الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

البطلان المطلق

    الالتزام هو كل رابطة قانونية قائمة بين شخصين يلتزم بموجبها أحدهما وهو المدين بأداء معين للأخر اي الدائن.

     ولنظرية الالتزام أهمية بالغة في النظام القانوني، فهي بمثابة العمود الفقري للجسم، ويرجع ذلك الى كونها تتضمن القواعد القانونية العامة التي تنظم أحكام التعاقد وطرق الاتفاق في شأنها ومنه تنظيم المعاملات الاقتصادية والمالية والتجارية بين افراد المجتمع، الذي يجعل احكامها أكثر أجزاء القانون انطباقا.

    وبما ان تنظيم تصرفات الأطراف أمر موكول نظريا للمشرع وعمليا للقاضي، نتبين وجوب تدخل القانون للحد من الإخلالات التي قد تطرأ في المادة التعاقدية.

      فباعتبار ان الإرادة هي أساس العقد والالتزامات عموما برزت عديد الإشكاليات القانونية خاصة وان المشرع التونسي لم يتعرض لنظام مستقل بذاته يراقب من خلاله مسالة التعاقد، فحتى نظام المراقبة الأولية من قبل بعض الهياكل المتخصصة في تحرير العقود بقي قاصرا عن أداء هذا الدور ذلك لعدم التحرير الحيني للعقود وللاتفاقات الحاصلة بين الاطراف.

     ولم يحدد المشرع التونسي الجزاء المترتب عن كل اخلال في تكوين كل عقد، بل تعرض فقط لنظام البطلان دون ان يقدم تعريفا صريحا له. والبطلان نوعان، بطلان مطلق وبطلان نسبي حسب الأحكام العامة في العقد.

 حيث تم التعرض للبطلان المطلق صلب الفصل 325 وحصر البطلان النسبي في الفصل 330 من مجلة الالتزامات والعقود ضمن المقالة السادسة من الكتاب الأول. والتمييز بين نوعي البطلان مطلق ونسبي والذي يعود للقانون الفرنسي القديم، يقوم على نظريتين.

نظرية تقليدية تقوم على ادراج فكرة تدرج الخطأ المسلط على العقد بحسب خطورة الخلل الذي يعتري انعقاده وصحته، ونظرية حديثة أسست التمييز على معيار غاية المشرع والمصلحة المراد حمايتها، اما حماية المصالح الخاصة وهنا يتم الحديث عن بطلان او حماية النظام العام أي البطلان المطلق.

وتكمن المصلحة القانونية من هذا التمييز أساسا في تحديد نظام البطلان الذي يختلف ان كان نسبيا او مطلقا، وسيقتصر بحثنا هذا على الجزاء الأخطر الا وهو البطلان المطلق.

       والبطلان لغة من بَطَل الشيءُ يَبْطُل بُطْلاً وبُطُولاً وبُطْلاناً ذهب ضيَاعاً وخُسْراً فهو باطل1. اما مطلق من الاطلاق أي ما هو عام وما لا استثناء فيه.

       اما قانونا، ولئن تغافل التشريع التونسي عن تعريفه مقتصرا على التنصيص عليه، فيعرف البطلان المطلق عموما بكونه الجزاء على مخالفة شروط صحة وتكوين العقد وذلك بان لا يترتب على العقد الباطل أي أثر قانوني بما يصح معه القول بانه انعدام اثر العقد بالنسبة للمتعاقدين وللغير او انه غير قائم ولم يقم ابدا بسبب اختلال تكوينه .   اذ هو وصف قانوني يمس بتكوين التصرف المختل وجزاء قانوني تمارسه السلطة المختصة وتقر به كلما تعذر اكمال الأركان الاصلية للتعاقد وتطابقها مع إرادة الأطراف.

      وقد شكل هذا النوع من البطلان محل جدل فقهي من حيث تعريفه، اذ شهد عديد النظريات الدارسة له، واولها النظرية التقليدية التي اعتبرت انه حالة يولد معها العقد ميتا مما يفقده وجوده ويعدم أثاره القانونية.

اذ تعتبر هذه النظرية ان العقد الفاقد لأركانه الاصلية معدوم وتلزم القاضي بالتصريح  ببطلانه وتحصر دوره فقط في الكشف عن البطلان  اما رواد النظرية الحديثة فاعتبروا ان البطلان المطلق هو عبارة عن عقوبة مخالفة القواعد القانونية الضامنة لحقوق الأطراف والحائلة دون التعسف في الحقوق والهادفة لتحقيق الاستقرار التعاقدي.    وقد اعتد فقه ثالث بموقف جديد نقد من خلاله موقف النظريتين السابق ذكرهما انفا، وذلك لغياب الواقعية والتنوع في افكارهما معرفا البطلان المطلق بكونه الخطأ والخلل الحاصل في مستوى مرحلة التعاقد3. وأمام هذا التعدد، تأثر المشرع التونسي بالنظرية التقليدية.

    وبناء على ما سبق الالماع اليه، نتبين انه يستوجب تمييز البطلان المطلق بما هو جزاء مدني قانوني عن غيره من الانظمة القريبة منه. الجزاءات الغير قانونية من جهة، والمقصود بها أساسا الجزاءات الدينية والجزاءات الأخلاقية.

       ومن جهة أخرى الجزاءات ذات الطبيعة القانونية لا محال ولكنها ليست بالمدنية، والمقصود بها الجزاءات الردعية والتي تنقسم إلى جزاءات تأديبية كالإنذار والتوبيخ والفصل من المؤسسة والجزاءات الجزائية أي العقوبات والمتعلقة بالجرائم، ذلك رغم ان التشريعات الحديثة كثيرا ما تذهب في اتجاه وضع عقوبة جزائية في صورة مخالفة شروط تكوين العقد وذلك لغاية حماية الطرف الضعيف

لكن البطلان المطلق ليس بالجزاء القانوني المدني الأوحد، مما يستلزم أيضا تمييزه عن سائر الجزاءات المدنية الأخرى وهي عديدة.


إذ منها ما يتعلق بتنفيذ العقود ونقصد بذلك أساسا الفسخ بما هو جزاء عدم تنفيذ أحد الطرفين لالتزامه الناشئ عن توافرت فيه عند تكوينه جميع الأركان والشروط القانونية المستوجبة لصحته .

           اذ ان البطلان المطلق والفسخ، ورغم اتحادهما في الأثر والمتمثل في المحو الرجعي للتصرف القانوني فهما يختلفان في الميدان بين مرحلة التكوين ومرحلة التنفيذ.

         ولعله من الوجيه ان نلاحظ ان المشرع التونسي لم يفرق بصورة جلية بين الجزاءين اذ يستعمل مصطلح الفسخ خطاَ للدلالة على البطلان ويرى محمد الزين ان ذلك يعود لتأثير الفقه الإسلامي وتحديدا المذهب الحنفي 3.  ومن الملاحظ ان هاته الهفوة لم تتسرب لفقه القضاء الذي يستعمل في عديد القرارات والاحكام المصطلحات في محلها الصحيح4.

         ويختلف البطلان المطلق أيضا عن حالة العقد الموقوف بما هو مفهوم ينتمي الى نظرية البطلان في الفقه الإسلامي يقصد به ان ينعقد العقد صحيحا لكنه يبقى ناقصا لأحد عنصري النفاذ وهما الملكية والأهلية. وان لم يستعمل المشرع التونسي هذه العبارة في القانون الوضعي التونسي، فان أثرها ثابت في عدة مواقع منه .

         وكما يتميز البطلان المطلق عن جزاء عدم النفاذ أو عدم الاحتجاج، وهو جزاء لخلل يعتري العقد، لا يؤثر في صحته لكنه يجعله عديم الأثر بالنسبة للغير .. 

كما يجدر بيان اختلاف البطلان المطلق أيضا عن السقوط وهو جزاء حدوث امر خارجي أدى الى اختلال أحد اركان عقد صحيح مما يفقده لأي أثر قانوني.

ويكتسي جزاء البطلان المطلق أهمية بالغة نرصدها من خلال دوره المزدوج: الدور الوقائي والدور الزجري.

 

فهذه العقوبة المدنية، تمحو من جهة أولى وبصفة رجعية العقد المخالف لشروط صحته وتكوينه القانونية، وتردع من جهة ثانية وفي ذات الوقت الكافة من مخالفة تلك الشروط في اتفاقاتهم نضرا لجسامة وخطورة هذه العقوبة التي تؤول الى اعدام التصرف القانوني بصفة رجعية أي اعتباره كأنه لم يوجد قط1.

 

فالعقد الباطل ليس له وجود ولا أثر ولا يتصور التمسك به ويبقى باطلا على الدوام لا تصححه إرادة الأطراف ولا مضي المدة الطويلة، فهو كالجنين الذي ولد ميتا2 .

 

كما تتأكد هذه الأهمية أكثر من خلال تطابق مقتضيات النظام العام ونظام البطلان المطلق الذي يقوم على توسيع حق القيام لكل من له مصلحة في الطلب ومنع التصديق على العقد وعدم وجود أجل للقيام، لذلك اعتبر سيد الجزاءات. علاوة على ضمان الأمن التعاقدي واستقرار المعاملات  .

يلاحظ مما تمت الإشارة اليه ان جزاء البطلان المطلق يعكس هدفا تشريعيا أقره المشرع التونسي وذلك رغبة منه في حماية مصلحة الأطراف العامة أو الخاصة، لكن حري بنا ان نستجلي التطور الكبير للمعاملات التعاقدية 4وبروز المفهوم الاقتصادي والاجتماعي التي قد تتجاوز أحيانا ما أقره المشرع..

ان ما سبق الالماع اليه يوجب التساؤل عن:

 

نظرية البطلان المطلق في القانون المدني التونسي؟

 

 

يتوقف حسن فهم النظام القانوني للبطلان المطلق ( ΙΙ ) على بيان التكريس التشريعي لهذا الجزاء صلب القانون الوضعي التونسي ( Ι )

 


Ι) الإقرار التشريعي للبطلان المطلق:

 

تعتبر منظومة البطلان المطلق وصفا يلحق تصرفا قانونيا معينا لنشاته مخالفا لقاعدة قانونية و بالتالي يكون مؤدي إلى عدم نفاذه وقد ضبط المشرع هذا الجزاء ضمن الفصول الممتدة من 325 الى 329 من مجلة الالتزامات و العقود و عليه يكون مجال انطباقه انعدام ركن من اركان العقد من جهة (أ) وتكريسه صلب نصوص قانونية خاصة من جهة اخرى (ب)

 

أ-انعدام ركن من أركان العقد:

 

 

يعتبر الفصل 2 من مجلة الالتزامات و العقود فصلا محوريا في مادة العقود ذلك أنه يحدد الأركان التي يجب أن يقوم عليها أي عقد مدني مهما كان ذلك أنه من المعلوم أن العقود تقوم على مبدأ الرضائية و تعتبر العقود الشكلية إستثناء.

 و يقصد بمبدأ الرضائية أن يكون العقد صحيحا بمجرد إشتماله للاركان المنصوص عليها صلب الفصل 2 من مجلة الالتزامات و العقود دون حاجة لأي شكلية إضافية على عكس العقد الشكلي الذي يشترط وجوبا لصحته و نفاذه تحقق الشكلية المنصوص عليها سواء من قبل الاطراف المتعاقدة او من قبل القانون في حالة محددة و سواء كان هناك اشتراط لشكلية معينة من عدمه فلا بد في كل الحالات ان يقوم الفصل على الاركان المنصوص عليها صلب الفصل 2 من مجلة الالتزامات و العقود.

 فلا يتصور وجود عقدا خالي من احد اركانه و بالتالي يكون موجب للبطلان المطلق على معنى الفصل 325 من مجلة الالتزامات و العقود الذي اقتضى ان العقد يكون باطلا بطلانا مطلق اذا خلا من احد اركانه و حري بالذكر في هذا الاطارالتعرض الى تعريف الركن و هو ما كان داخل ماهية العقد أي ضمن تكوينه.

 و بالتالي فان غياب ركن من اركان العقد تكون نتيجته الحتمية انعدام العقد و بالتالي يترتب جزاء البطلان المطلق و ذلك في صور غياب احد الاركان المنصوص عليها و هي الاهلية و الرضا و السبب و المحل و سيقع التعرض اليها تباعا فاما عن الاهلية كشرط لصحة العقد فهي قدرة الشخص على تحمل الالتزامات و على اكتساب الحقوق و ممارستها 

ولابد من الاشارة ان البطلان المطلق يتسلط على التصرف القانوني الذي يخلو من احد اركانه و بالتالي فان المقصود في هذه الصورة انعدام الاهلية لا تقييدها ذلك ان الاهلية المقيدة لا يترتب عنها حتما البطلان ذلك ان هذه التصرفات القانونية تكون قابلة للتصحيح أي ان البطلان المطلق يكون الاثر المباشر للتصرف القانوني المبرم من طرف احد المتعاقدين او كلاهما في صورة انعدام الاهلية و يعرف القانون التونسي صورة انعدام الاهلية بالنسبة للصغير غير المميز أي الصغير الذي لم يبلغ 13 سنة و انعدام التمييزيقصد به عدم القدرة على التمييز بين الخير و الشر  و هو ما جاء بمنطوق الفصل 5 من مجلة الالتزامات و العقود و يتحد الصغير المميز في فقدانه للاهلية مع المجنون و ذلك من خلال انطباق الحجر عليه هو الاخر لفقده لملكة التمييز و المجنون حسب صريح احكام الفصل 160 من مجلة الالتزامات و العقود هو " الشخص الذي فقد عقله سواء أكان جنونه مطبقا يستغرق جميع اوقاته او متقطعا تعتريه فترات يثوب اليه عقله فيها ..."   و سواء اكان المحجور عليه صغيرا غير مميز أو مجنونا فان تصرفاته لا تسري و هي باطلة بطلانا مطلقا .

و يلاحظ في هذا السياق بمراجعة المنظومة القانونية تضارب بين اقرار جزاء البطلان المطلق من جهة و منطوق الفصل 9 من مجلة الالتزامات بعد تنقيحه الذي يجيز لمن ليس له اهلية التعاقد ان يبرم تصرف لتحسين حاله و لا يكون جزاء ذلك البطلان و لتجاوزهذه المسألة وقع اللجوء الى عدم الاعتماد على الية النسخ باعتبار هذا الفصل فصلا خاصا و بالتالي يبقى القول ببطلان تصرفات فاقدي ملكة التمييز صحيحا و ذلك على عكس التصرفات المبرمة من طرف مقيدي الاهلية التي يمكن ان تقع اجازتها مثال ذلك التصرف القانوني الذي يبرمه الصغير المميزو الذي يمكن اكساءه بالصحة بعد اجازة الولي على ذلك

و تنسحب مسألة البطلان المطلق على الركن الثاني للعقد و هو الرضى ذلك انه لا يتصور قيام عقد خالي من ركن الرضى و الرضى هو توافق ارادتين او اكثر على انشاء علاقة قانونية ملزمة تنصرف اثارها الى جميع الاطراف المتعاقدة .

  و يقصد بتوافق الارادتين تلاقي الايجاب مع القبول الموافق له و بالتالي يصح العقد و عليه يكون العقد باطلا بطلانا مطلق في صورة عدم حصول هذا التطابق بين الايجاب و القبول و يصبح بذلك العقد مفتقرا لركن الرضى و قد تطرح مسألة عيوب الرضى لكن لابد من استبعادها من نطاق نظرية البطلان المطلق ذلك ان الرضى اذا شابه عيب ما كالاكراه و التغرير و الغلط فانه يكون قابلا للابطال على معنى ذلك لا للبطلان المطلق و هنا تبرز الجدوى من التمييز بين قابلية الابطال و البطلان المطلق كما وقع التطرق لها سابقا و المعيار في ذلك درجة الخطورة فكلما كانت مخالفة القاعدة القانونية مخالفة لقواعد اساسية او امرة كان الجزاء البطلان المطلق.

و على عكس ذلك تكون التصرفات الاقل خطورة قابلة فقط للابطال و في ذلك تكريس من المشرع لمسألة انقاذ التصرف القانوني و بالتالي توسيع لصلاحيات القاضي و هو ما لا يوجد له اثر في نظرية البطلان المطلق الذي لا يمكن فيه المحافظة على التصرف القانوني و يبرر ذلك بتعلق المسألة بقواعد اساسية تهم النظام العام و لكن يمكن ان يطرح التساؤل حقيقة عن ماهية القابلية للابطال في الصور المقترنة بالرضا فما مدى صحة اعتبار الاكراه المادي و التغرير من المسائل الاقل خطورة و بالتالي تكون معيبة للرضى لا معدمة له ؟ فماهو الاساس القانوني لذلك و هل من الممكن ان تدخل تحت طائلة البطلان المطلق ؟

 يعتبر هذا التساؤل الفقهي متجاوزا ذلك انه بمراجعة النصوص القانونية المنظمة للبطلان نجد ان المشرع اقصاهما من دائرة البطلان المطلق و نجد تنصيص عليهما في قابلية البطلان و حسب و ذلك على معنى الفصل 330 من مجلة الالتزامات و العقود و بالتالي فان نطاق انطباق البطلان المطلق يكون فحسب على مسألة انعدام الرضى و لا يمكن التوسع فيه ليشمل عيوب الرضى و ذلك لخطورة هذا الجزاء المدني و تعلقه بالنظام العام.

بالرجوع الى احكام الفصل 2 من مجلة الالتزامات و العقود يسحب منها ان العقد لا يقوم الا بتوفر ركن المحل و يقصد بالمحل من الناحية القانونية  محل الالتزام لا محل العقد علما و ان العقد باعتباره تصرفا قانونيا يكون محل الالتزام فيه هو نفسه محل العقد  و قد نظم المشرع التونسي المحل في الفصول من 62 الى 66 من مجلة الالتزامات و العقود و يشترط وجود المحل حيث ينص الفصل 2 من مجلة الالتزامات و العقود في فقرته الثالثة على "ان يكون المقصود من العقد مالا معينا يجوز التعاقد عليه " معنى ذلك ان من شروط الالتزام ان يكون المحل موجودا و يستنتج ذلك ايضا من قراءة للفصل 574 من مجلة الالتزامات و العقود الذي ينص على ان بيع المعدوم باطل ولكن يجدر ان يساق في هذا الاطار ان مسألة وجود المحل  و اشتراطها لا تمنع من امكانية ان يكون هذا الوجود مستقبليا وهو ما يستجلى من الفصل 66 من نفس المجلة .

اضافة الى ضرورة وجود المحل يشترط المشرع التونسي ضرورة ان يكون المحل معينا  و لا يثير هذا الشرط صعوبة  في القيميات التي تكون منفردة بذاتها و تطرح المسالة بعض الصعوبات بالنسبة  للمثليات أي الاشياء التي تقوم مقام بعضها في الوفاء بالالتزامات التي يتم تحديدها بالنوع و يكتفي المشرع بتحديد ماهيتها عند نشأة الالتزامو طرحت المسألة بالنسبة لقابلية المحل للتعيين  و ذلك في عقود التزويد مثلا التي يضطر فيها الاطراف الى تعيين الثمن لاحقا .

اضافة الى ما تقدم يشترط في المحل لصحته ان يكون ممكنا و يقصد بذلك ان لا يكون المحل مستحيلا و هذه الامكانية ترصد من قبل طبيعة المحل او بالقانون .

و لتدخل الاستحالة تحت طائلة الفصل 64 م ا ع لابد ان تكون مطلقة.

اما عن الشرط الاخير الذي يجب ان يتوفر في المحل فهو المشروعية أي ان لا يكون مخالفا للقانون و هو ما يتماشى مع القاعدة الاصولية المكرسة صلب الفصل 559 من نفس المجلة و القاضية بأن الاصل في الاشياء الصحو مطابقتها للقانون و عليه فكل ما يفتقد المشروعية يكون حكمه البطلان و هو ما ينسحب على المحل بدوره فيمنع التعامل في حقوق السلطة العامة للدولة من جهة و حقوق الذات البشرية كالحرمة الجسدية من

جهة اخرى .

بناء على جملة ما تقدم لا يتصور قيام للعقد بمجرد توفر ركن الرضى و الاهلية و المحل ذلك انه لا بد ضرورة من ان يتوفر ركن السبب ذلك انه لا عمل على التزام بني

على غير سبب وهو ما اكدته محكمة التعقيب في عديد المناسبات 

تجدر الملاحظة في هذا السياق ان المشرع لم يحدد طبيعة هذا السبب اذا ما كان مجرد او موضوعي او غيرها ويذهب عديد الفقهاء و من بينهم  الاستاذ محمد الزين الى اعتبار السبب المقصود هو السبب المجرد أي السبب الموضوعي وهو نفس المنهج الذي خطته محكمة التعقيب و يلمس ذلك من خلال القرار عدد9153 مؤرخ في 8 نوفمبر 1955 الذي جاء في حيثيته "ان السبب في العقود التبادلية هو وفاء احد الطرفين بالتزامه تجاه الاخر ..." 

من جهة اخرى اضافة الى اشتراط توفر السبب يشترط جواز هذا السبب و ذلك عملا بما اقتضاه الفصل 67 من مجلة الالتزامات و العقود و يلاحظ ان المشرع قد عرف عدم الجواز في الفقرة الثانية من نفس الفصل المذكور انفا بكونه السبب الذي يكون مخالفا للقانون أو الاخلاق الحميدة او النظام العام و لابد من سياق مسألة التصريح بالسبب ذلك ان عدم التصريح بالسبب لا يقوم قرينة على عدم جوازه و هو ما اقضاه الفصل 68 من مجلة الالتزامات و العقود و في ذلك يتبين ان المشرع يرجع قيام السبب و جوازه في كل الحالات و على من ادعى عكس ذلك ان يثبت ادعاءه .

يبدو موقف المشرع مترددا من السبب ذلك انه يقره كشرط جوهري لقيام الالتزام و صحته من جهة ة لكنه يستعيض عنه بقرائن تثبت وجوده وبالتالي تعتبر مسألة اثبات السبب بسيطة و لا تطرح صعوبات تطبيقية حيث هناك قرينة تدعم وجوده في كل الحالات.

 

صفوة القول من جملة ما تقدم أن البطلان المطلق يتسلط على العقد إذا خلا من احد اركانه أي اذا كان العقد فاقد لركن الاهلية او كان الرضاء فيه منعدما أو كان هناك انتفاء للمحل او احد اوصافه أو كان سبب التعاقد غير جائز او منتفي واي كان الركن المعدوم في العقد فان العقد يكون ميتا و لا يكون قابلا للتصحيح.

 

 

يعتبر البطلان المطلق جزاء التصرف القانوني الخطير الذي يمس بالنظام العام وتسليط هذا الجزاء لا بد ان يكون مدروسا وذلك لخطورته و هو ما دعا لاقرار قاعدة انه لا بطلان بدون نص و لا يقتصر اقرار البطلان المطلق على الحالات التي يكون فيها العقد مفتقرا لاحد اركانه بل يمتد الى الحالات التي ينص القانون فيها على ذلك رغم قيام اركان العقد صحيحة.


 

ب) تكريس البطلان ضمن نصوص خاصة .

 

الأصل هو الرضائية ولكن المشرع قد يتدخل لفرض اجراء معين في التصرفات القانونية وهو ما يعبر عنه بالشكلية، والمعنى الضيق للشكلية يحصر وظيفتها في اعتبارها شرط صحة في التصرفات القانونية وغيابها او تخلفها يرتب عنه المشرع البطلان المطلق فلا يمكن ان يقوم العقد صحيحا مرتبا لآثاره القانونية إذا لم تحترم شكلية الصحة التي فرضها القانون.

ولما لم تكن الشكلية من الأركان الوارد ذكرها بالفصل الثاني من مجلة الالتزامات والعقود فان غيابها او عدم التقيد بها لا يؤول الى تفعيل جزاء البطلان المطلق الا إذا اقتضى القانون ذلك في صور معينة و هو ما أورده المشرع في نصوص خاصة.

والشكلية التي تقوم بوظيفة الصحة ليست شكلية واحدة بل متعددة فقد تتمثل في الكتب او الرخصة الادارية او التسليم او حضور شخص معين والاخلال بهذه الشكليات باختلافها يؤول وجوبا الى تفعيل جزاء البطلان المطلق.

 

1- الكتب :

 

قد يشترط المشرع الكتب لصحة المعاملة فيرتب عن غيابه جزاء البطلان المطلق ولا يؤدي هذا الكتب وظيفته الا إذا تم وفق الشكل الذي فرضه المشرع. فيرتبط شكل الكتب بصفة محرره او يعتمد وفق التنصيصات المستوجبة فيه، الى غير ذلك من اشتراطات المشرع التي تنم عن توخيه نزعة تشديدية إزاء بعض المعاملات و هذا التوجه التشديدي بمكن أحيانا تبريره أهمية هذه المعاملات و خطورتها . 

فيما يتعلق بالكتب كشرط صحة و المرتبط بصفة محرره فان التصرف يعد باطلا من اصله اذا لم يحرره من اوكل له المشرع هذه المهمة و ذلك سواء كان هذا الكتب خطيا او رسميا.

في اطار مادة الأحوال الشخصية؛ في حين نص الفصل 4 من مجلة الأحوال الشخصية في فقرته الأولى على ان الكتب الرسمي شرط لاثبات الزواج ورد بالفقرة الأولى من الفصل 31 من قانون الحالة المدنية2  على ما يلي : " يُبرم عقد الزواج بالبلاد التونسية امام عدلين او ضابط الحالة المدنية بمحضر شاهدين من اهل الثقة " كما نص الفصل 36 من نفس القانون على انه " يعتبر الزواج المبرم خلافا لاحكام الفصل 31 أعلاه باطلا."

و لم يتردد فقه القضاء في التصريح ببطلان عقود الزواج المحررة خلافا للصيغ القانونية حيث رتب عن عدم وجود الصداق صيرورة الزواج "غير صحيح" .

 و الشكل الرسمي مشترط كذلك في التوكيل بالزواج و الاخلال به رتب عنه المشرع البطلان بصريح العبارة ضمن الفصل 10 من مجلة الأحوال الشخصية حيث اقتضى في فقرته الثانية انه " يجب ان يحرر التوكيل في حجة رسمية و يتضمن صراحة تعيين الزوجين و الا عد باطلا ".و كذلك في الاتفاق اللاحق على الاشتراك في الاملاك بين الزوجين يفرض المشرع  توفر الشكل الرسمي عملا بالفصل 8 من قانون الاشتراك في الاملاك بين الزوجين. 

كما تُشترط هذه الصيغة في التصرفات التي ترتب نتائج خطيرة على الذمة المالية لصاحبها و كذلك ورثته و من هذه التصرفات ما ينضوي تحت صنف التبرعات كالهبة، حيث جاء بالفصل 204 م أ ش أنه " لا تصح الهبة الا بحجة رسمية ."

 وعلى هذا الأساس باعتبار عقد الهبة عقدا شكليا يترتب على عدم احترام شكلية الكتب بطلان الهبة بطلانا مطلقا وهذا ما أكدته الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب بأحد قرارتها.

وفي اطار عملية تحرير الكتب في العقود العقارية ، كان المشرع يسمح للأطراف بتولي  تحرير عقودهم بانفسهم و أدى ذلك الى بروز كتائب محررة بطريقة هجينة مليئة بالنقائص يغيب فيها تفصيل البيانات المتعلقة بخصوصيات عقود العقارات المسجلة مما افرز على مستوى التطبيق حالات عديدة لمطالب الترسيم المرفوضة و المعطلة بسبب سوء التحرير و هو ما أدى الى جمود الرسوم.

و لهذا تدخل المشرع. لترشيد عملية التحرير التي يكون موضوعها عقارا مسجلا و فرض بموجب  الفصل 377 مكرر من مجلة الحقوق العينية قائمة من الأشخاص أوكل اليهم مهمة التحرير بصفة حصرية و هم إدارة الملكية العقارية ، أعوانها و عدول الاشهاد و المحامين المباشرين. و عند الاخلال بهذه الصيغة يكرس البطلان المطلق حيث جاء بنفس الفصل انه:

" تعتبر الصكوك و الاتفاقات المحررة من غير من ذكر باطلة بطلانا مطلقا ."و لم تتردد المحاكم التونسية في تكريس البطلان في العديد من قراراتها.

و الغاية من إقرار البطلان المطلق هي ضمان سلامة الصكوك حتى يضمن ترسيمها حماية للثروة العقارية للبلاد التونسية و ذلك بوضع أسس و ضوابط دقيقة و ثابتة تحكم كيفية التعامل عليها خاصة و ان العقارات تلعب دورا هاما في النهوض بالاقتصاد الوطني و لكن هذا لم يمنع ضهور بعض الانتقادات لهذا الجزاء.

 

حيث اعتبر البعض ان هذا الجزاء البطلان المطلق- يعدا قاسيا و مبالغا فيه لأنه يمس بتكوين العقد و الحال ان المسالة المقصودة تتعلق بآثاره و هي الترسيم بالسجل العقاري.

و في الحقيقة باتت خطورة جزاء البطلان المطلق واضحة و جلية خاصة على مستوى آثاره، فبعد صدور الفصل 377 مكرر المذكور أصبحت العقود العقارية المبرمة خلافا لمقتضياته لا مصير لها سوى العدم و في هذا خطر شديد على الاستقرار التعاقدي و يتأكد ذلك بالرجوع الى ذات الفصل الذي جاء يهدف الى ترشيد التحرير لتسهيل عملية الترسيم  و القضاء على ظاهرة الرسوم المجمدة و تكون نتيجته بالنظر الى هذا الهدف هي رفض الترسيم لكن المشرع ذهب الى اكثر من ذلك و قضى ببطلان العقد بطلانا مطلقا.

و في كل الحالات المذكورة في صورة الاخلال بشكلية المتعلقة بمحرر الكتب يرتب المشرع البطلان المطلق  و يقع التنصيص عليه صراحة او يستنتج من صياغة النص التي تتضمن الوجوب و الصحة.

و على كل حال فان التضخم التشريعي في السنوات القليلة الماضية كان المشرع صريحا و حاسما في تبني شكلية الكتب للصحة، من ذلك القوانين الموجهة لحماية المستهلك2 او المتعلقة ببعض حقوق الملكية الصناعية حيث اقتضى الفصل 62 من قانون براءات الاختراع على مايلي " تكون إحالة او انتقال الحقوق بكتب و الا كانت باطلة" و يمكن الإشارة أيضا الى وجوب تحرير كتب للصحة في عقد البعث العقاري. و كذلك في العقود المتعلقة بالاصل التجاري طبقا لاحكام الفصل 189 مكرر من المجلة التجارية.

و في بعض التصرفات الهامة لا يكفي توفر الكتب المستوجب قانونا حتى تقوم صحيحة و انما لابد كذلك من توفر الرخص الإدارية.

2-الرخص الإدارية:

تعد الرخصة اجراء تَأخذ به السلطة الإدارية المتخصصة بناء على طلب أحد الأشخاص لإتمام بعض التصرفات التي تكون غير قانونية بدونها.

وقد تعددت هذه الرخص وتنوعت الى حد التعقيد أحيانا وبمراجعة النصوص التي تفرض شكلية الرخصة الإدارية يتضح انها تكرس جزاء البطلان المطلق في صورة الاخلال بهذه الشكلية ومن ذلك البطلان المطلق الذي يكرسه الفصل 2 من امر 4 جوان 1957 عند غياب رخصة الوالي وكذلك فيما يتعلق بعدم احترام رخصة الوزير الأول طبقا للفصلين 1 و3 من قانون1959. 2 وقد التزمت المحكمة بهذا الجزاء الصارم معتبرة ان العقد الناقل للملكية كالبيع3 والمغارسة4 و الذي يخلو من الرخصة الإدارية يكون باطلا بطلانا مطلقا.

ومهما يكن من الأحوال، فانه لا يثار أي اشكال إذا صرح القانون بالبطلان ولكن إذا سكت فان ذلك يعد غموضا موجبا للتأويل، حيث سكت المشرع عن الجزاء في خصوص بعض الرخص مثل رخصة رئيس الجمهورية التي اوجبها قانون 22 سبتمبر 1969 فيما يتعلق بتملك الأجانب للأراضي الفلاحية وقد اعتبر هذا السكوت غموضا رغم الصياغة الآمرة والحصرية المستعملة من المشرع في فرضه للترخيص الإداري.

وكان التأويل الفقهي متجها في طريق التشديد معتبرا ان الترخيص هو ركن في العقد فيكون جزاء غيابه بطلان العقد بطلانا مطلقا طبق الفصل 325 م ا ع

وهذا الموقف الي يعتبر متشددا مبرر بدور الإدارة في حماية النظام العام من خلال فرض رقابتها على العقود في مرحلة تكوينها.

ولا ينحصر البطلان المطلق المقرر بالقانون في الاخلال بشكلية الرخص الإدارية فقد يمتد الى التصرفات التي لا تحترم شكلية التسليم.

 

3-التسليم

ان التسليم مستوجب في العقود التي تستوجب حصول القبض و هو ما يجعل العقد عينيا و تخلف هذه الشكلية ينجر عنه البطلان المطلق كما هو الشأن في عقد الرهن الحيازي  للمنقول  الفصل 212 من مجلة الحقوق العينية1او في عقد الوديعة2 او في عقد الهبة عملا بالفصل 201 من مجلة الأحوال الشخصية3 و لو ان صياغة هذا الفصل تنبئ بغموض الحل التشريعي فمن المعلوم ان العقد العيني لا يتكون الا اذا حصل التسليم و لكن في عقد الهبة وضع المشرع التسليم كشرط تمام للعقد بدونه لا يكون العقد باطلا بل يستمر صحيحا مدة من الزمن و لا يبطل الا اذا توفى احد طرفي العقد قبل حصول التسليم.

4-حضور شخص معين

قد يربط القانون صحة التصرف بحضور أشخاص معينين4 عملية ابرامه  ومن ذلك حضور شاهدين من أهل الثقة عند ابرام عقد الزواج5  و ذلك طبقا للفصل 31من قانون الحالة المدنية و ينص الفصل 36 من نفس القانون على جزاء البطلان عند الاخلال بهذه الشكلية.

 

ΙΙ) النظام القانوني لدعوى البطلان المطلق:

 أ) إثارة دعوى البطلان المطلق :

  عند دراسة مسالة إثارة دعوى البطلان المطلق، اول تساؤل يتبادر للذهن يتعلق بتحديد  من يحق له القيام بدعوى ابطلان المطلق و التمسك بها؟

للإجابة عن هذا السؤال لابدّ من الاشارة الى ان المشرع لم يحدد صلب الفصل 325  و مابعده من مجلة الالتزامات و العقود، من يحق له القيام بدعوى البطلان وهذا السكوت مبرر لان هذه المسالة تهم قانون المرافعات المدنية و التجارية و لا تهم القانون المدني .

ورجوعا لأحكام المرافعات المدنية و التجارية، خول المشرع التونسي لعديد الاشخاص حق ممارسة دعوى البطلان متمسكا في ذلك على القاعدة الاجرائية الاساسية التي مفادها انه " لا قيام بدون مصلحة " والتي تبناها الفصل19 من مجلة المرافعات المدنية و التجارية2  .

وتجدر الاشارة الى ان قائمة الاشخاص المخول لهم ممارسة هذه الدعوى و حق التمسك بها تتسم بالاتساع حيث تتراوح بين ما يشترط صفة المتعاقد من جهة الى جانب امكانية القيام عن طريق الخلف و الدائنين و حتى الغير من جهة اخرى .

فيما يتعلق بإثارة البطلان من المتعاقدين، فانه لا شك في انه يحق لكل من طرفي العقد ان يطالب بإبطاله خاصة و ان لكليهما مصلحة في ذلك لها صلة وثيقة بسبب البطلان و بنتائجه . 


 

ويُقصد بالمصلحة هنا كل مصلحة قانونية محمية قانونا، فمجرد المنفعة المادية والادبية التي يستمد منها الشخص حقه من بطلان العقد لا تكفي للقيام بالبطلان. فالمصلحة الحقيقية هي النابعة من حق يؤثر فيه بطلان العقد او صحته . 

فلا شك من اعتبار ذا مصلحة كل من المتعاقدين ، فالبائع مثلا له مصلحة في البطلان لاسترداد المبيع ، عكس المشتري الذي تنحصر مصلحته في استرداد الثمن .

بالتالي فانه لكل متعاقد محرز على مصلحة قانونية حق القيام و التمسك بالبطلان ، و هذا الحق يجد صداه ضمن جملة من المبررات لعل ابرزها انه لا مجال لعدم قبول دعوى المتعاقد حسن النية طبقا للمبدأ العام المكرس للطابع الحمائي لأطراف العقد ، خاصة الضعيفة منها ؛ إلى جانب غاية المشرع الوقائية التي تخول للأطراف المتعاقدة حقهم في التداعي كلما توفرت صفة القيام و المصلحة .

لئن خول المشرع للمتعاقد حسن النية حق طلب البطلان على اساس المصلحة من جهة و كذلك على اساس النظام العام و الاخلاق الحميدة2 من جهة اخرى، فانه في المقابل وسع ضمنيا في دائرة القيام لتشمل كل من الخلف العام و الخلف الخاص و الدائنين و ذلك عملا بقاعدة " الالتزامات لا تجري احكامها على المتعاقدين فقط بل تجري ايضا على ورثتهم و على من ترتب له حق منهم" التي تضمنها الفصل 241 من مجلة الالتزامات و العقود .

بالتالي يحق للورثة ان يقوموا بدعوى البطلان بعد وفاة مورثهم ، كما انه لا نزاع في انه يمكن للولي القيام بالبطلان في حق منظوره المحجور .

ومن جهة اخرى يجوز للخلف الخاص القيام ببطلان العقد الذي ابرمه سلفه مع شخص اخر إذا كانت ه مصلحة في ذلك.

ونأخذ على سبيل المثال الشخص الذي يشتري شقة ثم يقوم بقضية في بطلان عقد التسويغ الذي يربط متسوغ الشقة بمالكها الاصلي. فمصلحة المشتري واضحة هنا حيث انه سينتفع مباشرة بالبطلان بما يُمَكنه من استغلال شقته بفائدة اكثر من قبل (كان يسوغها بمعين كراء ارفع) .

اما بخصوص الدائنين، فقد اقر اغلب الشراح، حق الدائنين في طلب بطلان العقود التي يبرمها مدينوهم إذا توفرت لهم المصلحة في ذلك.  وتتوفر هذه المصلحة إذا نتج عن العقد الباطل افلاس كلي او نسبي للمدين.

وتستند هذه المصلحة الى حق الدائن في ضمان مدينه العام، ومثال ذلك حالة عقد بيع باطل، حيث انه اذا اجاز المشرع للمتعاقدين التمسك بالبطلان حتى يسترد البائع المبيع و المشتري الثمن، فانه خول للدائنين حق المطالبة ببطلان التصرف.

 فالمرتهن من البائع له حق طلب البطلان حتى يقع تسليم حق الرهن له اما المرتهن من المشتري فيحق له المطالبة باسترداد الدين.

اذن يتأثر الدائن بالعقد الذي يبرمه مدينه لان هذا العقد مرتبط ارتباطا وثيقا بمكاسب المدين ومكاسب المدين ضمان لدائنيه  .

اما اذا تعلق الامر بالغير لذي ليست ل علاقة مباشرة بالعقد الباطل، فانه لا يحق له مبدئيا اثارة البطلان و ذلك لانتفاء شرط المصلحة. فلا يحق للجار مثلا ان يقوم بدعوى بطلان عقد تسويغ منزل مجاور له بغاية استبعاد الجار من جواره .لكن وبصفة استثنائية يمكن ان يؤثر العقد الباطل على الغير المطلق بصفة غير مباشرة وفي هذه الحالة يجوز له القيام بالبطلان شريطة ان يُقيم دليلا على قيام مصلحته القانونية.

هذه الفرضية هي حالة استثنائية تنفرد بالبطلان المطلق، مكن من خلالها المشرع الغير المطلق7 من القيام بالبطلان في حالات تكون فيها المصلحة جدية و حقيقية.

لكن تجدر الاشارة إلى انه على المستوى العملي، رفض فقه القضاء في عديد الحالات حق الغير في القيام بالبطلان لعدم جدية المصلحة المراد حمايتها.

رغم اقصاء الغير المطلق الذي ليس له صلة بالعقد لان مصلحته في القيام مستبعدة، فان المشرع لم يقصي دور القاضي في اثارة البطلان المطلق حيث انه يجوز للنيابة العمومية ان تتمسك بالبطلان كلما كان هذا البطلان يهدف الى حماية النظام العام خاصة وان الدفاع عن النظام العام وعن المصلحة الاجتماعية يعد من المشمولات الحصرية للنيابة العمومية.

 يظهر ذلك من خلال الفصل 251 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية الذي جاء فيه '' لممثل النيابة العمومية الحق في القيام بالقضايا كلما كانت هناك مصلحة شرعية تهم النظام العام ''.

ولكن عبارة ''مصلحة شرعية تهم النظام العام'' هي عبارة مطلقة وعامة يستنتج منها ان النيابة العمومية تحضى بسلطة واسعة في تقدير مدى توفر المصلحة في القيام.

لكن رغم ذلك اعتبر الفقهاء ان حق النيابة العمومية يقتصر فقط على حالتي البطلان لعدم مشروعية السبب والمحل نتيجة ارتباطه الوثيق بالنظام العام.

في هذا الإطار تجدر الاشارة الى انه على المستوى العملي، لا تمارس النيابة العمومية حقها في القيام بدعوى البطلان امام المحاكم المدنية نظرا لعدم نجاعة البطلان الصادر عن النيابة العمومية إذا أصر الاطراف على تنفيذ العقد الباطل وعلى اجراء العمل به.

وفي هذا السياق يطرح التساؤل عن امكانية محكمة الموضوع في القضاء بالبطلان من تلقاء نفسها ودون ان يطلب منها ذلك.

هذه المسالة هي اجرائية بحتة، وقواعد الإجراءات مستقرة على انه لا يجوز للمحكمة ان تقضي فيما لم يطلبه منها طرفا النزاع بالتالي لا يمكن للمحكمة ان تتعهد من تلقاء نفسها بالموضوع دون علم الاطراف والنيابة العمومية.

ولكن ما يمكنها القيام نه هو تمكين ممثل النيابة العمومية من الاطلاع على القضايا مع طلب ابداء ملحوظاته كلما تبين لها ان العقد المثار امامها قد مس بالنظام العام.

انه لمن الملموس ان صدور حكم بالبطلان المطلق من المحكمة يرتب آثارا سواء فيما بين الاطراف المتعاقدة او تجاه الغير.  ففيما تتمثل آثار جزاء البطلان المطلق؟    

ان الالتزام المصرح ببطلانه بطلانا مطلقا لا يترتب عنه شيء عدى استرداد ما وقع دفعه بغير حق وهو ما نص عليه الفصل 325 م ا ع صراحة.

هذا الفصل يعبر عن قاعدة اساسية في نظرية البطلان مفادها ان العقد الباطل تزول اثاره بصفة رجعية، اي بعبارة اخرى ينسحب البطلان على الماضي فيرجع الحال الى ما كان عليه زمن التعاقد1 .

بالتالي فالمبدأ في البطلان المطلق هو الرجعية على كامل العقد محل الدعوى، اذ لا يتصور غير ذلك عند انعدام رضا احد اطراف التصرف القانوني او عند انعدام الاهلية فكل تصرف يكون باطلا و لا مجال في ذلك للرجوع الى قواعد العدل و الانصاف لغاية انقاذ هذا التصرف من مآل البطلان 2 .

وكنتيجة  لجزاء البطلان المطلق، يضمحل التصرف القانوني و جميع الالتزامات الناشئة عنه.



و ترتيبا على أصبح من الضروري تجاوز النظرية التقليدية التي ترفض تقادم دعوى البطلان المطلق و ذلك ضمانا للاستقرار التعاقدي و توفير الأمن و الضمانات حتّى لا يطول الشك في صحة العقود و تنقضي التهديدات لإبطاله التي من شأنها أن تدخل اضطرابات خطيرة تؤدي الى تزعزع الاستقرار التعاقدي خاصة مع تطور مفهوم العقد، و تحوله من مجرد تبادل للرضا الى الية للتبادل الاقتصاد.

 

عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية