع العقارات و ذلك لتحقيق المصلحة العامّة ، إلاّ أنّه قيّد هذا الامتياز بشرطين نصّ عليهما قانون الانتزاع الصادر في سنة 1976.

ويتمثّل هذان الشرطان في في عدم استعمال العقار وهو شرط أساسي يمثّل نقطة الانطلاق لاسترجاع العقار ،إلاّ أنّه يجد حدّه في إرجاع الغرامة التي قبضها من المالك الأصلي.

الفقرة الأولى: ـ عدم استعمال العقار لمدة خمس سنوات:  

لقد نصّ الفصل التاسع من القانون المؤرّخ في 11 أوت 1976 على أنّه " إذا لم تستعمل العقارات المنتزعة في أشغال ذات مصلحة عموميّة .."  فتطبيقا لهذا الفصل، فإنّ عدم الاستعمال يعتبر الشرط الضروري و الأساسي للاستجابة لطلب الاسترجاع لأنّه بغيابه يغيب الحديث عن الاسترجاع . فالقاضي أوّل ما يبحث عند انتصابه للنظر في دعوى استرجاع شرط عدم استعمال العقار لمدّة خمس سنوات و ذلك لتبرير حكمه بالإرجــاع أو بعدم الإرجاع.

ولكن هذا الشرط الأساسي و الضروري قد يثير عدّة صعوبات تتمثّل في استعمال العقار بطريقة معيبة أو استعماله استعمالا قانونيّا فقط أو استعماله جزئيّا ....

وهذه الصعوبات أثيرت في غياب مفهوم الاستعمال لأنّ هذا الاخير مرتبط ارتباطا وثيقا بتصرّف الإدارة في العقار وهو تصرّف يختلف باختلاف الحالات و باختلاف أوامر الانتزاع وهي حالات لا يمكن حصرها باعتبار أنّها مجرّد وقائع مختلفة و متجدّدة ، إلاّ أنّه بقراءة الفصل التاسع المشارإليه و قواعد الانتزاع بصفة عامّة نلاحظ غموضا مسيطرا على مفهوم الاستعمال دعّمه موقف فقه القضاء الإداري في عدّة قرارات ممّا ولّد مفهوما جديدا للاستعمال هو الاستعمال القانوني إلى جانب المفهوم التقليدي وهو الاستعمال المادي.

أ ـ الاستعمال القانوني و الاستعمال المادي للعقارات المنتزعة

أوّل ما يتبادر للذهن عند قراءة قرارات المحكمة الإداريّة و خاصّة منها قرار مطير الشبراك ضدّ المكلّف العام بنزاعات الدولة في حق وزارة النقل و السيّد رئيس مجلس إدارة جمعيّة التعاون لموظّفي و عملة البريـــــــــد و البرق و الهاتف الصادر بتاريخ 01 مارس 1979 و المتمثّلة وقائعه في انتزاع عقار كائن بالحمّامات راجع بالملكيّة للسيّد مطير الشبراك و ذلك لفائدة جمعيّة التعاون لموظّفي و عملة البريد و البرق و الهاتف إلاّ أنّ المالك طالب باسترجاع عقاره على أساس أنّه لم يقع استعماله للمصلحة العامة لمدّة تزيد عن خمس سنوات وفق ما يقتضيه أمر 09 مارس 1939 في فصله الثامن . و قد جوبه مطلبه بالرفض من طرف الإدارة ممّا جعله يقوم بدعوى لدى المحكمة الابتدائيّة بتونس التي قضت بعدم سماع الدعوى ، فاستأنف الطالب الحكم الابتدائيّ لدى المحكمة الإداريّة ناسبا إليه أنّ الجهة المنتزعة ساهمت بالعقار في تكوين رأسمال شركة و أنّ هذه المساهمة لا يمكن اعتبارها استعمالا ، إلاّ أنّ دفوعات الجمعيّة المشار إليها كانت تعتبر المساهمة استعمالا على معنى الفصل 8 من أمر 1939 لأنّ هذا الاستعمال يمكن أن يكون ماديّا أو قانونيّا.

وجاء قضاء المحكمة الإداريّة مقرّا لمحكمة الدرجة الأولى و ذلك باعتبار :

1)     أنّ القطعة المطالب باسترجاعها انتزعت في نطاق عمليّة جماعيّة

2)      أمر الانتزاع لم يحدّد طبيعة الاستعمال من أجل المصلحة العامّة

3)  إحداث نزل "شيراتون" بفضل مساهمة تعاونيّة البريد في رأسمال شركة ينمّي السياحة بجهة الحمّامات و بذلك فهو يدخل في إطار المصلحة العموميّة

4)     استعمال العقار كمساهمة في رأسمال شركة و لهذا الغرض يعتبر استعمالا قانونيّا

إنّ ما يؤاخذ عليه هذا القرار هو أنّ المحكمة الإداريّة لم تقدّم تعريفا للاستعمال القانوني و لم تعط معايير لمعرفة الاستعمال القانوني من غيره من بقيّة الاستعمالات ، و قد بدا تأويلها للفصل الثامن من أمر 1939 و كأنّه استنتاج طبيعي خاصّة و أنّ أمر الانتزاع لم يحدّد طبيعة الاشغال المزمع إنجازها.

وتعتبر المساهمة بالعقار في رأسمال شركة لتنمية السياحة الصورة التي فهمت بها المحكمة الإداريّة الاستعمال القانوني و السؤال المطروح في هذا المجال لماذا تعدّت المحكمة الإداريّة تصوّرها للاستعمال القانوني على الصورة المشار إليها إلى مراقبة وجه الاستعمال العقار بعد المساهمة به؟ و هل يجب استعمال العقار المنتزع استعمالا ماديّا حتّى بعد استعماله استعمالا قانونيّا؟

للإجابة على هاته التساؤلات لا بدّ من الرجوع إلى قرار سابق لقرار الشبراك ضدّ المكلّف العام بنزاعات الدولة و جمعيّة موظّفي أعوان البريد وهو قرار " شارل بيني " المدير العام للمصرف العام لحوض البحر الأبيض المتوسّط ضدّ بلديّة المرسى الصادر في 06 جوان 1977 الذي تفيد وقائعه أنّ بمقتضى أمر تمّ انتزاع عقارين لفائدة بلديّة المرسى قصد توسيع مركّب سياحي إلاّ أنّ هذه الاخيرة فوّتت في العقارين للخواص للسكنى، فقام المالك الأصلي لدى المحكمة الابتدائيّة بتونس بدعوى في الاسترجاع قضي فيها بعدم سماع الدعوى باعتبار أنّ الاستعمال كان من أجل المصلحة العامة ، فاستأنفه المدّعي مستندا على أنّ الاختبار أثبت أنّ العقارين الواقع انتزاعهما وقع التفريط فيهما بالبيع من بلديّة المرسى إلى الخواص فنقضت المحكمة الإداريّة الحكم على أساس أنّ بلديّة المرسى حادت عن المصلحة العامة المنصوص عليها بأمر الانتزاع بالرغم من دفع المستأنف ضدّها من أنّ ثمن العقارين وقعت المساهمة به في رأسمال شركة قمرت السياحيّة باعتبار أنّ هذه المساهمة هي عمليّة غير مشروعة لمخالفتها تشريع الانتزاع ( أمر الانتزاع ).

إنّ ما يمكن ملاحظته في هذا القرار و بمقارنته بالقرار السابق هو أنّه إذا نصّ أمر الانتزاع على المصلحة العامّة المزمع إنشاءها فإنّ الإدارة لا يمكنها أن تحيد عن ذلك أي أنّه إذا وقع التنصيص على الاستعمال المادي بصريح العبارة صلب أمر الانتزاع من أجل المصلحة العامّة فإنّ الاستعمال القانوني السابق له لا يمكن الدفع به حتّى يمنع المالك الأصلي من استرجاع عقاره المنتزع .

والتنصيص صراحة صلب أمر الانتزاع على الأشغال المزمع إنشاءها من اجل المصلحة العامة يساعد المحكمة على مراقبة طريقة الاستعمال، فهي لن تبحث عن مطابقة تصرّف الإدارة في العقار لمفهوم المصلحة العامّة بل ستبحث عن مطابقة تصرّف الإدارة لما هو منصوص عليه بأمر الانتزاع.

أمّا في قرار مجلس ولاية نابل ضدّ ورثة عبد السلام التونسي الصادر في 16 أفريل 1981 تحت عدد 159 فإنّ موقف المحكمة الإداريّة تراجع بخصوص اعتمادها مفهوم الاستعمال القانوني مستندة في ذلك على تأويل الفصل 9 من القانون عدد 85 لسنة 1976 المؤرّخ في 11 أوت 1976 باعتبار أنّ المقصود بالاستعمال في قواعد الانتزاع هو الاستعمال الماديّ و أنّ عمليّة البيع هي استعمال قانوني و مخالفة لنصّ أمر الانتزاع.

وتشير وقائع القرار المذكور أنّه تمّ انتزاع أرض راجعة بالملكيّة لورثة عبد السلام التونسي لفائدة مجلس ولاية نابل قصد تهيئة منطقة سياحيّة بالحمّامات و بعد مرور خمس سنوات لم يقع استعمال العقار للغرض المنتزع من أجله ، فقام المالكون بدعوى يطلبون بمقتضاها استرجاع أرضهم لدى المحكمة الابتدائيّة بقرنبالية التي حكمت لصالح الدعوى ، فاستأنف المجلس مستندا على مطعن مفاده أنّ العقار تمّ التفريط فيه بالبيع لفائدة صاحب نزل العبّاسيّة قصد توسعته معتبرة أنّ ذلك من قبيل الاستعمال الذي يحول دون إرجاع الأرض إلى أصحابها الأصليّين فكان رفض المحكمة الإداريّة السالف الذكر  مضيفة " و أنّه على فرض اعتبار عمليّة البيع كعمليّة تحضيريّة، فإنّ اقتصار الأعمال على هذا البيع فحسب يجعل الاستعمال خال من كلّ واقع."

وقد تأيّد هذا الاتّجاه في قرار استئنافيّ آخر صادر عن المحكمة الإداريّة بتاريخ 30 ديسمبر 1991 تحت عدد 729 ـ بلديّة المنستير ضدّ محمّد بن فرج البنزرتي ـ الذي تتلخّص وقائعه في أنّه بتاريخ 09 جويلية 

1976 صدر أمر انتزاع عدد 588 لفائدة بلديّة المنستير و ذلك قصد بناء مستشفى جامعيّ و مركّب صناعيّ و حيّ سكنيّ و قد اكتفت البلديّة بإحداث طريق عرضه 6.25 متر و فوّتت في الأرض للوكالة العقاريّة للسكنى، فقام المالك السابق بالمطالبة باسترجاع عقاره أمام المحكمة الابتدائيّة بالمنستير التي قضت بإرجاع العقار و إلزام المدّعى عليها برفع يدها عنه فاستأنفت بلديّة المنستير هذا الحكم و كان من بين الطعون المتمسّك بها أنّ الاستعمال موجود، و تمثّل في إحداث الطريق المشار إليها و بيع العقارات للوكالة العقاريّة للسكنى قصد تهيئتها و إحداث حيّ سكنيّ بها فانقادت المحكمة الإداريّة لهذا الطعن مؤكّدة أنّ عمليّة التفويت تمّت بعد إحداث طريق بعقار النزاع في الأجل القانونيّ.

قد يبدو هذا القرار لأوّل وهلة مناقضا لقرار مجلس ولاية نابل ضدّ عبد السلام التونسيّ ، إلاّ أنّه بالتمعّن فيه نلاحظ أنّهما يكرّسان نفس الفكرة و يكمّلان بعضهما البعض.

ولئن رفضت المحكمة الإداريّة عمليّة البيع في قرار ورثة عبد السلام التونسيّ إلاّ أنّها قبلتها في قرار البنزرتي بشروط تمثّلت في الآتي :

التفويت الذي قامت به بلديّة المنستير لفائدة الوكالة العقاريّة للسكنى كان بقصد  القيام بالمشروع العام المنصوص عليه بأمر الانتزاع أي أنّها لم تقم بعمليّة بيع مجرّدة بل بحثت عن القصد من هذه العمليّة المتمثّل في إنشاء مصلحة عامّة منصوص عليها بأمر الانتزاع، إلاّ أنّه ما تجدر الإشارة إليه هو أنّ المحكمة لم تكتف بهذا التعليل بل تعدّته إلى الإشارة بأنّ طريقا أحدثت بالعقار وهو ما يدلّ على استعمال ماديّ للمنتزع و لو طفيف .

ويمكن التساؤل في هذا المجال هل أنّ عدم سماع الدعوى في قضيّة البنزرتي ناتجة عن عمليّة البيع المقصود منها إنشاء المصلحة العامّة أم إحداث طريق أم تظافر هذين النوعين من الاستعمال؟

إنّ المنطق القانونيّ الذي استعملته المحكمة الإداريّة في القرارت السابقة هو أنّ الاستعمـال القانوني ( كعمليّة البيع أو غيرها ...) لا يمكن تبريره إلاّ باستعمال ماديّ سابق و لو جزئيّ للعقار.

وتطبيقا لمقتضيات أمر الانتزاع فالاستعمال و إن كان ماديّا فإنّه لا يجب أن يخالف موضوع أمر الانتزاع.

إلاّ أنّ بعض شرّاح القانون اعتبروا أنّ شرعيّة الاستعمال القانوني للعقار تختلف بحسب وجــــــــود و طبيعة الاستعمال المادي للعقار .

فإذا وقع استعمال العقار استعمالا قانونيّا بالتفويت فيه مثلا دون أن يقع إنجاز أشغال ذات مصلحة عموميّة عليه فإنّه لا يمكن اعتبار هذا التفويت مانعا من استرجاع العقار، أمّا إذا تبع عمليّة التفويت إنجاز لأشغال ذات مصلحة عموميّة ففي هذه الصورة لا يمكن الاسترجاع لذا و حسب هذا الرأي فإنّ شرعيّة 

الاستعمال القانوني مشروط باستعمال ماديّ للعقار و في صورة تحقّق هذا الاستعمال الماديّ تتبخّر حظوظ المالك في استرجاع عقاره.

وقد تأكّد اتّجاه المحكمة الإداريّة في قرار مجلس ولاية نابل ضدّ ورثة المرحوم عبد السلام التونسيّ في 16 افريل 1981 حيث أكّدت صراحة في إحدى حيثيّاتها على ما يلي : " و حيث أنّه على فرض اعتبار البيع كعمليّة تحضيريّة فإنّ اقتصار الأعمال على هذا البيع فحسب تجعل الاستعمال خال من كلّ واقع".

فانطلاقا من هذه الحيثيّة فإنّ ما جعل المحكمة الإداريّة تقضي بإرجاع العقار ليس وجود عمليّة البيع في حدّ ذاتها بل بقاء هذه العمليّة معزولة دون أن يلحقها استعمال ماديّ. و بالعودة للقرار المؤرّخ في 30 ديسمبر 1991 يتأكّد تمشّي المحكمة التي لم تكتفي بعمليّة التفويت لفائدة الوكالة العقاريّة للسكنى بل تعدّت ذلك لمراقبة القصد من هذه العمليّة و كان هذا القصد هو تحقيق المصلحة العامّة المنصوص عليها بأمر الانتزاع.

إنّ المذهب الذي ذهبت إليه المحكمة الإداريّة من قبولها لدعوى الاسترجاع أو عدم سماعها كان ناتجا عن تحليل منطقيّ للنصوص المنظّمة للانتزاع بصفة عامّة و الفصول المتعلّقة بالاسترجاع بصفة خاصّة.

حيث أنّه بتحليل هذه النصوص منذ أمر 9 مارس 1939 مرورا بقانون 11 أوت 1976 و وصولا إلى تنقيح 14 أفريل 2003 نلاحظ أنّ استعمال العقار يجب أن يكون ماديّا وهو ما يتمشّى مع المراحل التي يمرّ بها الانتزاع بصفة عامّة.

فالفصل الثامن من أمر 9 مارس 1939 الذي نظّم حقّ المطالبة باسترجاع العقار المنتزع يؤكّد أنّ الاستعمال الذي يجب أن تسلّطه الإدارة المنتفعة بالانتزاع على العقار يجب أن يكون ماديّا.فهذا الفصل يمكّن المالك من استرجاع عقاره إذا لم يقع استعماله في أشغال ذات مصلحة عموميّة ، فكلمة أشغال التي استعملها المشرّع لا تدع مجالا للشك في أنّ المراد بالاستعمال هو الاستعمال الماديّ .

ويمكن اعتبار الفصل التاسع من قانون 11 أوت 1976 تأكيدا على ما ورد بالفصل الثامن من الأمر المشار إليه حيث نصّ على أنّه " إذا لم تستعمل العقارات المنتزعة في أشغال ذات مصلحة عموميّة المنصوص عليها بأمر الانتزاع......"

وانطلاقا من هذا الفصل يمكن تعريف الاستعمال المادي بكونه الاستعمال المجسّم على الواقع و الذي يمكن ملاحظته و التدليل على وجوده على عين العقار و بالطبع فالاستعمال المادي يختلف باختلاف أوامر الانتزاع و المصلحة العامة المزمع إنجازها.

وإضافة إلى هذا فإنّ المنطق الذي يقوم عليه الانتزاع هو تجسيم المصلحة العامة و هذا التجسيم لا يمكن أن يكون إلاّ ماديّا على أرض الواقع و ليس مجرّد تمكين الإدارة المنتفعة بالانتزاع من التملّك بالعقار و التفويت فيه أو المساهمة به و يظهر ذلك أساسا من خلال الدراسات التي تقوم بها الإدارة قبل صدور أمر الانتزاع.

إنّ الاستعمال يجب أن يكون ماديّا لكن هل يكفي وجود الاستعمال المادي حتّى يمنع المالك من استرجاع عقاره ؟  طبعا لا ،  لأنّ الاستعمال يجب أن يستجيب لعديد المعطيات و الشروط و إلاّ كان استعمالا معيبا يسلّط عليه جزاء ألا وهو الاسترجاع ممّا يدفعنا إلى الحديث عن حالات الاستعمال الماديّ و حظوظ المالك فيها لاسترجاع عقاره .

ب ـ حالات الاستعمال المادي و مدى تسليط الاسترجاع كجزاء للإدارة المنتزعة

الحالة الأولى : حالة الاستعمال الجزئيّ:

يقصد بالاستعمال الجزئيّ للعقار عدم استعماله بأكمله و ذلك بأن يتسلّط الاستعمال على جزء من المساحة المنتزعة، في حين يبقى جزء دون استعمال لكن قد يثور إشكال بخصوص الانتزاع الذي يتسلّط على مجموعة من العقارات و ليس على عقار واحد ، ففي صورة استعمال عقار من مجمل هذه العقارات في إنجاز أشغال معيّنة هل نكون أمام صورة من صور الاستعمال الجزئي أو أمام صورة عدم استعمال باعتبار أنّها عقارات لم يقع استعمالها بتاتا و مستقلّة تماما عن عقار مستعمل؟ و ما مدى إمكانيّة استرجاع المالك لعقاره في مثل هذه الصورة ؟

إنّ الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة و ذلك لتعارض المصالح و تناقضها : مصلحة المالك في استرجاع عقار وقع انتزاعه و لم يستعمل بأكمله و مصلحة الإدارة في المحافظة على عقار استعملت جزءا منه في إنشاء أشغال ذات نفع عام و ربّما كانت تخطّط للانتفاع بالجزء الغير المستعمل في المستقبل أو أنّ هذا الجزء ضروريّ لحسن استغلال ما وقع إنجازه.

إنّ العودة للفصل 9 من قانون 1976 لن تجدي نفعا في البحث عن جواب ضرورة أنّ عبارات هذا الفصل وردت عامة و مجملة ، إذ اشترط لاسترجاع العقار المنتزع عدم الاستعمال دون أن يبيّن هل يجب أن يتسلّط الاستعمال على كامل العقار أم يكفي استعمال جزء فقط منه حتّى يحرم المالك من استرجاع عقاره.

إنّ الجواب على هذا السؤال يمكن استنتاجه من مجمل القواعد التي تنظّم الانتزاع و التي تفيد أنّ تحديد العقارات المزمع انتزاعها تخضع لعنصر الحاجة و المفروض أنّه لا يمكن انتزاع عقار إلاّ إذا كانت الأشغال المراد إنجازها تتطلّب هذا العقار من حيث موقعه و من حيث مساحته، و شرط الحاجة هذا يمكن استنتاجه من المبادئ التي تحكم الانتزاع و التي من بينها ما ورد بالفقرة الرابعة من الفصل الأوّل من قانون 1976 التي مكّنت من انتزاع كلّ العقارات اللازمة لضمان قيمة تلك الأشغال أو ليتسنّى تنفيذ مثال التهيئة المصادق عليه تنفيذا محكما و يجب أن يضبط أمر الانتزاع في هذه الصورة الأخيرة طريقة استعمال قطع الأرض و العقارات الغير مدمجة في الأشغال العموميّة و عند الاقتضاء الشروط التي يتوقّف عليها بيعها من جديد .

قد يتبادر إلى الذهن أن تمكين المالك من استرجاع عقاره في صورة عدم استعماله جزئيّا، يعتبر حلاّ سهلا و يعتمد على معايير موضوعيّة، فيكفي أن يلاحظ القاضي أنّ الاستعمال لم يشمل كل العقار حتّى يحكم.

بإرجاعه لمالكه السابق، هذا الحلّ و إن بدأ سهلا و فيه تغليب للملكيّة الفرديّة فإنّه يعتبر حلا ّ قاسيا بالنسبة إلى الإدارة.

وتختلف حالة مطالبة المالك بكلّ العقار الذي وقع استعماله جزئيّا، أي يطالب بالجزء الذي وقع استعماله و الجزء الذي لم يقع استعماله ، و حالة حصر مطلبه في استرجاع الجزء الذي لم يقع استعماله .

ففي الحالة الأولى فإنّ مطلب المالك يمكن مجابهته بالرفض باعتبار أنّ العقار و إن لم يقع استعماله كليّا فإنّه أنشأت عليه أشغال ذات نفع عام و ليس من المنطقيّ التضحية بهذه المصلحة لمجرّد أنّ العقار أستعمل جزئيّا.

ولعلّ هذا الحلّ هو الذي تبنّته المحكمة الإداريّة ففي قرار مؤرّخ في 07 جويلية 1988 رفضت المحكمة مطلب استرجاع على اعتبار ما تضمّنه محضر المعاينة من استغلال جميع الطوابق العلويّة للمنتزع لإيواء مكاتب إداريّة تابعة لمصالح وزارة الداخليّة و التي تشكّل في جملتها نسبة تناهز 80 بالمائة من المساحة الجمليّة للعمارة المنتزعة فيما عدا الطابق السفليّ وحده الذي يشتمل على محلاّت تجاريّة في تسوّغ الغير و أضافت المحكمة أن المطالبة باسترجاع كامل المنتزع و الحال أن نسبة ضئيلة منه لم تستغل في الغرض الذي تم من أجله الانتزاع ، لا يستقيم قانونا.

إنّ موقف المحكمة الإداريّة و إن كان موفّقا إلاّ أنّ تعليلها كان ضعيفا نوعا ما باعتبار أنّه بالاستنتاج العكسيّ يمكن القول أنّ المحكمة كانت ستتّخذ موقفا مغايرا لو أنّ الجزء الذي لم يقع استعماله كان كبيرا و ذلك رغم أن مطلب الاسترجاع تسلّط على العقار و هنا يطرح التساؤل عن مآل الأشغال التي وقع إنجازها؟

أمّا في خصوص الحالة الثانية فإنّها تشبه حالة عدم الاستعمال باعتبار أنّ المالك حصر مطلبه في جزء من العقار لم يستعمل وهو ما يجعل شرط عدم الاستعمال المنصوص عليه بالفصل 9 متوفّرا بخصوص ذلك الجزء، و لعلّ النتيجة التي تتبادر إلى الذهن من أوّل وهلة هي الاستجابة لطلب الاسترجاع بخصوص الجزء الغير مستعمل، وهو حلّ قد لا يثير مشاكل في خصوص تطبيق النظام القانوني و خاصّة فيما يخصّ إرجاع الغرامة ، فالمالك السابق يكون مطالبا بإرجاع الجزء من الغرامة الذي يقابل الجزء من العقار الذي لم يقع استعماله .

إلاّ أنّ هذا لا يبدو في فقه القضاء التونسي باعتبار أنّ المحكمة الإداريّة رفضت مطلب استرجاع على أساس أنّ الإدارة قامت باستغلال الأرض المنتزعة لبناء مدرسة و مطبعة للبريد، إلاّ أنّ باقي الأرض لم يقع استغلاله بسبب عدم الاعتمادات اللازمة و اعتمادا على هذا السبب الذي بدى للمحكمة شرعيّا وقع رفض مطلب الاسترجاع بالرغم من اللبس الذي يعتريه ، إذ أنّه من أوكد واجبات الإدارة قبل صدور أمر الانتزاع توفير الاعتمادات اللازمة لإقامة الأشغال .

إنّ ما يجب ملاحظته هو أنّ النزاع حول الاسترجاع هو نزاع يقوم على شروط و معايير موضوعيّة تمكّن المالك من تقييم حظوظه و توقّع آماله في الدعوى ممّا يستوجب التفريق بين حالة الجزء الغير مستعمل.

و الضروريّ لحسن استغلال الأشغال الواقع إنجازها و الذي يبرّر عدم سماع دعوى الاسترجاع ، و حالة الجزء الغير مستعمل و الغير ضروري لحسن استعمال و استغلال المصلحة العموميّة التي وقع إنشــــــاءها و التي تستوجب على الإدارة و المحكمة مراعاة و احترام الملكيّة الفرديّة .

والملاحظ أنّ شرط الحاجة و الضرورة هذا ، طبّقته المحكمة الإداريّة خاصّة لمّا يتعلّق الأمر بعمليّة انتزاع جماعيّة بغاية إنجاز مشروع متكامل .

    الحالة الثانية: الاستعمال الجزئيّ في نطاق إنجاز مشروع متكامل :

إنّ خصوصيّة هذا النوع من الانتزاع تتمثّل في أنّه انتزاع يرمي إلى إنشاء مشروع متكامل يتميّز بأهميّة الأشغال المزمع إنجازها، وهي تتطلّب عادة انتزاع مساحات كبيرة يمكن أن تمتدّ على عدّة عقارات ، و قد تمتدّ المشاريع التي انتزعت من أجلها إلى زمن طويل قد تتجاوز الخمس سنوات وهو ما يجعل الإدارة تكتفي خلال هذه المدّة بإنجاز بعض الأشغال دون البعض الآخر، وهي أشغال من الممكن أن تشمل بعض العقارات في حين تبقى عقارات أخرى بدون استعمال وهو ما يطرح سؤالا حول إمكانيّة استرجاعها.

باعتماد على الفصل التاسع من قانون 11 أوت 1976 فإنّ هناك مالكا لم يقع استعمال عقاره و بالتالي فإنّ شرط عدم الاستعمال توفّر بالنسبة لعقار معيّن و من المفروض أن يلقى المالك السابق حظوظه كاملة في الاسترجاع إضافة إلى هذا فإنّ المشرّع أعطى أجلا قدره خمس سنوات لإنجاز المشروع، وهو الأجل الذي رآه كافيا و ذلك دون تمييز بين الانتزاع الذي يشمل عديد العقارات و تكون الغاية منه إنشاء مشروع متكامل و الانتزاع الذي يكون موضوعه عقار واحد و غايته إنشاء مشروع عادي.

و قد اتّجه فقه  القضاء إلى اعتبار أنّ استرجاع العقارات التي لم تستعمل في إطار إنجاز مشروع متكامل ليس آليّا و لا يكفي أن يثبت المالك عدم الاستعمال حتّى يسترجع عقاره وهو ما يمكن استنتاجه من القرار الاستئنافي الصادر في 02 ديسمبر 1991 تحت عدد 899 ( المكلّف العام بنزاعات الدولة في حق وزارة التجهيز و الإسكان ضدّ عبد الرحمان بوعواجة الذي ورد في إحدى حيثيّاته " و حيث يتّضح بالرجوع إلى ما استقرّ عليه فقه قضاء هذه المحكمة أنّه لا يجوز للمنتزع منه أن يسترجع عقاره، رغم عدم استعماله ظاهريّا في ظرف الخمس سنوات، طالما كان الانتزاع ذي صبغة جماعيّة....".

إلاّ أنّ فقه قضاء المحكمة الإداريّة وضع شروطا أخرى لكي يتمّ الاسترجاع تتمثّل في :

1)         ضرورة إنجاز أشغال أو الشروع فيها

أهميّة الأشغال التي تعبّر عن جديّة الإدارة و رغبتها في الاستعمال

 

1)         أن يكون العقار الغير مستعمل ضروريّا لتحقيق المصلحة العامّة المنصوص عليها بأمر الانتزاع

2)         عدم تخصيص العقار باستعمال معيّن

كما تجدر الإشارة أنّه يكفي تخلّف أحد هذه الشروط حتّى يصبح المالك محقّا في استرجاع عقاره و الغاية من هذا الموقف هو إحداث التوازن بين حق المالك في المطالبة باسترجاع ملكه و رغبة الإدارة في الحصول على آجال أطول تمكّنها من القيام بمشاريع تتميّز بالضخامة و الأهميّة.

الحالة الثالثة: الشروع في الاستعمال

أن التقارب بين حالة الاستعمال الجزئي في نطاق مشروع متكامل و حالة الشروع في الاستعمال واضحة، و تبعا لذلك فان الحلول هي متقاربة و متشابهة، إذ انه لا يشترط أن تتم الإدارة انجاز الأشغال، بل يقع الاكتفاء بالقيام بالشروع في الأشغال بطريقة كافية تمكن من افتراض إتمامها في المستقبل و قد اعتبر فقه القضاء الفرنسي، إن القيام بأعمال بسيطة تمثلت في الاكتفاء بنصب أعمدة بأرض وقع انتزاعها لانجاز ملعب كرة قدم مع بقاء هذه الأرض مستغلة في النشاط الفلاحي لا يمثل شروعا في الاستعمال يحرم المالك من استرجاع عقاره.

أما في تونس فان المحكمة الإدارية في قرارها المؤرخ في 24 فيفري 1992 عبد المجيد بن محمد القابسي ضد مجلس ولاية نابل استجابت المحكمة لطلب الاسترجاع لا لأنّ الإدارة لم تقم بانجاز أشغال  بل لأنها لم تشرع في القيام بالمشروع العام الذي من اجله تم الانتزاع و تأيد هذا الموقف في القرار عدد 931 بتاريخ 6 ديسمبر 1993 الشركة المدنية العقارية ضد بلدية تونس إذ أقرت المحكمة نفس الموقف معتبرة أن المنتزع لفائدتها قد شرعت في انجاز البعض من أشغال التهيئة المنصوص عليها بأمر الانتزاع، ولذلك لا يمكن الاسترجاع.

إن هذا التمشي للمحكمة قد يتسم بعدم وضوح مفهوم الشروع الجدي في الاستعمال مما يجعل دعوى الاسترجاع غير مؤسسة على شروط واضحة مما يوسع من مجال استعمال العقار من طرف الإدارة و يضيق من مجال مطالبة المالك بعقاره.

 

الفقرة الثانية:  إرجاع الغرامة 

إن إرجاع غرامة الانتزاع المقبوضة يعتبر المقابل الذي يدفعه المالك السابق مقابل استرجاع ملكية عقاره الذي وقع انتزاعه و لم يستعمل من طرف الادارة، وهو بذلك يعتبر حدا للجزاء المتمثل في الاسترجاع، كما يعتبر عائقا أمام المالك السابق في ممارسة هذا الحق.

فهو حد للجزاء لان الإدارة لن تفقد ملكية العقار بدون مقابل، وهذا من شانه ان يخفف بصفة ملحوظة من وقع الاسترجاع.

وهو عائق أمام المالك السابق لأنه سيكون مطالبا بأداء مبلغ مالي كان قد قبضه في وقت ما وقد لا يكون بوسعه عند ممارسته لحقه أداؤه، وهذا العجز قد يكون سببا في العدول عن الدعوى.

و لكن رغم إقرار ضرورة إرجاع الغرامة فان غموضا يكتنف مسالة الحط او الترفيع في المبالغ التي يطالب بها المالك السابق

أ - ضرورة إرجاع الغرامة

ان مبدأ اشتراط ارجاع الغرامة مقابل استرجاع العقار لا يثير إشكالا في القانون التونسي، اذ يمكن استنتاج هذا الشرط بسهولة من الفصل 9 من القانون المؤرخ في 11اوت 1976 الذي اقتضى بعد ان اقر الحق لفائدة المالكين السابقين في استرجاع عقاراتهم التي لم تستعمل أنه "يجب عليهم عندئذ ارجاع كامل مبلغ الغرامة"هذا مع الإشارة الى ان هذا الشرط ليس جديدا في القانون التونسي. كما يعتبر شرطا مقبولا و من السهل تطبيقه. فهو شرط معقول لان غرامة الانتزاع كانت تعويضا عن العقار المنتزع الذي خرج بمفعول امر الانتزاع من الذمة المالية لمالكه الى الذمة المالية للإدارة. فهذه الغرامة تقوم مبدئيا مقام العقار، و ليس من المعقول ان يجمع المالك بينهما اذ ان ذلك سيؤول الى إثراء غير مبرر على حساب الإدارة و بالتالي على حساب المجموعة، اما سهولة تطبيق هذا الشرط فهي تنبع من انه يكفي إرجاع الغرامة الانتزاع التي وقع تحديدها، و إلزام المالك السابق المطالب باسترجاع عقاره بأدائها دون حاجة الى إعادة تقدير قيمة العقار بما يتطلبه ذلك من معاينات و اختبارات و تطويل في الإجراءات و بذل في المصاريف.

إضافة الى هذا فان الاكتفاء باشتراط إرجاع الغرامة دون إعادة تقدير قيمة العقار من جديد، يعتبر في اغلب الأحيان في مصلحة المالك و ذلك اعتبارا الى ارتفاع قيمة العقارات، و ارتفاع الاسعار، و تفاقم التضخم المالي، فالمالك السابق سينتفع بالفارق بين قيمة العقار وقت تقدير غرامة الانتزاع، و قيمته عند الحكم بالاسترجاع. وهو ما يؤكد وظيفة الاسترجاع كجزاء الادارة التي لم تستعمل العقار اذ انه سيقع حرمانها من ارتفاع قيمة عقار بقي في ذمتها مدة قد تزيد عن الخمس سنوات.

و لكن قد يثور سؤال بخصوص الفصل 10 من قانون 11اوت 1976 و ذلك بخصوص الأراضي التي وقع شراؤها بناءا على طلب مالكها، ففي هذه الصورة، و باعتبار هذه الاراضي قابلة للاسترجاع، فهل ان المالك السابق يقتصر على إعادة الثمن الذي تم به الشراء، ام انه يقع تقدير الاراضي من جديد و ذلك اعتبارا 

الى ان هذه الاراضي لا تخضع في استرجاعها لنفس النظام الذي تخضع له العقارات الواقع انتزاعها، فالإدارة ليست ملزمة باستعمالها وهي لا تسترجع الا اذا لم يقع انجاز أشغال على العقارات المنتزعة.

نظرا لسكوت الفصلين 9 و 10 على هذه الحالة، فإنّ المشرّع تدخّل بمقتضى تنقيح 14 أفريل 2003 و مكّن من استرجاع العقارات التي وقع اقتناءها من طرف الإدارة إذ جاء بالفقرة الثالثة جديدة في الفصل التاسع " ... و يمكن أن يشمل المطلب الاجزاء المقتناة طبقا للفصل الثالث من هذا القانون" .

و يقطع النظر عن هذا السؤال الذي يثيره الفصل 10 فان ارجاع الغرامة يخضع لشرط أساسي هو قبضها، فالفصل أكد ان المالكين السابقين مطالبين بإرجاع الغرامة التي قبضوها، و قد أكدت المحكمة الإدارية في قرار بلديّة سوسة ضدّ الهادي بالصغيّر بلخيريّة الصادر في 21 فيفري 1985 تحت عدد 295 على انه يمكن للحكم الذي يحكم باسترجاع عقار على ان لا ينص على إلزام المنتزع منه بترجيع غرامة الانتزاع اذا كان الملف لا يتضمن ما يثبت ان المعني بالأمر قبضها.    

إضافة الى هذا فان ارجاع الغرامة يطرح سؤالين على غاية من الأهمية الأول يتمحور حول إمكانية المطالبة بالفوائض، و الثاني يتعلق بمكانة ارجاع الغرامة في إجراءات الاسترجاع و بعبارة أوضح هل ان إرجاع الغرامة يعتبر شرطا للاسترجاع ام انه اثر له فبخصوص الفوائض فمن الممكن ان تسعى الادارة الى التخفيف من وطأة جزاء الاسترجاع، و ذلك بالمطالبة بالفوائض القانونية الجارية على مبلغ الغرامة المقبوضة و ذلك على أساس ان المالك السابق انتفع بها طيلة مدة تساوي او تزيد عن خمس سنوات و من المنطقي مطالبته بالفوائض.

ان هذا التحليل لا يمكن قبوله او التعويل عليه للمطالبة بالفوائض و ذلك لثلاثة أسباب:

أولا: ان الفصل التاسع لا يتضمن ما من شانه ان يمكن للإدارة من المطالبة بالفوائض القانونية عن المدة التي بقي فيها مبلغ الغرامة في ذمة المطالب بالاسترجاع، بل اقتصر على اشتراط ارجاع"مبلغ" الغرامة و كلمة مبلغ توحي بان الأمر لا يتعلق الا برأس المال دون الفوائض، وهو ما يتأكد أيضا بالرجوع للفصل الثامن من امر 9مارس1939 الذي استعمل كلمة Capital

ثانيا: ان المدة التي انتفع بها المالك السابق بالغرامة يمكن اعتبارها مقابلا لحرمانها من العقار خلال نفس المدة خاصة و انه لاحق له في المطالبة بغرامة تصرف عن المدة التي بقي فيها العقار تحت تصرف الادارة و ذلك اعتبارا الى كون هذه الأخيرة كانت مالكة بمفعول امر الانتزاع، خلال تلك المدة.

 ثالثا: انه تطبيقا لأحكام مجلة الالتزامات و العقود فان المطالبة بالفوائض يمكن ان تنجر عن سببين، فأما ان تكون فوائض مقابل اجل، و ذلك في عقد القرض، و اما ان تكون تعويضا عن مماطلة المدين في صورة الالتزام باداء مبلغ مالي.

 فأما بالنسبة للفوائض مقابل اجل، فانه أساس لا يمكن اعتماده و ذلك لان غرامة الانتزاع لا يمكن ان تمثل قرضا، بل هي تعويض لما لحق المالك من ضرر نتيجة الانتزاع، كما ان القرض عقد يتطلب ركن الرضا، في حين ان استحقاق غرامة الانتزاع يكون بمقتضى القانون.

 يبقى السؤال مطروحا بالنسبة للفوائض التي تسند نظير المماطلة، اذ اقتضى الفصل 268 م. ا.ع انه يعتبر المدين مماطلا اذا تأخر عن الوفاء بما التزم به في الكل او في البعض لسبب غير صحيح فهذا الفصل يشترط من ضمن الشروط لوجود المماطلة، التأخر عن الوفاء، وهو ما يدفع لطرح السؤال التالي ؛ متى يكون المالك السابق متأخرا في الوفاء بغرامة الانتزاع؟

و انطلاقا من الجواب على هذا السؤال يمكن تحديد التاريخ الذي يصبح فيه من الممكن الحكم عليه باداء الفوائض.

يبدو انه من الضروري التفريق بين الحالتين:

 الحالة الأولى: هي إذعان الادارة لمطلب المالك في استرجاع عقاره ، ففي هذه الصورة فان تاريخ دفع الغرامة يقع تحديده بالرجوع للاتفاق الذي تبرمه الادارة مع المالك السابق فهي قد تمنح هذا الأخير أجلا للخلاص ، فإذا انقضى هذا الأجل يصبح الدين مستحق الاداء ، و تصبح الادارة مطالبة بإنذار المدين بالوفاء تطبيقا للفصل 278 م.ا.ع حتى تصبح الادارة مستحقة للفوائض بداية من تاريخ الإنذار.

لكن الإدارة قد تعلّق انتقال ملكيّة العقار الواقع استرجاعه على شرط دفع الغرامة ، وضمانا منها لدفع الغرامة ، وهو حل يمكنها من تجنب مخاطر إعسار المدين.

أما في صورة رفض الإدارة والقيام بدعوى ، فيبدو أن التاريخ الذي يصبح فيه المالك السابق مطالبا بأداء الغرامة هو تاريخ الحكم القاضي بإرجاع العقار والذي يقضي في نفس الوقت بأداء الغرامة ، وهذا الحكم سيمثل السند الذي سيقع تنفيذه.

أما عن السؤال الثاني الذي يتمحور حول مدى اعتبار إرجاع الغرامة شرطا للاسترجاع ام اثرا له ، أي هل أن دفع الغرامة أو عرض دفعها يعتبر شرطا أوليا للقيام بدعوى الاسترجاع ام ان دفعها يعتبر نتيجة لاحقة لاسترجاع العقار؟

أن العودة للفصل التاسع للإجابة عن هذا السؤال لن تجدي نفعا ضرورة ان هذا الفصل لم يتناول هذا الموضوع و اكتفى باشتراط وجوب إرجاع كامل الغرامة.

لكن يتبين ، بالرجوع لفقه القضاء انه لم تقع إثارة هذا التساؤل أمامه ، وقد اعتبر بصفة بديهية أن دفع الغرامة يعتبر أثرا للاسترجاع ، فهي لا تصبح مستحقة إلا عند الحكم بإرجاع العقار وهو حل من شانه أن

يسهل على المالك السابق القيام بإجراءات الاسترجاع وهو ما يؤكد ليونة القانون التونسيّ مقارنة بالقانون الفرنسي الذي يختلف اختلافا كليا عن القانون التونسي، فالمبلغ الذي يدفعه المالك السابق مقابل استرجاع عقاره يختلف عن غرامة الانتزاع، فهذا المبلغ يعتبر ثمنا "مقابل إحالة " العقار من جديد لفائدته، و هو يتماشى مع اعتبار عملية الاسترجاع عقدا جديدا .

وهذا العقد الجديد هو السبب القانوني الذي سينقل الملكية لفائدة المالك السابق بعد أن وقع تجريده منها بمفعول الانتزاع ، واعتبار الاسترجاع عقدا جديدا و المبلغ الذي يدفعه المالك السابق ثمنا ، تترتب عليه آثار عديدة ، أهمها عدم التقيد بغرامة الانتزاع ، وإعادة تقدير العقار من جديد ، وهو ما يؤدي إلى استفادة الإدارة من ارتفاع قيمته ، وبالطبع فان التحسينات التي وقع إدخالها خلال المدة التي تسبق الاسترجاع ستدخل في الاعتبار عند تحديد الثمن ، إلا إذا أدخلت هذه التحسينات بعد المطالبة باسترجاع العقار و قبل تحرير العقد ، و ذلك بغاية الترفيع في الثمن .

كما أن الإدارة يمكن لها أن تحدث بنايات جديدة أو تهدم بنايات قائمة ، فكل هذه الأعمال تؤخذ بعين الاعتبار عند تقدير الثمن ، إلا إذا كان تنفيذ هذه الأشغال كان بغاية إفشال المطلب الرامي إلي الاسترجاع، إلاّ انه يبدو من خلال هذا الاستعراض الموجز للقانون الفرنسي انه تخلى من هذه الناحية عن وظيفة الاسترجاع كجزاء ، ولكن بالمقابل فان تحديد مقابل استرجاع الملكية أصبح يكتسي تعقيدا مقارنة مع القانون التونسي ، لكن هذا الأخير ليس بمناي عن التعقيد اذا وقع إقرار إمكانية الزيادة أو الحط في الغرامة.

ب - الزيادة او الحط فى مبلغ الغرامة ؟

قد تطالب الدارة صلب دعوة الاسترجاع، او صلب دعوى مستقلة بأداء مصاريف بذلتها فى تحسين العقار، و فى المقابل قد يطالب المالك بالحط فى الغرامة و ذلك لادعائه حصول إضرار بالعقار لم تكن موجودة فيه عند انتزاعه.

1ـ الزيادة كنتيجة لمصاريف تحسينية:

ان الإشكال يتمثل فى كون الادارة بعد تحوزها بالعقار يمكن ان تقوم بانجاز بعض التحسينات او إقامة بعض البناءات التى تزيد فى قيمته ولكنها ، تطبيقا للفصل 9 ، لا تحول دون إمكانية استرجاعه ، و السؤال المطروح هو الاتى ؛ هل يجوز للإدارة المطالبة بالمصاريف التي بذلتها، و إضافتها  بذلك لغرامة الانتزاع ؟

يبدو ظاهريا ان الفصل التاسع لا يجيب على هذا السؤال ، اذا اقتصر على اشتراط إرجاع  الغرامة دون الحديث عن فرضية زيادة قيمة العقار ، بفضل ما بذلته الادارة من مصاريف ، لكن هذا ليس الا استنتاجا أوليا لان الإجابة يمكن استخلاصها من سكوت المشرع ، الذى اقتصر على تمكين  الادارة من غرامة الانتزاع دون فتح الباب أمامها للمطالبة بمصاريف أخرى وهو ما يؤكد طابع الجزاء الذى يغلب على الاسترجاع فى القانو

إضافة إلى هذا فانه من الصعب إيجاد أساس قانوني متين للمطالبة بهذه المصاريف التحسينية.

فيمكن ان تطرح نظرية الإثراء بدون سبب و ذلك على أساس حصول افتقار للإدارة من جراء المصاريف التي بذلتها ، و مقابل ذلك الافتقار حصل اغتناء للمالك السابق الذى استرجع ملكيته وذلك بحصوله على عقار زادت قيمته.

لكن نظرية الإثراء بدون سبب ، كما تدل على ذلك تسميتها ، تتطلب إضافة الى شرطي الافتقار والاغتناء ، شرطا آخر هو عدم وجود سبب قانوني يبرر هذا الإثراء  ولكن الملاحظ ان هذا السبب موجود ويتمثل في إرادة المشرع المجسمة فى الفصل التاسع الذى اقتصر فقط على ضرورة إرجاع الغرامة  وإرادة المشرع هذه ، تجد تبريرها فى الرغبة فى جزاء الادارة وحثها على استعمال العقار

هناك أساس آخر يمكن أن يتبادر إلى الذهن هو تطبيق نظام الفصل  36 م.ج.ع المتعلق بإحداث بناءات أو مغروسات او منشئات بأرض الغير ، لكن هذا الأساس أيضا لا يمكن قبوله وذلك لسبب بسيط يتمثل في أن ميدان الفصل 36 م.ج.ع ينحصر في صورة البناء أو إحداث مغروسات بأرض الغير ، في حين أن الإدارة تعتبر مالكا للعقار بمفعول أمر الانتزاع ، وتصرفها في العقار سيكون تصرف المالك فى ملكه ، كما ان الاسترجاع ، فى صورة الحكم به ، ليس له اثر رجعى ولا يمس امر الانتزاع، وبالتالي فانه لا تأثير له على الفترة التي كان فيها المنتفع بالانتزاع مالكا .

إضافة الى انعدام أساس قانوني مقنع فان الإقرار بأحقية الادارة في المطالبة بالمبالغ التي بذلتها في تحسين العقار لا يكفي اذ يجب الى جانب هذا الإقرار إيجاد نظام قانوني يكفل الحلول لعديد المشاكل مثل تحديد نوعية المصاريف التي يمكن المطالبة بها و كيفية تقديرها و تحديد النظام القانوني بالنسبة للمصاريف التي وقع بذلها بعد مطلب الاسترجاع و قبل الحكم بالاسترجاع و هذا النظام القانوني مفقود في الوقت الحالي في القانون التونسي، وهو مفقود لا لان المشرع سهي عنه بل لأنه أراد حصر المبلغ الواجب إرجاعه في غرامة الانتزاع، دون غيرها من المصاريف ، و ذلك اعتبارا لان الاسترجاع جزاء للإدارة التي لم تستعمل العقار .

كما انه بالرجوع لفقه القضاء فانه لم يتعرض لهذا الإشكال و لعل ذلك يعزي الى عدم مطالبة الادارة بهذه المصاريف، او لعدم وجودها أصلا، ضرورة ان اغلب الحالات التي يقع فيها القضاء بإرجاع العقار لفائدة مالكه السابق هي الحالات التي عزفت فيها الادارة عن استعمال العقار بصفة مطلقة، و عادة في مثل هذه الحالات فانه لا يقع بذل مصاريف معينة.

لكن هذا لم يمنع من وجود مناسبة وقعت فيها المطالبة بمصاريف تحسين العقار و ذلك في القرار المؤرخ في 21فيفري1985 إذ طالبت بلدية سوسة بصفة احتياطية من المحكمة الإذن بإجراء اختبار لتقدير المصاريف، التي بذلتها في تحسين عقار النزاع و القضاء بإلزام المستأنف ضده  بان يدفع لها تلك المصاريف لكن المحكمة لم تقدم جوابا من شانه ان يعطي حلا او بداية حل، و قد كانت إجابتها على النحو التالي: "إما في خصوص مصاريف تحسين العقار، فانه بالرجوع الى الملف الابتدائي يتضح أن البلدية لم تقم بدعوى

معارضة في الغرض، و حينئذ فان هذا الطلب تقدمت به لأول مرة لدى الدرجة الثانية خلافا لما هو معروفا في أصول الإجراءات و بناءا على ذلك يتعين رفض هذا المطعن".

إنّ تأسيس رفض مطلب الإدارة المتعلق بالمصاريف التحسينية على اعتبار الاسترجاع جزاء يمكن قبوله، لكن المشاكل لا تقف عند هذا الحد، فالمفروض ان هذا الجزاء يتسلط على الإدارة التي أخلت بالتزام هو استعمال العقار، لكن ماذا يكون الحل لو تحول هذا الجزاء عن مساره و أصاب غير الإدارة، و يقصد بذلك الصورة التي يقع فيها بذل المصاريف التحسينية من طرف الغير وهي صورة أثبتت الوقائع أنها ممكنة الحدوث و ذلك خاصة عندما تفوت الإدارة في العقار، و يقوم المشتري بإحداث أشياء بالعقار تزيد في قيمته : فما هو مصير المصاريف التي يبذلها الغير في صورة الاسترجاع ؟

ان الفصل 9 لن يسعفنا بجواب، و لعل مشكلا كهذا لم يتبادر الى ذهن المشرع عند سنه للأحكام الخاصة بالاسترجاع وهو ما يؤكد مرة أخرى ان التشريع التونسي يشكو نقصا واضحا يجب تداركه.

كما ان الإجابة على هذا السؤال تكتسي صعوبة واضحة مأتاها تعارض المصالح و تناقضها، فالمالك السابق الذي نجح في استرجاع عقاره يتمسك بالفصل التاسع الذي يقتصر على اشتراط إرجاع الغرامة، و الغير يتمسك ببذله لمصاريف معينة يود استرجاعها، أما الإدارة فهي تتمسك بعدم انتفاعها بهذه المصاريف وهي بالتالي ليست مطالبة بإرجاعها.

أنه أمام تعارض هـذه المصالح التي يمكن ان يتسبب فيه التفويت في العقار، و أمام غياب فقه قضاء يمكن الاعتماد عليه، فانه يجدر التفريق بين علاقتين:

- العلاقة الأولى علاقة الإدارة بطالب الاسترجاع وهي علاقة يحكمها الفصل التاسع، و تطبيقا لهذا الفصل فان المالك السابق ليس مطالبا إلا بإرجاع غرامة الانتزاع فقط دون غيرها.

                     -أما العلاقة الثانية فهي علاقة الإدارة بالغير الذي بذل مصاريف معينة مثل المشتري ، وهي علاقة خارجة عن أحكام الفصل التاسع، و تخضع لنظامها الخاص الذي يحكمها و يمكن على أساس هذا النظام مطالبة الإدارة بالمصاريف المبذولة من طرف الغير الذي استحق من يده العقار بمفعول الاسترجاع، و كان من الممكن الالتجاء حسب الحالة للفصل الأول من أمر 27 نوفمبر1888 الذي وقع إلغاءه بمقتضى القانون عدد 39 و المؤرّخ في 03 جوان 1996 و الذي رتّب مسؤولية الإدارة عند عدم عملها بالاتفاقات الواقعة معها".

ـ الحط من الغرامة؟

إن الوجه الأخر للسؤال يتمثل في الصورة التي تلحق فيها الإدارة أضرارا في العقار خلال مدة الخمس سنوات، فهل يجوز للمالك المطالبة بالحط في مبلغ الغرامة بالقدر الذي يتناسب مع النقص الحاصل في قيمة العقار؟

 

ان سؤالا كهذا لم يطرح على فقه القضاء التونسي، لكن نظريا لا شيء يمنع من طرحه في المستقبل، و لعل تأويلا حرفيا للفصل التاسع يؤول الى جبر المالك السابق على إرجاع الغرامة دون الالتفات الى ترجع قيمة العقار نتيجة الأضرار اللاحقة به، كما ان هذا الحل يعتبر منسجما مع الحل الذي يمنع الإدارة من المطالبة بالمصاريف التي بذلتها و كان موضوعها العقار.

لكن هذا الحل رغم منطقيته فانه يتعارض مع مبادئ الإنصاف لأنه سيؤول الى تحميل المالك السابق وحده نتيجة أضرار لم يتسبب فيها .إضافة الى ضرورة إرجاع الغرامة فان هذا الجزاء يمكن ان يكون عرضة الى حدود أخرى يتوقف وجودها على تدخل الإدارة او تدخل المالك السابق.

 

 

 

 

 

 

عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية