الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

وسائل الإثبات في القانون التونسي

 

وسائل الإثبات في القانون التونسي  الذخيرة القانونية


تقضي ممارسة الحق الذّاتي قضائيا إثباته وقديما قيل أنّ الحقّ غير المثبت غير موجود فلا عجب أن ترى أنّ جلّ الأنظمة القانونية قد نظّمت قواعد إثبات الحقّ.

 وخصّص المشرّع التونسي لوسائل الإثبات الأحكام الواردة في مجال إثبات تعمير الذّمة وبراءتها والتي تضمّنت الفصول من 422 إلى 512 من م.إ.ع. وأوضح الفصل 427 أنّ البيانات المقبولة قانونا خمس وهي: إقرار الخصم l’aveu، الحجّة المكتوبة l’écrit، شهادة الشّهود le témoignage، القرينة la présomption، اليمين والإمتناع من الحلف le serment.

 

وحصر المشرّع لوسائل الإثبات في الخمس المذكورة يعني إتباع القانون التونسي مذهب الإثبات المقيّد الذي يلزم الأطراف بتقديم طرق معيّنة للإثبات ويلزم القاضي يعدم قبول غيرها.

 

أمّا مذهب الإثبات الحرّ فيبيح تقديم أي وسيلة تؤدّي إلى إقناع القاضي ويجب أن تكون الوسيلة المقدّمة للقاضي مقبولة قانونا (*) أي يٌمنع الإستناد إلى وسيلة إثبات وقع الحصول عليها بصورة غير قانونية كصور إلتقطت خلسة بشكل يمثّل تعدّيا على الحياة الخاصّة.

 

(*): فلا يسوغ إثبات الإلتزام في صورتين: الأولى: وجود إلتزام غير مباح أو لا قيام به قانونا والثانية إذا كان مآله إثبات ما لا يصلح للدّعوى أي أمرا غير متنازع في شأنه أو أمرا خارجا عن مناط الخصومة.

ç       تصنيف وسائل الإثبات: لم يرتّب المشرّع الوسائل الّتي حدّدها في الفصل 427 في حين قام الفقه بصنيف وسائل الإثبات إلى عدّة تقسيمات نذكر منها:

¨        التفرقة المبيّنة على إتصال الدّليل بالواقعة أو الأمر المراد إثباته: تعطي هذه التفرقة الفصل بين طرق الإثبات المباشرة (كالكتابة والشّهادة) وطرق الإثبات غير المباشرة (كاليمين والقرائن والإقرار).  فالكتابة والشّهادة تثبت مباشرة الواقعة أو العمل المطلوب إثباته في حين لا تنصبّ اليمين أو القرينة أو الإقرار على موضوع الإثبات ذاته بل على ظروف أخرى تدلّ عليه.

 

¨        التفرقة المبيّنة على زمن قيام الدّليل: ينتج عنها فصل طرق الإثبات المعدّة مسبقا التي يهيّئها الأطراف من قبل كالكتابة ووسائل الإثبات غير المهيّأة كاليمين أو القرينة أو الإقرار.

 

¨        التفرقة المبيّنة على حجّية الوسيلة أي قوّتها الثّبوتية: هي أهمّ تفرقة لأنّ التشريع يتبنّاها ضمنيا وينتج عنها فصل:

 

-    الوسائل ذات الحجّية الملزمة les moyens de preuve parfaits وهي وسائل الإثبات الكاملة وتضمّ الكتب بنوعيه، الإقرار واليمين الحاسمة. وتتمتّع هذه الوسائل بحجّية مطلقة تجعلها قادرة مبدئيّا على إثبات كلّ أمر ولا تخضع لتقدير القاضي ويلزم هذا الأخير بفصل النّزاع لفائدة من إستند إليها.

 

-    الوسائل ذات الحجّية غير الملزمة وهي وسائل الإثبات المنقوصة les moyens de preuve imparfaits وهي وسائل لا يمكن أن تثبت كلّ الأمور وتخضع للسلطة التقديرية للقاضي أي انّه حرّ في ترتيب الآثار الناتجة عنها. وتضمّ هذه الوسائل الشّهادة، القرائن القضائية واليمين الإستيفائية.

 

ç       موضوع الإثبات: هو الحق الذاتي وبصفة أدقّ مصدر نشأة الحق الذّاتي وللحقّ مصدران: الواقعة القانونية والعمل القانوني.

 

وتتكامل التفرقة الجوهرية المشار إليها آنفا مع تفرقة أخرى تهمّ موضوع الإثبات وبإنسجام التفرقتين تتضح الحلول المعتمدة في المادة المدنية في شأن الإثبات إذ يخضع مبدئيا إثبات العمل القانوني إلى الوسائل الكاملة في حين يخضع مبدئيا إثبات الواقعة القانونية إلى كافّة منقوصة كانت أو كاملة.

 

الفقرة الأولى: إثبات العمل القانوني:

 

يمتاز العمل القانوني بدور ملحوظ للإرادة فـ"إلتزام الأمّي الّذي لا يحسن الكتابة لا يٌمضي حتّى يتلقّاه عدول أو غيرهم من المأمورين العموميين المأذونين في ذلك" (حسب الفصل 454 من م.إ.ع، يشترط إقامة حجّة رسمية لإثبات إلتزام الأمّي) وعقد الزّواج الّذي هو عمل قانوني لا يثبت إلاّ بالحجّة الرّسمية حسب الفصل 4 من مجلّة الأحوال الشّخصية وفي ماعدا هذه الصّورة الخاصّة، فإنّ أحكام إثبات العمل القانوني تخضع للحلول الآتية:

أ‌)       المبدأ: إعتماد الوسائل الكاملة:

 

نصّ الفصل 473 من م.إ.ع على أنّ "شهادة الشّهود لا تكون بينة في الإتفاقيات وغيرها من الأسباب القانونية التي من شأنها إحداث إلتزام أو حقّ أو تحويل ذلك أو تغيير أو الإبراء منه إذا كان قدر المال أكثر من 3 آلاف فرنك فيجب حينئذ تحرير حجّة رسمية أو غير رسمية للبينة فيه".

 

يعاب على هذا الفصل أمران: أولهما إنعدام الدقّة في تحريره إذ أنّه لا يستعمل لفظة إثبات العمل القانوني acte juridique بل يلجأ إلى عبارة "الإتفاقيات وغيرها من الأسباب القانونية التي من شأنها إحداث إلتزام ..." وهو تحرير قد يشمل الواقعة القانونية إذ هي سبب من الأسباب القانونية المنشئة للإلتزام وهو ما يجعل العبارة مجاوزة لقصد المشرّع. ويتمثّل ثاني الأمرين في ضعف المقدار الّذي يحدّد مناط تطبيق المبدأ (3 آلاف دينار).

 

1)     الكتب:

 

لم يورد الفصل 473 من م.إ.ع إلاّ الكتب لإثبات العمل القانوني الّذي تتجاوز قيمة موضوعه 3 دينارات. لكن يتّفق الشّراح بأنّ قراءة متكاملة لأحكام الإثبات تبيح قبول الإقرار واليمين الحاسمة لإثبات المعاملات المذكورة.

 

وقد نصّ الفصل 441 من م.إ.ع على أنّ البيّنة بالكتابة تحصل من الحجج الرسمية وغير الرسمية (كدفاتر الخصوم وقوائم السماسرة الممضاة). ويبقى للمجلس النّظر فيما يستحقّ كلّ منها من الإعتبار بحسب الأحوال.

 

وتطبيقا للتصنيف المذكور للحجج المكتوبة، نظّمت م.إ.ع الأحكام الخاصّة بالحجج الرّسمية (الفصول 442 إلى 448)، بالحجّة غير الرسمية (الفصول 449 إلى 460)، بالمحرّرات التي تعدّ حجّة مكتوبة (الفصول 461 إلى 469) وبنسخ الحجج (الفصول 470 إلى 472).

 

ولعلّ أهمّ الحجج المعتمدة في القانون المدني هي:

 

ç      الحجّة الرسمية:

 

الفصل 442 من م.إ.ع: "الحجّة الرّسمية هي الحجّة التي يتلقّاها المأمورون المنتصبون لذلك قانونا في محلّ تحريرها على الصورة التي يقتضيها القانون".

 

ويعني ذلك أنّ الحجّة الرّسمية لا يحرّرها إلاّ المأمور العمومي المأذون في ذلك.

 

لم يحدّد المشرّع في نصّ مستقلّ قائمة المأمورين العموميين بل أقرّ هذه الصّفة حسب الحالات لبعض الأصناف، فيعدّ من المأموريين العموميين:

 

-           عدول الإشهاد وعدول التنفيذ وتسمّى الحجّة في صورة تحريرها من العدول حجّة عادلة acte notarié وهي صنف هام من أصناف الحجج الرسمية.

-           ضابط الحالة المدنية.

 

-           حافظ الملكية العقارية.

 

كما يعدّ من الحجج الرسمية أيضا ما يحرّره القضاة رسميا وكلّ الأحكام الصادرة عن المجالس القضائية التونسية. فالمحضر الذي يحرّره القاضي أو الحكم هو عمل قضائي وأيضا حجّة رسمية.

 

     ولا يعدّ مأمورا عموميا المحامي الّذي لم تسند له أحكام القانون المنظّم لمهنة المحاماة هذه الصّفة ولا الكاتب العمومي ولا المترجم المحلّف ولا الخبير الّذي لم يسند له القانون 61 لسنة 1993 هذه الصّفة.

 

وإذا كان الكتب لا يعتبر رسميا لكون تحريره من وظيفة غير الّذي حرّره أو لعدم أهلية أو لنقص في الصّورة أٌعتبر كتبا غير رسمي إذا كان به إمضاء.

 

حجّيتها: للكتب الرّسمي ميزات:

 

-   تاريخه: تاريخ ثابت بين الأطراف وفي حق غير المتعاقدين وله قوّة ثبوتية لا تدحض ألاّ بدعوى الزّور الجزائية.

 

-   مضمونه: يتمتّع بحجّة مطلقة. ولكن:

 

1)      هذه الحجّية تقتصر على الأمور والعناصر التي أشهد بها المأمور الّذي حرّر الكتب الرّسمي على أنّها وقعت بمحضره ولا تنسحب على ما عداها كمضمون تصريحات الأطراف الثابتة لديه وبدفع الثّمن بحضوره، فإنّ كلّ هذه العناصر تتمتّع بحجّية الكتب الرسمي المطلقة ولا يمكن الطّعن فيها إلاّ بالزّور.

 

أمّا إذا سجّل المأمور العمومي تصريحات لأحد الأطراف تخصّ عناصر لم تحدث أمامه وبمحضره كأن يدعي الطّرف أنّه نبّه على الطّرف الثاني عديد المرّات، فإنّ مضمون هذه التصريحات (التنبيه) لا يتمتّع بالحجّية المطلقة للكتب الرّسمي.

 

2)      أباح المشرّع تفادي دعوى الزّور لدحض القوّة الثبوتية للكتب الرّسمي "إذا وقع الطّعن في الرّسم بسبب إكراه أو تدليس أو تلويح أو غلط مادي" فتجوز في هذه الصّورة "البينة بالشّهادة ويحصل الثّبوت أيضا ولو بالقرائن القوية المنضبطة المتلائمة بغير إحتياج إلى القيام بدعوى الزّور كما يجوز أن تكون هذه البينة من كلّ من الفريقين ومن غيرهما ممّن له مصلحة مقبولة قانونا".

 

ç      الحجّة غير الرسمية:

 

تعريفها: تسمّى الحجّة الخطّية وتتمثّل في كلّ كتب لا تتوافر فيه شروط الكتب الرّسمي ويكون متضمّنا إمضاء الطّرفين، فالإمضاء هو أهمّ عنصر لقيام الكتب الخطّي إذ لا يشترط القانون مثلا أن يكون الكتب محرّرا من طرف الأطراف أو أحدهم.

ويجب أن يتمّ الإمضاء بيد العاقد نفسه بأسفل الكتب والطّابع لا يقوم مقامه بحيث يعتبر وجوده كعدمه كما أنّ الإمضاء لا يمكن أن يكون إلاّ كـتابة، فوضع البصـمات يدلّ على جهل الكتابة وهو

 ما يفرض إقامة حجّة رسمية.

 

أمّا الإلتجاء إلى شكليّة "التعريف بالإمضاء" لم يفرضه القانون بل إنّه وسيلة من الوسائل التي تجمع بين التأكّد من حصول شرط الإمضاء وإكساب الكتب تاريخا ثابتا.

 

حجّيته: لا يتمتّع الكتب الخطّي بالحجّية المطلقة التي يتمتّع بها الكتب الرّسمي وتاريخه لا يكون ثابتا إزاء الغير إلاّ من التواريخ الآتية الّتي حدّدها الفصل 450 من م.إ.ع:

 

1)      من يوم تسجيل الكتب بتونس أو بالبلاد الأجنبية.

 

2)      من يوم إيداع الكتب تحت يد المأمور العمومي.

 

3)      من يوم الوفاة أو من يوم العجز الثابت إن كان الّذي أمضى الحجّة بصفة كونه عاقدا أو بصفة كونه شاهدا قد توفّي أو عجز عن الكتابة عجزا بدنيّا.

 

4)      من يوم الإطّلاع على الكتب أو من تاريخ التعريف به من المأمور العمومي المأذون بذلك او من حاكم بتونس أو بالبلاد الأجنبية.

 

5)      من يوم تضمين الكتب بالعقد المحرّر من المأمور العمومي.

 

6)      إذا كان التاريخ ناتجا عن بيانات أخرى يترتّب عليها الثّبوت التّام.

 

أمّا في ما يتعلّق بالأطراف وورثتهم وخلفائهم الخاصين غير القائمين في حقّهم الشّخصي، فإنّ التاريخ الثابت للكتب غير الرسمي هو تاريخ مضمون الكتب فحجّته نسبية إذ لا لزوم لدعوى الزّور لإثبات عكسها لكن إذا إعترف الخصم بالكتب الخطّي أو إذا ثبت قانونا صحّة ذلك الكتب ولو بغير إعتراف أٌعتمد ككتب رسمي بالنسبة للطّرفين وغيرهما في جميع ما تضمّنه من شرط وحكاية. فإذا أنكر الخصم خطّه أو إمضاءه أذن الحاكم بتحرير حقيقة الأمر بنفسه أو بالإختيار.

 

أمّا إذا إعترف الخصم بخطّه وبإمضائه أٌعتمد نحوه ككتب رسمي من وجهة الحجّية. لكنّ الإعتراف "لا يسقط حقّه في معارضة الكتب بجميع الأوجه الباقية لديه من حيث الأصل أو من حيث الصّورة".

 

ç      الكتائب الأخرى ونسخ الحجج:

 

الكتائب هي حجج مكتوبة كدفاتر التجار ودفاتر السّماسرة.

 

أمّا النّسخ فتهمّ الحجج الرّسمية والحجج الخطّية، فالنّسخة تعتبر كالأصل إذا شهد بصحّتها المأمورون العموميين المأذونون بذلك أي العدول مثلا بالنّسبة لنسخة الحجّة الرّسمية العادلة وضابط الحالة المدنية بوصفه مأمورا عموميا مخوّلا له حقّ الإشهاد بالمطابقة للأصل بالنّسبة للصّور من الحجج الخطّية.

 

2)     الإقرار:

أنواعه:

-     الإقرار الحكمي: هو "الإعتراف لدى الحاكم من خصم أو من وكيله المأذون بخصوص ذلك بوجود الحق" (الفصل 428 من م.إ.ع) وينتج هذا الإقرار كذلك من "سكوت الخصم في مجلس الحكم إذا دعاه للجواب"لفصل 429 من م.إ.ع).

 

-     الإقرار غير الحكمي: هو "الّذي لم يصدر لدى المحاكم وقد يحصل من كلّ فعل مناف لما يدّعيه الخصم" (الفصل 430 من م.إ.ع).

 

شروطه: لإعتماد الإقرار لا بدّ من توفّر الشّروط التالية:

 

-         أن يصدر من شخص له أهلية كاملة. وإقرار النّائب القانوني عن الصّغير أو المقدّم عليه لا يمضي على هؤلاء إلاّ في ما صدر منهم أنفسهم من الأعمال كما للصّغير المأذون بالتّجارة أن يقرّ بما هو في حدود المأذون فيه وإذا كان موضوع إقراره تبرّعا منه بطل.

 

-         صحّة الإقرار من كلّ عيب مفسد للرّضاء إذ يشترط أن يكون الإقرار عن إختيار وتبصّر.

 

-         موضوع الإقرار إذ لا يعتمد الإقرار في أربع صور:

 

§          إذا كان بشيء مستحيل حسّا أو ثبت خلافه بحجج لا تقبل الطّعن.

 

§          إذا ردّه المٌقرّ له بوجه صحيح.

 

§          إذا كان موضوعه مخالفا للنّظام العام والأخلاق الحميدة.

 

§          إذا كان يتناقض مع مضمون حكم بات.

 

تجزئته: الأصل أنّ الإقرار لا يٌقسّم (مبدأ عدم تجزئة الإقرار)، فإذا أقرّ الخصم بالحقّ فلا يمكن أن نجزّأ إقراره بأن نبقي على ما يفيدنا ونرفض ما لا يفيدنا.

 

ويسهل تطبيق هذا المبدأ إذا كان الإقرار "بسيطا" أي إذا تطابق موضوعه مع موضوع الطّلب.

 

إذا كان الإقرار موصوفا أي إذا غيّر المٌقرّ الوصف المضفى على الحقّ المطالب به (أٌقرّ بأنني تسلّمت المال على وجه الهبة لا كما يزعم المدّعي على وجه الإقتراض) وكذلك إذا كان الإقرار "مركّبا" أي الّذي يتضمّن عنصرا آخر مضاف إلى موضوع النّزاع (أٌقرّ بأنّني إقترضت المال لكن أدّيت جزء منه).

 

وبالنّسبة لهذين الصنفين، أجاز المشرّع 3 حالات للتّجزئة وهي:  

 

-         الصّورة التي يثبت فيها بحجّة أخرى أحد الأمور التي تعلّق بها الإقرار.

 

-         الصّورة التي يكون فيها الإقرار متعلّقا بأمور متفرّقة عن بعضها بعضا.

 

-         الصّورة التي يكون فيها الإقرار مخالفا لأحكام الفصل 439 من م.إ.ع.

مثال: إقرار بتسلّم المصوغ المطالب بإرجاعه لكن مع نفي تسلّمه على سبيل الفصل وإدعاء تسلّمه على وجه التوثقة في دين. في هذه الصّورة يٌقسّم الإقرار وعلى المٌقرّ إثبات العنصـر الثّاني (التسلّم على وجه

التوثقة في دين).

 

3)     اليمين الحاسمة:

 

تعريفها: هي "اليمين التي يوجّهها أحد الخصمين على الآخر حسما للنّزاع" (الفصل 492 من م.إ.ع).

 

شروطها: تتعلّق بـ:

 

ç    الأهلية: يجب أن تتوفّر في الخصم الّذي يوجّه اليمين أهلية التفويت (الفصل 4949 من م.إ.ع).

 

ç    موضوع اليمين: توجّه اليمين مبدئيا في كلّ الدّعاوي بإستثناء:

 

-     يمين تهمة لأنّ اليمين وسيلة إثبات في القانون المدني فحسب.

 

-     لثبوت معاملة يوجب القانون أن يكون ثبوتها بحجّة رسمية (كعقد الزّواج) أو بالتسجيل.

 

-     لنفي أمر شهدت به الحجة الرسمية ويتمتّع بقوّة ثبوتية مطلقة.

 

-     كان موضوعها مخالفا للنّظام العام والأخلاق الحميدة.

 

-     لإثبات أمر مخالف لما قضى به حكم بات.

 

-     إذا كانت عديمة الفائدة أو يقصد التعنيت.

 

أطرافها: لا توجّه اليمين إلاّ من خصم وعلى خصم في نفس النّزاع وعلى فعله الخاص. وليس للولد توجيه اليمين على والديه وإنّما له قلبها عليهما إن وجّهاها عليه.

 

إجراءاتها: يوجّه الخصوم اليمين على الآخر ولمن وجّهت عليه اليمين أن يؤدّيها ويحسم النّزاع وإمّا أن يرفض أداءها.

 

ورفض الأداء قد يكون مقترنا بقلب اليمين (قلبها أي دعوة موجّهها لأدائها) وقد يكون الرّفض نكولا (إذا كان طالبا حسم النّزاع ضدّه وإذا كان مطلوبا فلا يكفي نكوله إثبات حقّ خصمه إلاّ بيمينه وإن أدّاها حكم له وغن نكل بدوره حكم عليه ولو مع نكول المطلوب).

 

وأداء اليمين عمل شخصي لا يمكن القيام به بواسطة وتؤدّى بمكان العبادة أو بالمحكمة التي يعيّنها الخصم الّذي وجّهها وحسب ديانة من يؤدّيها.

 

ب‌)الحالات الإستثنائية:

 

هي الصّور التي يجوز فيها تجاوز القاعدة المبينة آنفا.

 

1)     وجود بداية حجّة مكتوبة:

 

لا تعدّ وسيلة إثبات بل هي صورة من الصّور الإستـثنائية التي تبيـح إدخال إستثناء على قاعدة

 الفصل 473 من م.إ.ع، وهي "عبارة عن كلّ كتب صدر من الخصم أو من نائبه أو ممّا إنجرّ له حقّ فيه، يقرب إحتمال ما تضمّنته الدّعوى".

 

ويعني ذلك أنّ شروط بداية الحجّة المكتوبة تتمثّل في:

 

·      وجود كتب (رسالة ...) لا يمثّل بطبيعة الحال حجّة خطّية ولا حجّة رسمية.

 

·      صادر عن الخصم أو عمّن ينوبه.

 

·      ويجعل أمر الإلتزام محتملا (مثلا رسالة صادرة عن الخصم غير ممضاة يتعرّض فيها لصعوبات شخصية تحول دون أداء دين عليه).

 

2)     تعذّر الحصول على كتب أو تقديمه:

 

قد يستحيل أحيانا لأسباب مادية أو معنوية إقامة الكتب أو الحصول عليه. لذا نصّ الفصل 478 من م.إ.ع على وجود مانع التعذّر:

 

-        التعذّر المادي: يحصل لتقديم الكتب عندما يفقد الخصم الكتب بسبب أمر طارئ ويجوز له في هذه الحالة الإلتجاء إلى الشّهادة.

 

-        التعذّر المعنوي: لم يورده الفصل 478 من م.إ.ع بصفة صريحة ولكن يمكن الإعتداد بالقوانين المقارنة التي إعتبرت التعذّر المعنوي مانعا شرعيا لعدم إقامة كتب. في هذا المجال، أقرّت محكمة التعقيب بأنّه "ليس المقصود من التعذّر الإستحالة المطلقة وغنّما مجرّد مانع" كعدم تجرّأ بنت الأخت بمطالبة خالها بتحرير حجّة في الشّركة الّتي عقدتها معه.

 

لكنّ التعذّر المعنوي يثير صعوبة هامة تتمثّل في الحدّ الّذي يجب الوقوف عنده، فالقرابة قد لا تبرّر دائما وجود التعذّر المعنوي.

 

3)     وجود فصول مبهمة أو معقّدة بالكتب:

 

إذا كان المراد إثباته أمور من شأنها ضبط معنى فصول مبهمة أو معقّدة بالكتب وتعيّن مدلولها وإثبات إجراء العمل بها.

 

4)     العمل التّجاري:

 

يخضع العمل التجاري إلى حرية الإثبات بكلّ الوسائل القانونية ويتأسس هذا الإستثناء للفصل 473 من م.إ.ع على ضرورة تيسير التعامل التجاري.

 

 

5)     البند المخالف:

 

يجوز للأطراف الإتفاق على إدخال إستثناء على قاعدة الفصل 473 من م.إ.ع إذا إعتبرنا أنّ أحكام هذا الفصل متعلّقة بمصلحة الخصوم لا بالنّظام العام. لكن يستحيل هذا الإستثناء في الحالات التي

يكون فيها الكتب وسيلة إثبات وشرط صحّة في الآن ذاته.

 

ت‌)إعتماد الشّهادة:

 

لا تصدر الشّهادة إلاّ عن شخص أجنبي عن النّزاع ولا يتلقّاها إلاّ القاضي نفسه. كما لا يشترط تعدّدهم إذ تكفي شهادة الشّاهد الواحد.

 

أمّا عن شروط التجريح في الشّهود فتتمثّل في الشّروط التي تبيح للخصوم قبل حصول الشّهادة القدح في الشّهود وطلب عدم سماع شهادتهم لأسباب مختلفة كالعداوة الواضحة مع الشاهد أو وجود منفعة شخصية أو قبوله هدية.

 

الفقرة الثانية: إثبات الواقعة القانونية:

 

تٌثبت الواقعة القانونية بكلّ الوسائل الواردة بالفصل 427 من م.إ.ع، لكنّ إثباتها عادة ما يتمّ بالشّهادة والقرائن القضائية واليمين الإستيفائية. ويوجب المشرّع أحيانا إثبات بعض الوقائع بالكتب.

 

أ‌)       مبدأ جواز كافّة الوسائل:

 

لا تثبت الواقعة بالكتب أو بالإقرار أو باليمين الحاسمة. إلى جانب الشّهادة، يجوز إثبات الواقعة بالقرائن القضائية وباليمين الإستيفائية المكمّلة لها.

 

القرائن القضائية: هي التي يعهد للقاضي بإستخلاصها إذا توفّرت فيها مواصفات معيّنة أي إذا كانت قوية ومنضبطة ومتعدّدة ومتضافرة.

 

مثال: آثار فرامل تدلّ على السّرعة.

 

ولا يجوز إعتماد القرينة القضائية لوحدها ولو تعلّق الأمر بإثبات واقعة قانونية بل يجب أن تكون مقترنة مع:

 

اليمين الإستيفائية: ينصّ الفصل 492 من م.إ.ع على أنّ "اليمين التي يوجّهها الحاكم من تلقاء نفسه على أحد الخصمين فهي يمين موجّهة من القاضي لا من الخصوم. كما أنّ لا يجوز قلب هذه اليمين إذ أنّ الهدف منها تأبيد أو توضيح أمر ثبت بحجّة منقوصة". إذ نصّ الفصل 508 من م.إ.ع على أنّ "للحاكم أن يوجّه يمين الإستيفاء على أحد الخصمين أو عليهما لفصل الدّعوى أو لتقدير المبلغ الّذي يقع الحكم به".

 

ب‌)الإستثناء: إشتراط الكتب الرّسمي:

 

تشترط أحكام القانون عدد 3 المؤرّخ في 1 أوت 1957 المتعلّق بمجلّة الحالة المدنية إثبات واقعتين قانونيتين هامّتين: الميلاد والوفاة بالحجّة  الرّسمية.

عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية