الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

التجاوز الى ارض الغير


التجاوز إلى أرض الغير في الملكية المستقلة

ينص الفصل 18 من مجلة الحقوق العينية على أن: "ملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها إلا ما استثناه القانون أو الاتفاق". وهذه القاعدة توحي بأهمية الأرض التي تعتبر الأصل المتبوع في حين يعتبر ما فوقها تابعا، وفي هذا السياق تندرج كذلك القاعدة الواردة بالفصل 27 التي تكرس التحاق التابع بالمتبوع واصفة الالتصاق كما يلي:"ما أضيف إلى عقار أو منقول واتصل به كان ملكا لصاحب الأصل بطريق الالتصاق" على أن هذا المبدأ القانوني لا يمكن أخذه على إطلاقه نظرا لتنصيص المشرع التونسي على التزام عام يقضي بعدم الإضرار بالغير.

ال9فصل الأول: الإضرار بالمباني المجاورة:


يخول حق الملكية لصاحبه استعمال ملكيته بحرية، إلا أن هذه الحرية لا تعدو أن تكون نسبية، نظرا لتنصيص المشرع على إلتزام عام ينص على وجوبية عدم الإضرار بالغير والمس به، سواء تعلق هذا الضرر به شخصيا أو حتى بماله فأهمية البناءات المجاورة وأحجامها تعتبر من أهم مصادر الضرر التي تلحق الجار، بمناسبة التشييد المحاذي لملكه، إذ تتعدد هذه الأضرار وتتنوع لتشمل بالإضافة إلى الاضطرابات، التي يمكن أن يتسبب فيها البناء المحاذي والتي تضر بمبنى الجار وحسن استعماله مختلف الأضرار المادية الأخرى التي يقرها الفقه استنادا إلى فقه القضاء. إلا أن الإضرار بالمباني المجاورة لا يقف عند مختلف هذه الصور بما أن المشرع جعل من التجاوز أثناء البناء (فقرة أولى) والكشف عن ملك الجار (فقرة ثانية). صور أخرى من الأضرار المعتبرة.

الفقرة الأولى: التجاوز أثناء البناء:

يعتبر تجاوز الحدود الموضوعية لحق الملكية أثناء التشييد من الحالات الشائعة، فقد يتعدى الباني بمناسبة إقامة بناء بأ{ضه على ملكه حدود ملكيته لتشمل ملكية مجاورة، وطبعا تختلف هذه الوضعية قانونا عن تلك المتعلقة بالتشييد الكلي على أرض الغير والتي وقع تنظيمها بالفصل 36 من مجلة الحقوق العينية، ويعد التجاوز أثناء البناء من قبيل التعدي على حق الملكية، التي خصها المشرع التونسي بحماية خاصة مكرسة دستورا وقانونا إلا ن هذا التعدي على حق الملكية لا يمكن أن يرتقي إلى البناء المخالف، والذي يترتب عليه التصريح بالإزالة إلا إذا كان التجاوز عن سوء نية (ب) وفي جزء غير يسير (أ).

أ- التجاوز في جزء غير يسير:

ينص الفصل 37 من مجلة الحقوق العينية على ما يلي: "إذا أحدث مالك بناءات أو منشآت بأرضه وتجاوز عن حسن نية إلى جزء يسير بأرض ملاصقة، فللمحكمة أن تملكه بهذا الجزء مقابل قيمة عادلة" يشترط الفصل 37 م.ح.ع في التجاوز إلى الأرض الملاصقة أن يتم بجزء يسير، ويخضع تحديد الجزء اليسير إلى السلطة التقديرية، لقضاة الأصل نظرا لنسبية هذا المفهوم إذ يختلف هذا المقدار من وقائع قضية إلى أخرى، تبعا لخصائصها وملابساتها، وعموما يستند فقه القضاء في تقدير التجاوز بجزء يسير إلى بعض المعايير الموضوعية، كحجم البناء أو المساحة الجملية للأرض الواقع التشييد بحدودها. ويبقى للشارح صعوبة أخرى تتمثل في تدقيق معنى عبارة "يسير" التي تؤكد في جوهرها أن الصورة الواردة بالفصل 37 المذكورة، تختلف عن الصور الثلاث الواردة بالفصل 36، فعلى عكس ما يحدث في هذه الصور الثلاث، فإن البناء يتم أساسا. فوق أرض المحدث ومن قبله وعلى ملكه وبصفة فرعية يقع التجاوز به إلى أرض الجار الملاصقة، وطبعا للقاضي السلطة التقديرية الكاملة للتثبت من الصور المقصودة بالفصل 37 م.ح.ع وذلك بالاعتماد حسب الحالات على طبيعة البناء وعلى مساحة العقارين وعلى العادات السائدة بالمنطقة.

وفي إحصاء للحالات التي نظر فيها فقه القضاء التونسي في هذا المجال، لاحظ الأستاذ "محمد سعيد" أن مساحة "الجزء اليسير" المعتبر تتغير حسب الملابسات الواقعية لكل نزاع بين: 25 صم/75 صم/ 1متر واحد.

على أن المشرع التونسي عند صياغته لأحكام الفصل 37 م.ح.ع لم يبين صراحة أن الأرض الملاصقة تنحصر في أرض الخواص دون الأراضي التابعة للملك العمومي، وإن ذلك يعود بالأساس إلى النظام الحمائي الذي يتمتع به الملك العمومي ويعود إلى الإجراءات المعقدة، إلى تخرج بمقتضاها أملاك الدولة إلى ملكية الخواص. صحيح أن الصياغة المطلقة للنص تستوجب عدم التخصيص، لكن هذا في صورة عدم وجود نص خاص إذ يكفي الرجوع إلى مقتضيات الفصل 84 من مجلة التهيئة الترابية والتعمير للجزم وقطع الشك باليقين إذ ينص الفصل المذكور والذي يعتبر من النصوص الآمرة على وجوب اتخاذ قرار في الهدم وتنفيذه بدون أجل مع الاستعانة بالقوة العامة عند الاقتضاء وذلك في حالة إقامة بناية على المساحات اللازمة لإنجاز الطرقات أو مختلف الشبكات أو المساحات العمومية أو المساحات الخضراء.

ب- البناء عن سوء نية:

يضع الفصل 37 م.ح.ع فرضا وحلا، ويتمثل الفرض في تحقق حالة مادية معينة ويتمثل الحل في حق طلب التمليك للمصلحة الخاصة، وأما الفرض فيعني توفر نوعين من الشروط: شروط تتعلق بالمالك وشروط تتعلق بالإحداثات. ويعني الفرض قيام مالك أرض ملاصقة لأرض أحد الأجوار بالبناء فوق أرضه، ثم يتجاوز حدوده إلى عقار جاره بجزء يسير ويجب أن يتم هذا التجاوز عن "حسن نية" من قبل المالك المحدث للبناء ويعني ذلك أن يكون جاهلا لحدود ملكيته وأن يظن غلطا أنه بصدد البناء داخل تلك الحدود لا خارجها، ويتضح من ها التعريف أن تقدير "حسن النية" من سوئها أمر واقعي موكول لمحض السلطة التقديرية لقضاة الأصل، على أنه يجب التذكير بقاعدتين أساسيتين في هذا المجال:

* إن مبدأ "حسن النية" مفترض وعلى من يدعي العكس إثباته.

* إن العبرة في تقدير "حسن النية" يرجع إلى تاريخ القيام بالبناء.

وعموما يعد اشتراط حسن النية متلائما مع ضرورة التجاوز بقدر يسير وهو شرط يعكس قداسة حق الملكية وحماية المشرع لها من كل إعتداء، فكل تجاوز عن سوء نية لحدود ملكية الجار أثناء التشييد يكون حتما بناء مخالفا، وإذا كان يقصد "حسن النية" جهل المالك لحدود ملكيته، أثناء عملية التشييد ظنا منه بأنه بصدد البناء داخلها، فإنه يمكن لحسن النية أن تتجسد في عدة مظاهر يستشفها القاضي من خصوصية وقائع كل قضية على حدة إعتمادا على سلطته التقديرية من ذلك مثلا : ثبوت حسن نية الطاعن من مجرد سكوت المعقب ضده طيلة مدة البناء أو في مقام آخر إعتبار صاحب البناء سيء النية، يكون دائما مفترض وعلى من يدعي خلاف هذا المبدأ أن يثبته، نظرا وأن قرينة حسن النية هي قرينة قانونية بسيطة يمكن دحضها بسهولة. كما أنه من جهة أخرى يقع الاعتداد بهذه الصفة عند زمن القيام بالتجاوز إلى أرض الغير إذا العلم الحاصل للمحدث لهذا التجاوز بعد تلك الفترة لا يؤثر حتما في حسن نيته، فالمحدث الذي يقع التنبيه عليه رسميا من المالك، بموجب محضر رسمي عن طريق عدل التنفيذ قبل أو وقت الشروع في البناء يفقد المحدث حسن نيته، وبصفة عامة تقوم محكمة التعقيب بدور المراقب لتعليل قضاة الأصل، خصوصا في تقديرهم مدى وجود هذا العنصر (حسن النية) من عدمه.

الفقرة الثانية: الكشف على ملك الجار:

لقد حجر المشرع التونسي الكشف على ملك الجار تكريسا لمبدأ الحق في الرفاه إضافة إلى تشكيله، جريمة الإعتداء على الحياة الخاصة للأفراد، وتدل كلمة الكشف بصفة عامة على أي فتحة محدثة بالبناء قصد الإنارة أو التهوئة أو حتى مجرد النظر إلى الخارج. فإذا ما خصصت الفتحة للأغراض الثلاثة سميت مطلا كالنوافذ والشرفات، أما إذا ما اقتصرت الفتحة على الإضاءة فحسب فإنها تعتبر منوّرا. ونظرا لتفاوت مدى تأثير كل صنف من أصناف الكشف على راحة الجار، فقد أفرد المشرع التونسي إحداث المطلاّت (أ) والمناور (ب) بقيود خاصة، ينجر عن مخالفتها وصف البناء بالمخالف، لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الأحكام المتعلقة بتقييد المسافات تنطبق في غياب تواجد تراتيب عمرانية تنظم المسألة إستنادا إلى ما جاء بالفصل 175 م ح ع من أن البناء داخل المناطق البلدية تنظمه القوانين الخاصة بذلك.

أ- تقييد إحداث المطلاّت:

بالرجوع إلى أحكام الفصل 174 م ح ع قيد المشرع بمقتضاها إحداث المطلاّت التي تمكّن من النظر والإطلال إلى العقار المجاور بشروط تختلف بحسب نوعها. فإذا كان المطل مستقيما أو مواجها بحيث يمكن النظر منه إلى ملك الجار مباشرة دون حاجة للإلتفات، فيتوجب فتحه على مسافة مترين بين الحائط الذي يحدث فيه ما ذكر وبين أرض الجار. أما إذا كان المطل منحرفا بحيث لا يمكن الإطلال منه على أرض الجار إلا بواسطة الإنحناء إلى الخارج أو عن طريق الإنحراف أو الإلتفات، فإن المسافة الواجب إحترامها تقتصر على نصف متر فقط، وتحسب هذه المسافة ابتداءا من ظاهر الخط الخارجي إلى الخط الفاصل بين العقارين، إذا كان المطل نافذة، وابتداءا من الخط الخارجي إلى الخط الفاصل بين العقارين إذا كان المطلّ شرفة أو غيرها من النتوءات.

وينطبق تقييد إحداث المطلاّت على العقار المسكون وعلى العقار غير المسكون وعلى العقار المسيّج وعلى العقار المبني وغير المبني ودون لزوم الكشف من عدمه، فبمجرد مخالفة الباني للمسافة القانونية يترتب عليه أصلا عدم شرعية المطل وهو ما ذهب إليه فقه القضاء مشيرا إلى أن عبارة لا يجوز الواردة بالفصل 174 م ح ع تفيد المنع وإزالة الفعل الممنوع دون النظر إلى كونه أحدث ضررا من عدمه. ويتعارض هذا الموقف مع ما جاء به القرار التعقيبي المدني الذي لم يكتفي بعدم إحترام التراتيب البلدية فقط بل إشترط زيادة على ذلك إثبات الكشف على الملك المجاور، إذ بانتفاء هذا الشرط تنتفي المصلحة الضرورية لكل قيام.

ويرى الفقه أن بعض المطلاّت، كالأبواب ومداخل العقارات، خاصة إذا لم يكن بها زجاج أو فتحات، لا تخضع لتقييد المسافة وذلك بسبب طبيعتها المتمثلة في الدخول إلى العقار والخروج منه، ويأخذ المشرع التونسي صلب الفصل 174 م ح ع بنفس هذا التوجه بما أنه أعفى المطلات التي لا تكشف من العقار المجاور إلا حيطانا مسدودة أو سطوه أو تلك التي تفتح على الطريق العام من الخضوع إلى قيود المسافة القانونية.

ب- تقييد إحداث المناور:

قيد المشرع التونسي إحداث المناور بإحترام شرط إرتفاعه بالنسبة لسطح البناء المحدث به، تجنّبا للكشف على ملك الجار، ولم يشترط الفصل 173 م ح ع قيودا إضافية إذ يمكن للمالك إحداث مناور حتى بحائطه الملصق مباشرة لملك جاره، فإذا كان الحائط الفاصل مشتركا، وجب على الجار الذي يريد إحداث المنور أو أية فتحة أخرى الاسترخاص كتابيا من جاره. يقتصر هنا المنور على الإضاءة فحسب، مما يستتج منه وجوب تجهيز فتحته بزجاج ثابت لا يفتح منعا للتهوئة أو إمكانية الإطلال على الملك المجاور، ويختلف شرط الارتفاع بحسب ما إذا كان المنور محدثا بطابق سفلي أو بطابق علوي.

في الحالة الأولى، حصر المشرع قيد الارتفاع بمترين ونصف من أرض البيت المراد إضاءته، أما بالنسبة للحالة الثانية فوقع تحديده بمترين فقط من سطح الطابق العلوي.

وعلى هذا الأساس، يكون عدم احترام هذه القيود مخالفة لشرعية البناء وذلك في غياب تراتيب عمرانية منظمة المسألة. حتى في صورة ترخيصها من طرف البلدية إذ يقر فقه القضاء في هذا المجال بأن لا علاقة لرخص البناء بالشغب الذي يحدثه الباني لجاره لا يمكنه التعلل والإحتجاج على غيره بتلك الرخصة التي لم تأخذ بعين الاعتبار النظام القانوني للكشف.

الفصل الثاني: الأطراف المعنية بتحديد التجاوز:

إلى جانب السلطات الإدارية المتعددة والمنصوص عليها صلب الفصل 88 م ت ت ت والتي تضطلع بمهمة أساسية في تحديد البناء المخالف للمصلحة العامة يقر المشرع التونسي إلى جانب هؤلاء الخواص أيضا هذا الحق، باعتباره من مقومات الدعوى التي تمكن كل متضرر من بناء مخالف من قبول دعواه شكلا، ويتمثل المعيار الأساسي والذي على أساسه يحق للأشخاص، تحديد البناء المخالف في صفة المتضرر نفسه والذي يعتمد للغرض على أسس معينة.

الفقرة الأولى: تحديد الأشخاص المتضررين:

يمكن تحديد الأشخاص المتضررين من البناء المخالف في شخصين رئيسيين وهما: الغير (ب) والمتعاقد (أ).

أ- المتعاقد:

يحق لكل متعاقد مع باعث عقاري أو مقاول أو مهندس معماريّ أن يثير مخالفة البناء المسلم إليه، إذ تكمن العبرة في حق تحديد البناء المخالف في صفة المتعاقد مع الأشخاص السابق ذكرهم نظرا لاعتباره دائنا لهم بحسن إنجاز البناء وسلامته وشرعيته. وعادة ما يكون هذا المتعاقد هو مالك البناء أو صاحب المنشأة، كما هو متداول عليه فقهيا، فهذا الأخير يمكن أن يكون شخصا طبيعيا أو ذاتا معنوية، كما يمكن أيضا لصاحب المنشأة تفويض هذه المهمة إلى نائبه بمقتضى نيابة، فيبح النائب بمقتضى تلك النيابة الحق في تحديد البناء المخالف (البناء المتجاوز حدوده الموضوعية)، كما تمكن أيضا مؤسسة الاشتراط لمصلحة الغير إكساب حق تحديد ملامح البناء المخالف لفائدة شخص معين، بدون أن يكون طرفا في العلاقة التعاقدية، الرابطة بين صاحب المنشأة من جهة والباعث العقاري أو المقاول أو المهندس المعماري من جهة أخرى وذلك بصريح أحكام الفصل 241 م إ ع الناصة على أنّ: "الالتزامات لا تجري أحكامها على المتعاقدين فقط بل تجري أيضا على ورثتهم وعلى من ترتب له حق منهم ما لم يصرح بخلاف ذلك أو ينتج من طبيعة الالتزام بمقتضى العقد". لذا يحق لكل من الخلف العام والخلف الخاص أن يحلوا محل سلفهم في تحديد البناء المخالف.

ب- الغير:

يقصد بالغير كل شخص أجنبي عن العلاقة التعاقدية الرابطة بين صاحب البناء من جهة والمهندس المعماري أو مقاول البناء من جهة أخرى والذي لم يكن ممثل فيها أو انجر له حق من أحد أطرافها أو لم يكن وارثا.

وعادة ما يكون هذا الغير المتضرر من البناء المخالف هو (الجار) إذ يبرز فقه قضاء المحكمة الإدارية مبدأ إجرائيا هما، ينص على أن صفة الجار تعطي للغير الحق والمصلحة في القيام للاعتراض على شرعية البناء المجاور خاصة فيما يتعلق بإسناد رخص البناء.

وتقترن صفة الجوار بالمسافة الفاصلة بين عقاري الباني والجار المفترض غير أن "فقه القضاء الفرنسي" يرى أن هذه المسافة غير مضبوطة وهي تختلف من حالة على أخرى بحسب الوضعيات ونسبة الضرر الملحقة بعقار الغير، من ذلك مثلا أن مسافة 100 متر الفاصلة بين عقار الباني وعقار المدعي (زاعم المضرة) لا تكسبه المصلحة في القيام للاعتراض على شرعية البناء، بينما يكون القاطن على بعد 800 متر من مكان إنشاء المركب التجاري مصلحة في القيام.

كما تمثل السلطات الإدارية غيرا بالنظر إلى المدلول لهذه المفردة السابق بيانها، بالرغم من فقدانها لمصالح خاصة إذ تضطلع بالأساس هذه الهياكل بمهمة حماية المصلحة العامة وخاصة بحماية ومراقبة قواعد التعمير.


قد وقع تعزيز هذه السلطات الإدارية ذات الإختصاص العام بسلطات أخرى محدودة الاختصاص نظرا لاقتصار مهامها على تحديد البناء المخالف، ذي العلاقة اختصاصاتها الأصلية، وتتمثل أهم هذه السلطات التي أولاها المشرع التونسي بمقتضى قوانين خاصة، مهمة تقصي وتحديد موقع البناء المخالف في مهندسي وزارة الفلاحة وأعوان التفقد المختصين في التراث والتابعين للإدارة المكلفة بالتراث وأعوان السلطات الأثرية المناط بعهدتهم صيانة الآثار والمحافظة عليها والأعوان التابعين للإدارة المكلفة بحماية الملك العمومي للطرقات والأعوان التابعين لإدارة السكك الحديدة والخبراء المراقبين التابعين للوكالة الوطنية لحماية البيئة إضافة إلى أعوان وزارة البيئة بذاتها.

وحرصا من المشرع التونسي على توفير أدنى الضمانات القانونية المستوجبة في هؤلاء الأعوان، اشترط فيهم أن يكونوا محلفين ومؤهلين للغرض. إلا أن قلة العنصر البشري المؤهل للقيام بهذه المهمة، جعل بعض الوزارات تلجأ بمقتضى مناشيرها إلى حث أعوانها غير المحلفين أن يتولوا بدورهم إشعار رؤسائهم بالمخالفات في مادة البناء والتي يتسنى لهم معاينتها بكثب تحقيقا لنجاعة المراقبة.

الفقرة الثانية: أسس تحديد هذا التجاوز:

تختلف الأسس التي يتمّ بمقتضاها تحديد شرعيّة البناء من عدمه، باختلاف صفة المتضرّر:

أ- الأسس الخاصة بصاحب البناء:

بالرجوع إلى مصدر عدم شرعية البناء والمتمثلة بالأساس في أحد العيوب التي تصيب البناء أو في مخالفته للقواعد المنظمة للبناء يمكن لصاحب المنشأة أن يستعين بالأمثلة الهندسية (1) وبرخصة البناء (2) لغاية تحديد علم شرعية بنائه.

1. الأمثلة الهندسية:

تبرز الأمثلة الهندسية وتصاميم المنشأة المصاحبة لرخص البناء عديد المعطيات الهامة مثلا: فهي تبين موقع تركيز البناء وحجمه وأبعاده وحدوده وكل البيانات اللازمة والتي من شأنها أن تسمح بالحكم على المظهر الخارجي للمبنى. كما تبرز الأمثلة الهندسية الهيكل الحامل لمعلومات تتعلق بمدى صحة الأسس وصلابة الأعمدة الحاملة للأسقف والرابطة بين الجدران بحيث يكون من اليسير على أصحاب الخبرة في أمور البناء الكشف عن الأخطاء المتسببة في الإضرار بالبناء من مجرد الإطلاع على هذه الأمثلة الهندسية ومقارنتها بما يجب أن يكون عليه.

إلا أن الأضرار التي يمكن أن تتعرض لها المباني لا تنجر فقط عن الأخطاء الواردة على الأمثلة الهندسية بل وأيضا عن عدم مطابقة عملية تنفيذ البناء مع هذه الأخيرة. من ذلك مثلا عدم التقيد بكميات الاسمنت المنصوص عليها أو عدم استعمال مواصفات الحديد اللازم.

ويمكن لصاحب المنشـأة الاستعانة بمراقب فني بوصفه من أصحاب الخبرة للكشف عن موطن الضرر اللاحق بالمبنى، هذا المراقب الذي يقوم بدراسة جميع الوثائق عن كثب والأمثلة والرسوم الخاصة بالمنشأة وبالتثبت من مدى مطابقة الحسابات لقواعد تصميم المنشآت وتنفيذها وبمعاينة كل ما أمكن له معاينته ميدانيا، بحيث يمكن لصاحب المنشأة من التعرف على موطن الخلل والعيوب وكل ما هو غير مطابق للقواعد الفنية السليمة للبناء.


2. رخصة البناء:

يعتبر إسناد رخصة البناء قرينة على استجابة مشروع البناء المزمع انجازه لمقتضيات قواعد التعمير وخاصة تلك المتعلقة بتنظيم البناء فيما يخص كثافته وإرتفاعه والمسافات الواجب تركها بين مباني الأجوار والتصفيف الواجب احترامه في صورة المحاذاة مع الملك العمومي، لذلك يسهل على صاحب المنشأة أن يعاين بنفسه أو عن طريق أهل الخبرة المؤهلين للغرض تحديد المخالفات المتعلقة ببنائه بمجرد المقارنة مع مقتضيات الترخيص.

ب- الأسس الخاصة بالغير:

تتبع السلطات الإدارية نظاما إجرائيا معينا لتحديد البناء المخالف (1) بينما يستفيد كل شخص بالتزام قانوني عام يقضي بعدم الإضرار به (2).

1. النظام الإجرائي المتبع من طرف السلطات الإدارية:

يتضمن هذا النظام الإجرائي المتبع من طرف السلطات الإدارية على مرحلة أساسية تتمثل في معاينة البناء وترمي هذه المعاينة إلى التثبت من مدى شرعية البناء والتقسيم ومطابقتهما للقواعد والتراتيب المتعلقة بالبناء الراجعة إلى المصلحة العامة الجاري بها العمل إلا أن هذه المعاينة الواجب اتباعها لم يقع ضبط نظام خاص بها، فيما يتعلق بالإجراءات الواجب اتباعها، كالإعلام المسبق لصاحب البناء بالمعاينة أو الأعوان الذين سيقومون بها أو الدخول إلى البناية بحضور صاحبها من عدمه... حيث اقتصر الفصل 73 م ت ت ت على بيان أن عملية المعاينة تتم بطلب من الباني نفسه أو بمبادرة من البلدية أو الولاية أو المصالح المكلفة بالتعمير وتشفع بمحضر في انتهاء الأشغال على الوجه المطلوب من عدمه.

وتفترض هذه المعاينة إلى جانب التثبت من مدى مطابقة الأشغال للأمثلة المصاحبة لرخصة البناء أو لكراس الشروط الخاص بالتقسيم، المراقبة المستمرة للحضائر وذلك من خلال الزيارات الميدانية والدوريات المنتظمة والمتواصلة من طرف الأعوان المكلفين بهذه المهمة إذ ينص النظام الأساسي الخاص بأعوان سلك مراقبي التراتيب البلدية.. على إمكانية دعوتهم لمباشرة وظائفهم بالليل أو بالنهار وخارج أوقات العمل العاديّة وذلك حسب ضروريات ومقتضيات العمل مجابهة لبعض التجاوزات التي ترتكب في الأوقات المذكورة آنفا.

وتسهيلا لمهام السلطات الإدارية المكلفة بمراقبة أشغال البناء خاصة من وجبية احترام حرمة المسكن والمسافات القانونية الواجب احترامها، في هذا الإطار نص المشرع التونسي بالفصل 72 م ت ت ت على تولي كل متحصل على رخصة بناء تعليق لوحة بمدخل الحضيرة، تبرز عدد الرخصة وتاريخ تسليمها مع التنصيص على الجماعة المحلية التي سلمتها، مثل هذا الإجراء من شأنه أن يساعد بقسط كبير على تأكد السلطات المكلفة بالمراقبة من أن الأشغال مرخص في شأنها.

ونظرا لأهمية دور المعاينة، تأكد السلطات المركزية على وجوب مباشرة المعاينة حال شروع المخالف في الأشغال حتى تكتسي الصبغة الوقائية المنشودة وتجنبه الأضرار المادية والمعنوية التي تلحق بالمخالف وبالمجموعة الوطنية. وعموما تؤول عملية المعاينة إلى وضعيتين رئيسيتين وهما:

* شرعية البناء:

ينتج عن شرعية البناء تسليم الباني لمحضر معاينة تطابق أشغال في ظرف شهرين من تاريخ إيداع مطلب في الغرض أو من تاريخ إجراء المعاينة وفق المقتضيات الفصل 73 م ت ت ت، وفي نفس التوجه أوجب القانون على الباعث العقاري قبل تسليم العقار الموعود بالبيع تبليغ المشتري نسخة من محضر إنتهاء الأشغال على أن الفقه يرى أن محضر مطابقة الأشغال يتمتع بحجية نسبية لا تتعدى علاقة صاحب البناء بالسلطات التي سلمتها إذ لا يمكن لمقاولي البناء أو المهندسين المعماريين الاحتجاج بمحضر ومطابقة الأشغال على صاحب البناء للتفصي من مسؤولياتهم خصوصا إذا ما تم الإضرار بعقار الجار ويبقى لهذا الأخير زاعم المضرة الحق في مطالبتهم بجبر الضرر الحاصل لبنايته.

* عدم شرعية البناء:

هذه الوضعية العقارية تتضمن صورتين: صورة البناء بدون رخصة وصورة البناء خلافا لمقتضيات رخصة البناء: وفي كلتا الحالتين المتقدمتين يجب تحرير محضر معاينة في الغرض يتضمن كل المعلومات والتفاصيل التي تبين أن البناء المعني بالأمر غير شرعي.. فيقع التنصيص على هوية مرتكبي المخالفة بكل دقة وتحديد دورهم في الأشغال المخالفة، هذا وبالإضافة لذلك يقع ذكر كل البيانات والإيضاحات حول نوعية البناية والمرحلة التي وصلت إليها الأشغال المخالفة والتراتيب التشريعية الجاري بها العمل والتي تحدد نوع المخالفة التي تم ضبطها والتي وقع خرقها أثناء إجراء الأشغال. وفي هذا السياق نصت أحكام مجلة التهيئة الترابية والتعمير المخالفات المتعلقة بالبناء والمتمثلة بالأساس في: عدم إحترام المسافات القانونية الواجب اتباعها بين عقارين مختلفين، البناء بدون رخصة، البناء على خلاف مقتضيات رخصة البناء وعدم التقيد بالارتفاقات المتعلقة بالمصلحة العامة... ويجب أن يبين محضر المعاينة التاريخ الذي تمت فيه المخالفة المضبوطة، إمضاء عون التراتيب المؤهل والمكلف بذلك والمحلّف للغرض واقتراحه فيما يتعين باتخاذه الإجراءات والتدابير اللازمة لإزالة المخالفة وردع صاحبها.

2. الإلتزام بعدم الإضرار بالغير:

يتمثل هذا الإضرار بالأساس في كل ضرر مادي، يمكن أن يصيب عقار الغير المجاور من جراء أي بناء مخالف، ويعرف الفقه الضرر المادي بالخسائر المتكبدة وبفوات الكسب استنادا إلى مقتضيات الفصل 278 من م.ا.ع الناصة على : "الخسارة هي عبارة عن نقص في الأموال وفوات في الربح".. وهذه الخسائر تلحق بالذمة المالية للشخص المتضرر في عقاره، وعلى سبيل الذكر لا الحصر تتمثل الخسائر الممكن وقوعها لعقار الجار في: تصدع الجدران وتشققها والمساس بمتانة الأسس والهياكل والسقوف المتسببة فيها ضخامة وحجم الأشغال المحاذية. كما يمكن أن تشمل هذه الأضرار بالإضافة إلى ما سبق ذكره كل الإضطرابات المتعلقة بحسن استعمال البناء وباستغلاله على الوجه الكامل بما أنها تنقص من قيمته نقصا محسوسا، كالتنقيص من الإضاءة أو الحرمان من التمتع بمنظر طبيعي جميل وحجبه بسبب تعدي البناء المخالف مستوى الارتفاع المسموح به واقعا وقانونا...

وبناء عليه: يشترط في الأضرار الحاصلة لعقار الغير (الجار) من جراء أي بناء مخالف أن تكون محققة الوقوع أي بلغة أخرى واقعة فعلا كما يمكن أن تكون هذه الأضرار مستقبلية أي لم تقع بعد لكنها محققة الوقوع آجلا. هذا بالإضافة إلى أنه يشترط في الضرر أيضا أن يكون مباشرا. أي أن يكون شخصيا، متعلقا بصاحب المنشأة وهي صفة تتعلق بمن له حق القيام قانونا، هذا بالإضافة إلى ضرورة توفر ركن السببية المتمثل في وقوع الضرر الحاصل لعقار الغير من جراء البناء المخالف، كما يتعين على الغير الذي له صفة القيام في تحديد البناء المخالف أن تكون له كذلك إلى جانب الصفة المصلحة المشروعة غير مخالف في ذلك للنظام العام وللأخلاق الحميدة وإلا فلن تقبل دعواه قانونا في التعويض عن الأضرار اللاحقة بعقاره.

الباب الثاني:

التجاوز إلى أرض الغير في الملكية المشتركة:

إذا صدر من أحد الشركاء، تصرف مادي في جزء مفرز من العقار الشائع، ولم يقع هذا الجزء بالقسمة في نصيب الشريك المحدث، بل وقع في نصيب شريك آخر، فلا يحتج على الشريك المقاسم، الذي خرج له هذا النصيب بما كان قد أحدثه الشريك الآخر أثناء الشيوع وقبل إجراء القسمة على العقار الشائع.

وفي هذا السياق نصت الفقرة الأولى من الفصل 62 من مجلة الحقوق العينية على أنه: "...إن لم تقع المحدثات في مناب من أحدثها خير الشريك غير المحدث بين إلزام شريكه المحدث بإزالة ما أحدثه على نفقة هذا الأخير مع غرم الضرر إذا اقتضى الحال وبين أداء ثمن المواد وأجرة اليد العاملة بدون التفات إلى ما قد يحصل من الزيادة في قيمة الرقبة بسبب تلك الإحداثات".



الفصل الأول: حق طلب الإزالة:

مكن المشرع التونسي المتقاسم الذي آل إليه منابه مثقلا بإحداثات أقامها شريكه، أثناء الشيوع، من حق طلب إزالتها، وهو حق مطلق بقطع النظر عن قيمة الإحداثات، وهذا الأمر يدعونا بإلحاح إلى النظر في مسألة أساس هذا الحق (فقرة أولى) ومجاله (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: أساس حق طلب الإزالة:

يبرّر حق طلب الإزالة باعتبار وأن البناء قد تم فوق أرض المتقاسم المحدث، وتجاوز به (أي بتلك المحدثات) إلى أرض المتقاسم غير المحدث. فالأثر الكاشف والأثر الرجعي للقسمة، يجعلان الجزء المقام عليه البناء والذي خرج في مناب المتقاسم، غير المحدث، ملكا لهذا الأخير ملكية فردية منذ بدء الشيوع، كما يعتبر الشريك المحدث، غير المالك لذلك المناب وأنه قام بتلك الإحداثات على عقار على ملك الغير، فتنطبق عليه في هذه الصورة قواعد الالتصاق. وهو نفس التوجه الذي اعتمده الفقه الفرنسي معتبرا أنه: "إذا وقعت الإحداثات في مناب شريك آخر غير المحدث، فيجب اعتبار أن المحدث لم يكن أبدا مالكا لذلك الجزء الواقع عليه البناء، وأنه أقام تلك الإحداثات على أرض الغير.

وهذه الصورة تشابه صورة البناء على أرض الغير بحيث يكون من حق المتقاسم الواقع في منابه المحدثات (البناء) إما طلب الإزالة أو الإبقاء على المحدثات مع أداء ثمن المواد وأجرة اليد العاملة. ومرد ذلك أن الأثر الرجعي للقسمة يعتبر المتقاسم غير المحدث، مالكا للحصة التي آلت إليه منذ أول الشيوع وأنه لم يملك غيرها في بقية الحصص والغاية من ذلك هي حماية المتقاسم من الحقوق التي قررها غيره من الشركاء على العين الشائعة أثناء الشيوع، هذا بالإضافة على أن الأثر الكاشف للقسمة، يكشف عن ملكية، شابها غموض ويكفل للمالك مباشرة سلطاته حسب ما نص عليه الفصل 17 م.ح.ع على المال الذي وقع في نصيبه على نحو مطلق وذلك بعد أن زالت القيود التي كانت تحد منها، فيترتب على ذلك أن التصرفات التي أبرمها أحد الشركاء الآخرين أثناء الشيوع على الجزء المفرز الذي وقع في منابه، تكون صادرة عن غير المالك ولا تنفذ واقعيا في حق هذا الشريك.

بحيث يمكن القول بأن الأثر الرجعي للقسمة، يكمل الأثر الكاشف لها في تحقيق حماية لكل شريك من التصرفات المادية والتحملات التي وظفها شريكه على جزء مفروض المشترك قبل القسمة إذ لو أسند ذلك الجزء بعد القسمة إلى من تصرف فيه آل الأثر الكاشف للقسمة إلى الإقرار بصحة ذلك التصرف كما أن ذات الأثر، يبرر باعتبار التصرف في الجزء المفرز، صادر عن غير مالك رغم أن الملكية مشاعة، حينما تقع القسمة لذلك الجزء في مناب شريك آخر غير المحدث وقد أقرت محكمة التعقيب في هذا الصدد أن المناب لا ينتقل إلى هذا الأخير محملا بتصرفات شريكه ولا يجوز مواجهته بها، فلا يمكن أن يكون الأثر الرجعي للقسمة وسيلة للإضرار بالمقسوم له، في الجزء الذي آل إليه نصيبه بعد عملية القسمة للعقار المشترك، وذلك بإلزام أحد الشركاء أثناء الشيوع في العقار المشترك قبل القسمة في الوقت الذي لم يقرر قانونا الأُثر الرجعي إلا لمصلحته. ومن جهة أخرى، يعد خيار الهدم تطبيقا للأثر الرجعي للقسمة، لأن المحدث عومل معاملة شبيهة بمعاملة الباني سيء النية على أرض الغير عملا بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 36 من م.ح.ع ذلك لأنه أقام إحداثات في المشترك وتجاوز بها إلى مناب شركائه دون رضائهم ووقعت تلك الإحداثات في نصيب شريك آخر بعد القسمة ولكن من ناحية أخرى يعد خيار دفع ثمن المواد وأجرة اليد العاملة، تنازلا في لأثر الرجعي وهو ما يدل على أن هذا الأثر يهم مصلحة الشريك، بحمايته من تصرفات غيره من الشركاء وبالتالي فهو مبدأ يهم مصلحة الشركاء ولا يهم النظام العام، وعلى هذا الأساس ينبني حق المتقاسم التي وقع في منابه الإحداثات في طلب إزالتها من قبل محدثها، وهو حق مطلق، حتى وإن كانت هذه الإحداثات تمثل تحسينات تخدم مصلحة عقاره ولا تلحق به أي ضرر. ولا يمكن بالتالي للمحكمة أن ترفض خيار المتقاسم، إذا طلب الإزالة، بل عليها قبوله حتى لا يكون حكمها عرضة للنقض. فقد لا يكون في مقدرة المالك ماديات الإبقاء على تلك الإحداثات نظرا لارتفاع تكاليفها. وتكون حينئذ إزالة الإحداثات على نفقة الشريك المحدث، باعتباره هو الذي أقامها دون إجماع بقية الشركاء ولا يكون الشريك الذي وقع في منابه تلك الإحداثات مطالبا بأي تعويضات مادية مقابل طلب إزالتها، بل له أن يطالب المحدث بالتعويض المادي إن حصل ضرر للعقار من جراء إزالة الإحداثات، كان تصبح الأرض غير صالحة للزراعة.ويمكن القول استنادا على ما سبق بسطه، أن حق طلب الإزالة المخول للمتقاسم الواقع في منابه الإحداثات هو بمثابة المسلط على المحدث لأنه خرق النظام القانوني المنظم للتصرف المادي في المشترك متجاهلا بذلك حقوق بقية الشركاء في المشترك عند خرقه لقاعدة الإجماع من هنا عامله المشرع معاملة الباني على أرض الغير سيء النية وأخضعه لنفس الجزاء المسلط قانونا على هذا الأخير تطبيقا لمقتضيات الفصل 36 الفقرتين الأولى والثانية من م.ح.ع.

من هنا يعتبر الشريك المحدث باني على أرض الغير لأن الجزاء الذي أقام عليه البناءات الواقعة في مناب شريك آخر بعد القسمة، يصبح ملكا خاصا بذلك المتقاسم منذ بدء الشيوع ويعتبر كذلك سيء النية لأنه يعلم مسبقا، أن العقار مشترك بينه وبين غيره من الشركاء وأنه لا يملكه ملكية فردية وأن لغيره من الشركاء من الحقوق مثلما له تماما فإذا كان يملك منابا مشاعا في ذلك المشترك، فذلك لا يعني أن له الحرية في التصرف فيه ماديا بإقامة إحداثات عليه، خاصة وأن المشرع التونسي اشترط صراحة توفر إجماع الشركاء عند إحداث شيء بالمشترك.

فكأنما تجاهله لطبيعة حقه وحدود تصرفه في المشترك وفي المناب الذي يملكه فيه قرينة على سوء نيته مما يفترض معه إخضاع ما أقامه على المشترك إلى حرية اختيار المتقاسم، الذي وقع في منابه تلك الإحداثات حتى وإن كان ذلك الخيار يتمثل في طلب الإزالة، وقد اعتبر أحدهم أن حد طلب الإزالة لا يتأسس على نظرية الالتصاق وإنما هو نتيجة لحق ملكية المتقاسم، أي صاحب الأرض وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 18 م.ح.ع.

ومن هذا المنطلق وعلى أساس ما وقع بسطه سابقا، يقتضي حق الملكية لكل مالك وتطبيقا لأحكام الفصل 17 م.ح.ع، طلب إزالة ما وقع إحداثه في منابه/ في نصيبه بدون حق على أرضه، حتى يمكن له بصفته المالك استغلال عقاره واستعماله والتصرف فيه بحرية، ومن هنا يمكن لنا القول بأن حق طلب الإزالة هو حق مطلق للمتقاسم مما يدعونا إلى النظر في مجاله.

الفقرة الثانية: مجال حق طلب الإزالة:

إن طلب الإزالة هو حق لا يمكن إعماله إلا بعد حصول القسمة ووقوع الإحداثات في مناب شريك آخر غير المحدث. فبالرغم من كون الإحداثات قد تمت أثناء قيام الشيوع، فإن حكمه يبقى خاضعا لنتيجة القسمة بوصفها الكاشفة للحقوق وبناء على ذلك، فإن الشريك إذا ما بنى في الأرض الشائعة دون موافقة بقية الشركاء واحتجوا عليه، بنص الفقرة الأولى من الفصل 62 من م.ح.ع كان له أن يرد طلبهم بطلب القسمة، أملا في أن يقع البناء في نصيبه وكل ذلك لا يحول دون الأضرار الحاصلة بين فترة البناء وتمام القسمة.

في حين استقر فقه قضاء القانون المقارن (المصري تحديدا) على اعتبار أن إقامة الشريك لبناء على الأرض الشائعة دون موافقة سائر الشركاء الصريحة أو الضمنية، تخول للشركاء حق طلب إزالة ما بناه الشريك دون حاجة إلى انتظار نتيجة القسمة، مع إلزام الباني بالتعويض عما لحقهم من الضرر بسبب أعمال البناء، وهو حل فيه خسارة مؤكدة لمحدث البناء لم يعتمده المشرع التونسي، بل اعتمد حلا فيه أكثر مرونة، حيث جعل مآل الإحداثات، يتحدد بحسب نتيجة القسمة التي لا تخلو من حق طلب الهدم.

ومن هنا لنا أن نتساءل هل يمكن أن نعتبر الشريك المحدث حسن النية لتفادي خيار الهدم وتسحب عليه مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 36 م.ح.ع والمتعلقة بالباني حسن النية؟

لم يفرق المشرع بين الشريك المحدث حسن النية والشريك المحدث سيء النية واعتبره في كل الأحوال سيء النية، وهي قرينة قانونية مفترضة لخرقه قاعدة الإجماع فهذا الشريك المحدث يعلم بأن ما يقوم به من إحداثات هي على ملك مشترك لا يملكه بمفرده بل بمعية الباقين من الشركاء، وهو بالإضافة إلى ذلك لا يجهل قطعا أن الشيوع ماهو إلا مرحلة مؤقتة مآلها الإنقضاء بالقسمة، وأنه ليس بالضرورة سيقع الإحداث في منابه عند القسمة بل يمكن أن يقع في مناب شريك آخر غيره، فكل ذلك يؤكد حتما أن شروط حسن النية لا تتوفر فيه أي الاعتماد بأنه المالك الوحيد للعقار الذي أقام عليه الإحداثات. لذلك عامله المشرع معاملة الباني على أرض الغير سيء النية وأخضعه لنفس الجزاء القانوني بأن أعطى لصاحب الأرض المقام عليها البناء، حق طلب الإزالة ولا يمكن أن يحد من هذا الحق في طلب الهدم مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 36 م ح ع والمتعلقة بالباني حسن النية.

ومن هنا يمكن القول أن للمالك الحق في طلب الإزالة وهو حق مطلق لا يخضع للسلطة التقديرية للقاضي للبحث في سوء أو حسن النية للشريك المحدث، وبالتالي لا يمكننا أن تحمل الفصل 62م ح ع، أكثر من معناه، فتميز بين الشريك المحدث سيء النية وحسن النية في الوقت الذي لم يميز فيه المشرع، وذلك عملا بأحكام الفصل 532 م إ ع وبذلك يكون المشرع قد أقصى معيار حسن النية أو على حد تعبير المشرع "الشبهة" الذي اعتمده في الفصل 36 و37 م ح ع في ميدان الالتصاق وذلك باعتبار أن الأمر لا يتعلق بالبناء، فوق أرض الغير وإنما بالبناء على أرض مشتركة.

وبإقرار المشرع لهذا الحل، فقد اعتبر الشريك الباني على الأرض المشتركة بمثابة الغاصب بإحداثه البناء في أرض ويدفع مصاريفه وألزم الشريك المحدث بمصاريف الإزالة مع جواز الحكم عليه بالتعويض إذا أصاب الأرض ضرر في قيمتها من جراء الإزالة. لكن ومن جهة أخرى، لا يمنع ذلك في حالات معينة أن يكون الشريك المحدث "حسن النية"، وكأن يعتقد غلطا، عدم معارضة بقية المالكين على الشياع على ما أحدثه هو إجماع خاصة وأن المشرع يأخذ بالإجماع الصريح أو الضمني حسب مقتضيات الفقرة 1 من الفصل 62 م ح ع، أو كأن يظن المحدث أنه يملك العقار ملكية منفردة، فيقيم عليه إحداثات ثم يفاجئ فيما بعد بأنه مشاع بينه وبين شخص آخر أو أكثر، فليس من العدل في هذه الحالة أن يُعامل الشريك سيء النيّة بنفس معاملة الشّريك حسن النيّة، فكان أجدر بالمشرّع التونسي أن يفرد هذا الأخير بجزاء أخفّ مثل ذلك المنصوص عليه بالفقرة الأخير من الفصل 36م. ح. ع والمتعلقة بالباني على أرض الغير حسن النيّة، وذلك بأن يخوّل للمتقاسم الواقع على منابه لإحداث الخيار بين ترجيح الثّمن وأجرة اليد العاملة وبين دفع مبلغ يساوي ما زاد في قيمة الأرض بسبب تلك الإحداثات، لأنّ حريّة الإختيارات الممنوحة للمالك تكون قاسية جدّا على الشّريك المحدث "حسن النيّة" ، إذا ما طولب منه الإزالة خاصّة، إذا كانت قيمة الإحداثات تفوق قيمة العقار بكثير، بحيث يمثل خيار الهدم حينها إهدار لقيمة إقتصاديّة وتعسّف في إستعمال الحقّ.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ النّظر في مجال تطبيق حقّ الإزالة يدعونا إلى التّمييز بين إقامة أحد الشّركاء لإحداث على العقار المشاع وبين إقامة الغير لإحداثات على العقار المشاع، ذلك أنّه ليس في كلّ مرّة يكون فيها العقار مشترك تنطبق أحكام الفصل 62م ح.ع بل لا بدّ أن تكون للمحدث صفة الشّريك وأن يكون العقار مشترك.

فعندما يكون العقار مشتركا والمحدث ليس بشريك، فإنّ هذه الصّورة تعتبر أيضا بناءا على عقار مشترك ولكنّها تخضع لأحكام الفصل 36م. ح. ع لأنّ المحدث هنا ليس له صفة الشريك.

فبالرّجوع إلى أحكام الفصل 36 م.ح.ع يمكن القول إنه ليس بالضّرورة أن تكون الأرض مملوكة للغير التي وقعت عليها الإحداثات، بل يمكن أن تكون كذلك أرضا مشتركة بين عدّة مالكين ويقوم شخص أجنبيّ بالبناء عليها وتكون له صفتين إثنين وهما الحائز والباني.

ففي كلّ مرّة يكون فيها العقار مشاعا ولا يكون المحدث شريكا نطبّق عليه الفصل 36م.ح.ع والمتعلق بالبناء على أرض الغير والذي منح المالك، عندما يكون الباني سيّء النيّة الخيار بين "إبقاء تلك الأشياء بأرض وبين إلزام محدثها بإزالتها وهو خيار يتمتّع به المالك سواء كان يملك العقار ملكيّة فرديّة أو يملك للعقار ملكيّة مشتركة.

لكنّ السّؤال الّذي يطرح نفسه هو، في صورة تعدّد الشّركاء، فكيف سيمارسون الخيار بين الهدم أو الإبقاء المنصوص عليه بالفصل 36 م.ح.ع، تجاه الشّخص الّذي أقام بناءات على عقارهم المشترك ؟ في هذه الحالة لا بدّ لنا من تكييف طبيعة حقّ الخيار هل هو عمل من أعمال التصرّف التي تتطلّب الإجماع أومن أعمال الإدارة التي تتطلّب موافقة أغلبيّة الشّركاء فحسب ؟

يمكن القول إنه إذا وقع الخيار على طلب الإبقاء، فإنّ ذلك يعتبر من أعمال الإدارة التي يكفي فيها موافقة أغلبيّة الشّركاء وبالتالي لا يمكن إدخال طلب الإبقاء تحت طائلة إبرام إلتزامات جديدة "المنصوص عليها بالفصل 69 م.ح.ع والتي تستوجب توفّر الإجماع لأنّ هذا الخيار يترتّب عنه إلتزام بالتعويض للمحدث وهو إلتزام قانوني نصّ عليه الفصل 36م.ح.ع وليس بإلتزام تعاقدي، بحيث يُلزم الشّركاء الّذين إختاروا الإبقاء على المحدثات بالتعويض لمحدثهـا.

وأمّا إذا ما وقع الخيار على طلب الإزالة، فإنّ هذا التصرّف يمكن إعتباره صنف من أصناف التعديلات المدخلة على المشترك أوهو كذلك من قبيل التصرّف المادّي في المشترك الذي يشترط توفّر شرط الإجماع لإتمامه تطبيق للفصل 69م.ح.ع، هنا إذا كان الغير المحدث سيّء النيّة، أمّا إذا كان حسن النيّة فإنّ الشركاء المالكين يحرمون من حقّ طلب الإزالة عملا بأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 36م.ح.ع ولا يكون لهم سوى الخيار بين ترجيح ثمن المواد وأجرة اليد العاملة وبين دفع مبلغ يساوي ما زاد في قيمة الأرض بسبب الإحداثات فلئن كان حقّ طلب الإزالة حقّ مطلق للمتقاسم الّذي وقعت في منابه الإحداثات التي أقامها الشّركاء، فإن هذا الحق يندثر ويزول إذا إفتقد من قام بإحداثاثت على المشترك صفة الشّريك وكان حسن النيّة ولا ينصّ للمالك سوى التعويض مقابل تلك الإحداثات وهو ما يدعونا إلى النّظر في مسألة خيار الإبقاء وكيفيّة التعويض.

الفصل الثاني: حقّ طلب الإبقاء مع التّعويض:

يحقّ للمتقاسم الذي وقعت في منابه الإحداثات أن يختار تملّكها ويتنازل عن خيار الإزالة مقابل التعويض لمحدثها (فقـرة أولـى) وهو ما يطرح مسألة كيفيّة تقدير التعويض (فقـرة ثـانيـة).

الفقـرة الأولى: مبـدأ التـّعويض:

ترك الفصل 62 من م.ح.ع الحريّة المطلقة للمتقاسم الواقع في منابه الإحداثات بين الإبقاء عليها أوطلب إزالتها، بالرّغم من أنّ الإحداثات قد تمّت إقامتها دون موافقة بقيّة الشّركاء وذلك بخرق المحدث لقاعدة الإجماع. بحيث يمكن للشّريك الّذي وقعت في منابه الإبقاء عليها إذا كانت تتماشى ومصالحه ويحقّق له النفع، لكن هذه الإمكانيّة تبقى رهينة بإرادة الشريك الّذي آلت إليه الإحداثات وميولاته ومدى إمكانيّاته في التعويض للمحدثات، لذلك فإنّ الحفاظ على الإحداثات التي أقامها الشريك للمحدث أثناء الشيوع، إختياري وهذا ما جعل مبدأ التعويض للمحدث غير مستقلّ بل هو مرتبط بمال الإحداثات.

فتصبح بذلك وضعيّة المحدث خطيرة جدّا على ذمته الماليّة بآعتبار أنّ مصاريف الإزالة تحمل على عاتقه إضافة إلى ما يتكبّده من خسارة فادحة من جرّاء عدم تعويضه عمّا أنفقه لإقامة بناية بأكملها مثلا ويبقى حقه في إسترداد ما أنفقه لإقامة تلك الإحداثات خاضعا لمشيئة المتقاسم المطلقة والتعرّف على موقفه من الإحداثات هل سيبقيها أم هل سيرسلها ؟ ولمّا كان الإبقاء على الإحداثات المقامة على مناب متقاسم آخر غير المحدث تخضع إلى الإرادة المطلقة لصاحب ذلك العقار، فإنّ تعويض المحدث لها يرتبط بالوضعيّة التي ستؤول إليها بناءات: الإزالـة أوالإبـقــاء.

فإذا ما قرّر المالك المحافظة على تلك الإحداثات، فإنّه يعرف مسبقا أنّ القانون يُلزمه بأن يدفع لصاحبها ما يعادل قيمتها، لذلك فإنّ الآداء الّذي يلتزم به للمحدث هو بمثابة الإلتزام القانونيّ بالتّعويض كما نصّ عليه الفصل 62 صراحة من م.ح.ع.

لكن ومن جهة أخرى يمكن للمتقاسم الذي يتمتّع بحقّ الخيار أن يستغلّ هذا الحقّ ليجير المحدث على قبول تعويض أقلّ من ذلك الذي يضمن المشرّع أي: "ترجيع ثمن الموادّ وأجرة اليد العاملة دون الإلتفات لما قد يحصل من الزّيادة في قيمة الرّقبة بسبب تلك الإحداثات".

من هنا، يجد المحدث نفسه مجبرا على قبول تعويض ضئيل مقارنة بالثّمن الحقيقيّ للمواد وأجرة اليد العاملة، لأنّه يجد ذلك أفضل بكثير من الخضوع لطب الإزالة وربّما غرم لمالك الأرض الناتجة عن الإزالة ولتفادي هذا الإستغلال أوالتعسّف في إستعمال هذا الحقّ، نظّم المشرّع كيفيّة التعويض...

الفقـرة الثـّانيـة: تقـدير التـّعويــض:

إقتضت أحكام الفصل 62 من مجلة الحقوق العينيّة أنّه في صورة إختيار المتقاسم الّذي آلت إليه الإحداثات الإبقاء عليها، فإنه يكون ملزما قانونا بآداء "ثمن المواد وأجرة اليد العاملة بدون إلتفات لما قد يحصل من الزّيادة في قيمة الرّقبة بسبب تلك الإحـداثـات".

وما نلاحظه من خلال هذه الأحكام أنّ ثمن الموادّ وأجرة اليد العاملة تكوّن التكاليف الكاملة للإحداثات دون إعتبار ما قد زاد في قيمة العقار نتيجة تلك الإحـداثات.

أمّا في صورة ما إذا لم يكن للمحدث الّذي أقام إحداثات على عقار مشترك صفة الشّريك، وكان حسن النيّة، فإنّ بقيّة الشّركاء الّذين وقع في عقارهم البناء ليس لهم طلب الإزالة وإنّما لهم فقط: "خيار بين ترجيع ثمن الموادّ وأجرة اليد العاملة وبين دفع مبلغ يساوي ما زاد في قيمة الأرض بسبب تلك الإحـداثات"، عملا بأحكام الفصل 36 فقرة أخيرة من م.ح.ع.

وزائد القيمة لا يحصل عليه إلاّ الباني على أرض الغير أو المتجاوز إلى أرض الغير "حسن النيّة" دون سواه، وهو يتمثل في الزّيادة التي تحصل في قيمة العقار إثر تقييمين مختلفين، وعموما فإنّ تقدير زائد القيمة، يجب أن لا يقتصر على ما حصل من زيادة ماديّة في قيمة العقار، بل لا بدّ للقاضي الّذي يتمتع بسلطة تقديريّة واسعة، أن يتجاوز هذا التقدير التقنيّ، ليبحث في ظروف كلّ حالة على حدة، كنجاعة هذه الإحداثات، كذلك وضعها بالنّسبة للعقار موقعها الجغرافي... ولكنّ إستقرّ فقه القضاء على اللّجوء إلى الخبراء لتعديد قيمة التعويض...

وتطرح مسألة التعويض إشكاليّة التاريخ المُعتمد في تقدير قيمة التعويضات، فهل يقع تقدير التعويض وقت انتقال ملكيّة الإحداثات إلى المتقاسم، أم حين يُعرب هذا الأخير عن رغبته في الإبقاء عليها أم أثناء دفع قيمة التـّـعويض ؟

رغم ارتباط الإجابة عن هذا السّؤال بظاهرة التضخّم الماليّ، فالمشرّع التونسي بالفصل 62م.ح.ع وكذلك بالفصل 36م.ح.ع لم يقدّم أيّ حلّ لهذه المسألة، وهو ما يمثل ثغرة تشريعيّة تستدعي تدخّل سريع من طرف المشرّع لتلافيها وذلك على غرار ما فعله نظيره الفرنسيّ، الّذي تدخّل بمناسبة تنقيح المجلة المدنيّة الفرنسيّة بالقانون عـ1464ـدد المؤرّخ في 17/05/1960 والّذي شمل الفصل 555، فأقرّ صراحة بأنّ تقدير قيمة التعويضات يتمّ حسب القيمة الثابتة أي ما يعمل به من أسعار في تاريخ إرجاع المال (Date de remboursement)، فرغم كون المشرّع لم يتطرّق إلى تاريخ تقدير الثّمن فإنّ التعويض يقتضي أن يكون مقابلا للقيمة الحقيقيّة للموادّ المستعملة واليد العاملة، حسبما يقدّره القاضي في تاريخ الأداء لا في تاريخ الإنجـاز.

وفي صورة ما إذا إختار المتقاسم الإبقاء على البناء الذي وقع في منابه، إلاّ أنه لم يدفع قيمة التعويض المتوجّب عليه. أي ثمن الموادّ وأجرة اليد العاملة، فقد إختلف الفقه في الحلّ المنطبق في هذه الحالة: إذ قال البعض أنّه يجوز للشريك، صاحب البناء إزالة بنائه وإستلام أنقاضه لأنّ حقّ الإزالة مقرّر حتما عند عدم التعويض إليه، في حين ذهب شقّ آخر من الفقهاء، أنّه لا يجوز للشّريك، صاحب البناءات، أن يلجأ لهدم البناء وإزالته إذا لم يتبيّن له مصلحة فيها. نزولا عند القاعدة الرّومانيّة القائلة، بأنه لا يجوز التساهل مع من يعمل للإيذاء بالغيـر.

في حين، يجيب القانون بالإزالة بأنها حق من حقوق المحدث، ليس فيها أذيّة لأحد وأنه يجب على الشريك الذي وقعت في منابه البناءات بعد القسمة دفع التعويض المستوجب للشريك الباني وأنّ عدم قيامه بذلك يجيز له الإزالة، وفي منحى آخر يرى جانب من الفقهاء أنّ حق الباني مضمون وذلك بممارسة حقّ الحبس للإحداثات إلى حين الوفاء بجميع مبالغ التعويض. ولقد أكّد فقه القضاء هذا التوجّه فآعتبر أنذ: "للباني الحقّ في حبس العين، حتى يستوفي المستحقّ له من المالك..." 

قائمة المراجع

المراجـع باللغة العربية

  • المراجع العامة والخاصة

  • الأحمدي (عبد الله): العقود الخاصة، عقد البيع، الخدمات العامة للنشر، 1997

  • بخيدة (علي حسين): ضمان عيوب المبيع في القانون المصري والمغربي، دراسة مقارنة، دار الفكر العربين 1986.

  • الجارحي (مصطفى السيد): عقد المقاولة من الباطن، دراسة مقارنة في القانونين المصري والفرنسي، دار النهضة العربية، بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1988.

  • حسين (منصور محمّد): المسؤولية المعمارية في حوادث وإنهيار المباني أثناء وبعد التشييد، والتأمين الإجباري فيها، منشأ المعارف (بدون تاريخ).

  • حسيني (عبّاس): مجموعة التشريعات الهندسية وفق مناهج الكليات والمعاهد الهندسية، بغداد، مطبعة الإرشاد، 1968.

  • الحسيني (عبد اللطيف): المسؤولية المدنية عن الأخطاء المهنيّة، الطبيب، المهندس المعماري والمقاول، المحامي، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى، 1987.

  • الزين (محمّد): النظرية العامّة للالتزامات، العقد، مطبعة الوفاء تونس، 1993.

  • سرور (محمد شكري): مسؤولية مهندسي ومقاولي البناء والمنشآت الثابتة الأخرى، دار الفكر العربي، القاهرة، 1985.

  • السنهوري (عبد الرزاق أحمد): الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء السابع، المجلد الأول، في العقود الواردة على العمل والمقاولة والوكالة والوديعة والحراسة، دار النهضة العربية، 1964.

  • شرف الدين (محمّد كمال): دروس في القانون المدني، الجزء (II)، لطلبة سنة أولى حقوق السنة الجامعية، 1993 – 1994.

  • شنب (محمد لبيب): أحكام عقود المقاولة، دار الكتب للطباعة والنشر، القاهرة، 1962.

  • الفضيلي (جعفر): الوجيز في العقود المدنيّة: البيع/ الإيجار/ المقاولة، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، 1989.

  • الكناني (يوسف) وبالكناني (فوزي): قانون الأموال، مركز النشر الجامعي، 2003.

  • اللخمي (أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم): "عرف بابن الرّامي البناء": الإعلان بأحكام البنيان، "في الباب المتعلق بـ"كتاب العيوب في الدّور" مركز النشر الجامعي، 1999.




  • المذكرات والأطروحات

  • باشا (فوزية): استلام الأشغال في مقاولات البناء، مذكرة للإحراز على شهادة الدّراسات المعمقة في القانون الخاص، كلةي الحقوق والعلوم السياسية بتونس، 1995.

  • بن عبد الله (عائشة): المنافسة في الصفقات العمومية، مذكرة للإحراز على شهادة الدراسات المعمقة في القانون العام، كلية الحقوق والعلوم السياسية، تونس 1994.

  • بن علي (رجاء): ضمان عيوب البناء، مذكرة للإحراز على شهادة الدّراسات القانونية والاجتماعية، كلية العلوم القانونية والاجتماعية، أريانة، 1995.

  • القوانين المعتمدة في ميدان رخص البناء:

  • القانون عدد 33 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماي 1975 المتعلّق بإصدار القانون الأساسي للبلديّات.

  • القانون عدد 35 لسنة 1976 المؤرخ في 18 فيفري 1976 المتعلّق بضبط العلاقات بين المالكين والمكترين لمحلاّت معدّة للسكنى أو الحرفة أو الإدارة العموميّة.

  • القانون عدد 37 لسنة 1977 المؤرّخ في 25 ماي 1977 المتعلّق بضبط العلاقات بين المسوّغين والمتسوّغين فيما يخصّ تجديد كراء العقارات أو المحلاّت ذات الاستعمال التّجاريّ أو الصّناعي أو المستعملة في الحرف.

  • القانون عدد 87 لسنة 1983 المؤرّخ في 11 نوفمبر 1983 المتعلّق بحماية الأراضي الفلاحيّة.

  • القانون عدد 43 لسنة 1985 المؤرّخ في 25 أفريل 1985 المتعلّق بتنقيح القانون الأساسيّ للبلديّات وخاصّة الفصلين 80 و81 منه.

  • القانون عدد 17 لسنة 1986 المؤرّخ في 7 مارس 1986 المتعلّق بتحوير التّريع الخاصّ بملك الدّولة العموميّ للطٍّقات وجميع النّصوص التي نقّحته أو تمّمته وخاصّة الفصول 15 و16 و17 منه.

  • القانون عدد 114 لسنة 1989 المؤرّخ في 30 ديسمبر 1989 المتعلّق بمجلّة الضّريبة وخاصّة الفصل 87 منه.

  • القانون عدد 122 لسنة 1993 المؤرّخ في 27 ديسمبر 1993 المتعلّق بتنقيح القانون عدد 35 لسنة 1976 المؤرّخ في 18 فيفري 1976، والمتعلّق بضبط العلاقات بين المالكين والمكترين لمحلاّت معدّة للسّكنى أو الحرفة أو الإدارة العموميّة وخاصّة الفصول 6 جديد و7 جديد و22 جديد منه.

  • القانون عدد 16 لسنة 1994 المؤرّخ في 31 جانفي 1994 المتعلّق بتهيئة المناطق الصّناعيّة وصيانتها.

  • القانون عدد 35 لسنة 1994 المؤرّخ في 24 فيفري 1994 المتعلّق بإصدار مجلّة حماية التّراث الأثريّ والتاريخيّ والفنون التّقليديّة.

  • القانون عدد 122 لسنة 1994 المؤرّخ في 28 نوفمبر 1994 المتعلّق بإصدار مجلّة التّهيئة التّرابية والتّعمير وخاصّة الباب الخامس من العنوان الثّالث المتعلّق برخص البناء منه.





  • القرارات المعتمدة في ميدان رخص البناء:

  • القرار المؤرّخ في 18 أفريل 1995 الضّابط لقائمة المؤسسات ذات الأنشطة الخطيرة أو غير الصّحية أو الشّاقة.

  • قرار وزير التّجهيز والإسكان المؤرّخ في 8 أكتوبر 1991 المتعلّق بضبط المقتضيات الفنيّة الخاصّة بتسيير تنقل الأشخاص المعاقين من ذوي الحركيّة المحدودة داخل البنايات المدنيّة.

  • قرار وزير التّجهيز والإسكان المؤرّخ في 10 مارس 1994 المتعلق بضبط تركيبة وطرق عمل اللّجنة الإستشاريّة المكلّفة بإبداء الرّأي في مطالب هم أو ترميم العقارات المعدّة للسّكن أو الحرفة أو الإدارة العموميّة أو مطالب الزّيادة في البناء القائم.

  • قرار وزيري الاقتصاد الوطنيّ والسّياحة والصّناعات التّقليدية المؤرخ في 2 نوفمبر 1994 المتعلّق بضبط أدنى القواعد الواجب احترامها في التّصرّف في المؤسّسات السّياحيّة.

  • قرار وزير التّجهيز والإسكان المؤرّخ في 10 أوت 1995 المتعلّق بضبط قائمة الأشغال الرّامية إلى إدخال تغييرات أو إصلاحات عاديّة وضروريّة على بناية مقامة والتي لا تخضع للتّرخيص في البناء.

  • قرار وزير التّجهيز والإسكان المؤرّخ في 10 أوت 1995 المتعلّق بضبط الحالات الإستثنائيّة التي لا تقتضي اللّجوء إلى مهندس معماريّ لإعداد رسوم مشاريع البناء.

  • قرار وزير التّجهيز والإسكان المؤرّخ في 3 أكتوبر 1995 المتعلّق بضبط الوثائق المكوّنة لمثال التّهيئة العمرانيّة.

  • قرار وزير التّجهيز والإسكان المؤرّخ في 19 أكتوبر 1995 المتعلّق بضبط الوثائق المكوّنة لملفّ رخصة البناء وأجل صلوحيّتها والتّمديد فيها وشروط تجديدها.

  • قرار وزير التّجهيز والإسكان المؤرّخ في 19 أكتوبر 1995 المتعلّق بضبط تركيب وطرق سير اللّجان الفنيّة لرخص البناء.

  • قرار وزيري الفلحة والتّجهيز والإسكان المؤرّخ في 31 أكتوبر 1995 المتعلّق بضبط المساحات الدّنيا للمستغلاّت الفلاحيّة والمساحات القصوى للبنايات التي يمكن أن تقام عليها.

  • الأوامر المعتمدة في ميدان رخص البناء:

  • الأمر المؤرّخ في 30 أوت 1858 المحدث لبلديّة تونس

  • الأمر المؤرّخ في 24 نوفمبر 1889 المتعلّق بالمصادقة على قانون الطّرقات لمدينة تونس المؤرّخ في 28 فيفري 1889.

  • الأمر المؤرّخ في 6 جويلية 1908 المتعلّق بالمصادقة على القانون الصّحّي لمدينة تونس.

  • الأمر المؤرّخ في 27 ماي 1919 المنظّم للمؤسّسات ذات الأنشطة الخطيرة أو غير الصّحّية أو الشّاقّة.

  • الأمر المؤرّخ في 29 أوت 1940 المتعلّق بالإرتفاقات الجويّة للمطارات.

  • الأمر عدد 83 لسنة 1991 المؤرّخ في 11 جانفي 1991 المتعلّق بالمصادقة على تنقيح مثال تهيئة مدينة تونس.

  • الأمر عدد 1428 لسنة 1998 المؤرّخ في 13 جويلية 1998 المتعلّق بضبط تعريفة المعاليم المرخّص للجماعات المحليّة في استخلاصها.

  • الأمر عدد 2683 لسنة 2002 المؤرّخ في 14 أكتوبر 2002 والمتعلّق بالمصادقة على تنقيح وإتمام التّراتيب العامّة للتّعمير المصادق عليها بالأمر عدد 2253 لسنة 1999 المؤرّخ في 11 أكتوبر 1999.




عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية