الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

رفض التجديد فى قانون الاكرية التجارية

الجزء الأول : رفض التجديد
المبحث الأول : اجراءات رفض التجديد
ينشأ  حق المتسوغ في طلب غرامة الحرمان عندما يطلب تجديد  التسويغ من المسوغ فيرفض هذا الأخير طلبه دون مبرر أو اذا نبه  المسوغ على المكتري بالخروج من المكرى عند انتهاء مدة التسويغ وأعرب له عن رغبته في عدم تجديد الايجار دون الاستناد الى سبب قانوني .
وبما أن رفض التجديد يشكل خطرا على ملكية التاجر لأصله التجاري فقد أخضعه المشرع لاجراءات يتم بمقتضاها اعلام المتسوغ بذلك الرفض والا بقي بدون تأثير على حق المتسوغ في استمرار عقد ايجاره .
وقد اقتضى الفصل الرابع من قانون 25 ماي 1977 أنه " خلافا  لمقتضيات الفصلين 791و792 من مجلة العقود والالتزامات لا تنتهي أكرية  المحلات الخاضعة لهذا القانون الا بتنبيه بالخروج " ويتضح ان المشرع قد  خالف أحكام م ا ع بالنسبة للأكرية التجارية ذلك ان الكراء في القانون  العام سواء كان محدد المدة او غير محدد المدة لا يستوجب تنبيها لا  نهائه الا  اذا اقتضى الاتفاق او العرف ذلك .
والتنبيه هو عمل احدى الجانب يصدر عن احد طرفي العقد  المسوغ يعرب فيه للطرف المقابل عن ارادته لانهاء العقد عند انتهاء أجل  محدد .
وبناء على ان للتنبيه تأثيرات هامة خاصة على حق المتسوغ في  تجديد التسويغ فقد أحاطه المشرع بشكليات مشددة يؤدي عدم احترامها الى  بطلانه .
وهذه الشكليات ترتبط بشكل التنبيه ( فقرة أولى ) وبمحتواه ( فقرة ثانية )
ــــــــــــــ
فقرة أولى : شكل التنبيه

يتضح من أحكام الفصل الرابع من قانون 1977 أن اكرية المحلات الخاضعة لهذا القانون لا تنتهي الا بتنبيه بالخروج يقدم في أجل ستة اشهر.
وأجل الستة اشهر لا بد منه ولا يمكن ان يقع خرقه وقد احترم فقه القضاء هذه القاعدة لأن هذا الأجل حمائي ويمكن المتسوغ من أخذ الوقت اللازم لممارسة حقوقه او البحث عن محل يماثل المحل الذي سيغادره .
وقد قررت محكمة التعقيب التونسية ان التنبيه الموجه قبل أجل يفوق الستة  أشهر يعد صحيحا اذا لم يمس من حقوق المتسوغ باعتبار ان القانون حدد  الأجل الأدنى ولم يضبط الأجل الأقصى الذي لا يجوز قبله توجيه تنبيه بالخروج واستنادا على ذلك فإن التنبيه الموجه قبل أكثر من ستة اشهر  يبقى صحيحا (8) .
وتؤيد محكمة التعقيب في موقفها لأنه اضافة الى ان اتجاهها يحد  من صرامة الشكليات التي تميز مادة التنبيه فإنه يمكن من اختيار المتسوغ  رفض تجديد التسويغ قبل أطول أجل ممكن وتمكينه من آجال متسعة تقلل  من المضرة التي ستلحقه .
أما اذا تم توجيه التنبيه برفض التجديد في أجل يقل عن الأجل  القانوني فإن ذلك التنبيه لا يشكل حاجزا مباشرا لتجديد الايجار وقد قرر فقه القضاء الفرنسي أن مفعول هذا التنبيه  يؤجل في الزمان وينتج اثره  في أول تاريخ (9) .
لكن كيف  يقع احتساب  أجل الستة أشهر ؟
ــــــــــــــ
بما ان الأمر يتعلق برفض التجديد مقابل دفع غرامة الحرمان وفق ما اقتضاه الفصل السابع من قانون 1977 فإنه يجب ان تميز بين الكراء المحدد المدة والكراء غير المحدد المدة .
ففي الحالة الأولى يجب ان يوجه التنبيه قبل ستة أشهر من انتهاء المدة  العادية للتسويغ وقد أكدت محكمة التعقيب هذا الاتجاه في قرار لها مؤرخ في 08 مارس 1983 حيث اعتبرت ان الأكرية التجارية المحددة المدة  بعامين مع اشتراط التجديد لنفس المدة  وبنفس الشروط ما لم يصدر تنبيه  مسبقا بتنهيته من أحد الطرفين وتجددت لعدم التنبيه فإن التنبيه الصادر من المالك اثناء العام الثالث لانتهاء المدة  بمنتهاه يكون باطلا والحكم  بابطاله  لا مطعن فيه (10) .
أما اذا استمر التسويغ بسبب عدم التنبيه وجددت مدته بالتجديد الضمني الى ما بعد الأجل  المضبط بالعقد من غير مدة معينة  فإنه بامكان المسوغ ان يوجه التنبيه في اي وقت خلال الكراء المجدد مع احترام اجل الستة أشهر بعد ذلك التاريخ لاخراج المتسوغ من المكرى (11) .
أما اذا كان الكراء يحتوي  على مدد عديدة مثلا كراء 3،6،9 سنوات واذا أعلم المسوغ بانتهاء الكراء في موفى مدة من هذه المدد فإن التنبيه بالخروج يقع وجوبا في أجل الستة أشهر قبل انتهاء تلك المدة  الفصل الرابع فقرة 3 من قانون 1977.
ونصت الفقرة الأخيرة من الفصل الرابع على ان الاعلام يرفض  التجديد ينبغي ان يقع بواسطة عدل منفذ ، ويعد هذا التنصيص مظهرا آخر  للتجديد المضمن بقانون 1977 ذلك ان امر 27 ديسمبر 1951 اقتضى أن  الاعلام برفض التجديد يكون " برسم غير عدلي او بمكتوب مضمون الوصول  مع طلب الاعلام ببلوغه 
ــــــــــــــ
وقد تم  اقصاء هذه الوسيلة الأخيرة عن طرق الاعلام برفض التجديد لأنه تأكد  عمليا انعدام الجدوى في اتباع هذا الأسلوب اضافة الى ان التجربة القضائية اثبتت وان الاعلام بمكتوب مضمون الوصول مع اعلام بالبلوغ  ولئن كان يحبذ كطريقة للاعلام لقلة تكاليفه الا انه يبقى وسيلة احتمالية  وضعيفة من حيث الاثبات كما ان النزاعات التي قد تثار بسبب الاعلام  بمكتوب مضمون الوصول عديدة (12) ويمكن للمتسوغ ان ينكر تلقيه لأي شيء  كان "(13)
ويتضح إذن أن الاعلام بواسطة عدل منفذ يشكل أكثر نجاعة من  حيث القوة الثبوتية نظرا للضمانات الاستثنائية التي أحاطها المشرع بهذه الوسيلة .
فضلا عن ذلك فإن التنبيه يجب ان يوجه وفقا لقواعد الفصل  السادس والفصول التابعة له من م م م ت  والا عد لاغيا ولا يعمل به كتنبيه .
وتجدر الاشارة الى انه في صورة تعدد المالكين لا يمكن ان يصدر  التنبيه من أحدهم الا اذا استند  تصرف هذا الأخير على توكيل  موقع في  الغرض من قبل بقية المالكين .
 فقرة ثانية : محتوى التنبيه
وفق مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل الرابع من قانون 1977 يجب ان يبين الاعلام الأسباب التي من أجلها وقع التنبيه بالخروج ويذكر  عبارات الفصل 27 والا يقع الغاؤه.
ــــــــــــــ
ويعتبر تسبيب التنبيه بيانا جوهريا وليس  مجرد شكلية عادية اذ يمكن المتسوغ من التثبت في شرعية التنبيه ومعرفة النوايا الحقيقية لمالك  العقار .
لكن هل ان تبرير التنبيه بالخروج يعد ضروريا بالنسبة لرفض التجديد موضوع الفصل السابع من قانون 25 ماي 1977.
إن مجرد رفض التجديد بلا قيد يعد عذرا في ذاته ويفضي الى الالتزام بدفع غرامة الحرمان فالمسوغ غير ملزم بذكر سبب الرفض الا اذا كان ينوي التفصي من دفع تلك الغرامة .
وقد انقسم الفقهاء حول هذه المسألة اذ اعتبر البعض  ان المسوغ  مطالب بعرض دفع غرامة الحرمان صراحة كي يعتبر التنبيه صحيحا باحترام شرط التسبيب (14) في حين يرى البعض الآخر وان مالك العقار غير  ملزم تماما بالتجديد اذ له الحق المطلق في رفضه مقابل دفع غرامة الحرمان  دون ان يقدم اي تبرير ، فالسبب هو ارادته في الرفض(15) .
وحسب هذه النظرية الأخيرة يعد التنبيه مبررا اذا كان الرفض  مجردا من اي سبب لاعتبار ان هذا الرفض يتضمن دون التنصيص على  ذلك صراحة ، عرض غرامة الحرمان.
ويمكننا ان  نؤيد هذا الاتجاه بالفصل 27 من قانون 1977 الذي جاء  فيه : " يجب  على المتسوغ الذي يريد إما النزاع في أسباب الامتناع من  التجديد التي أدلى بها المسوغ واما المطالبة بغرامة الحرمان ... أن يرفع  الأمر الى المحكمة ذات النظر .. ويتضح من هذه الأحكام ان المشرع لم  يقصد ببيان الأسباب ضمن التنبيه سوى الأسباب التي لا تمنح المتسوغ الحق  في غرامة الحرمان والتي وحدها تفتح  المجال للمنازعة فيها .
وقد انتهج فقه القضاء التونسي هذا المنهج اذ قررت محكمة  التعقيب ان التنبيه بالخروج الذي يحتوي على مجرد رفض التجديد يعتبر  تنبيها مسببا على معنى الفصل الرابع (16).
-ــــــــــــــ
ونذكر في جميع الحالات ، وأن التنبيه الذي لا يوضح موقف  المسوغ بصفة واضحة وجلية، من تجديد التسويغ يعد لاغيا  ويعتبر كأنه لم يكن .
اضافة الى ذلك يجب أن يكون التنبيه مطابق من حيث محتواه  للفصل السـادس من م م م ت الا ان محكمة التعقيب قررت ان التنبيه  الموجه بواسطة عدل منفذ والذي لا يتضمن تاريخ الاعلام لا يمكن الغاءه الا اذا  أحلق ضررا ما بالمتسوغ .
وهذا الاتجاه من محكمة التعقيب يمثل تحديدا من صرامة الشكليات التي  تحيط بالتنبيه(17).
ومن ناحية أخرى اشترك  المشرع ضمن الفقرة الأخيرة من الفصل الرابع من قانون 25 ماي 1977 ان يذكر التنبيه بالخروج " عبارات الفصل 27 والا يقع إلغاؤه" وهذا النص يهم النظام العام وعلى المحكمة ان تثير  بطلان التنبيه من تلقاء نفسها ، وقد أكدت محكمة التعقيب هذا الاتجاه السليم اذ جاء في احدى قراراتها " حيث أوجب الفصل 4 من قانون الأكرية التجارية الصادر بتاريخ 25 ماي 1977 بفقرته الأخيرة ان يذكر بالتنبيه  بالخروج عبارات الفصل 27 من نفس القانون والا يقع الغاؤه .
وحيث اتضح بالرجوع الى الحكم المطعون فيه والوثائق التي انبنى  عليها وبالخصوص من رقيم التنبيه عدد  الموجه من المعقب عليها للمعقب بتاريخ يوم... أنه  اقتصر على القول عما نصه (وهي تذكره ان له أجلا  قدره  ثلاثة اشهر ليقرر  ما يراه او للقيام لدى المحكمة  ذات النظر ومن  انذر فقد أعذر ) هكذا دون ان يذكر عبارات  الفصل 27 المشار اليه وحينئذ فإن  التنبيه المؤسس عليه  دعوى الخروج باطلا وملغى تطبيقا لأحكام الفصل 4 من  قانون الأكرية التجارية .
وحيث ان مسألة بطلان التنبيه واعتباره ملغى لعدم توفر احدى الشرائط الشكلية التي  اوجبها القانون هي مسألة  تهم النظام العام  وللمحكمة اثارتها من تلقاء نفسها تطبيقا لأحكام الفصلين 13و14 من م م م ت.
ــــــــــــــ
إن ضرورة التذكير بأحكام الفصل 27 ترمي الى انذار المتسوغ  حتى لا يفاجأ بفقدان حقه في الالتجاء الى المحاكم اذ اقتضى الفصل المذكور  أنه " يجب على المتسوغ الذي يريد اما النزاع في أسباب الامتناع من  التجديد التي ادلى بها المسوغ واما المطالبة بغرامة الحرمان او  الذي يرفض  الشروط المعروضة في شأن العقد الجديد ، أن يرفع الأمر الى المحكمة ذات  النظر في الثلاثة أشهر الموالية لتاريخ ابلاغ الاعلام بالخروج او لجواب  صاحب الملك المنبه عليه بمقتضى الفصل الخامس  من هذا القانون ، وبعد  مضي هذا الأجل يفقد المتسوغ حق الالتجاء الى المحكمة ويعتبر إما انه عدل عن التجديد أو عن التحصيل على غرامة الحرمان او انه قبل الشروط الجديدة المعروضة عليه".
نذكر في الختام وأن  المتسوغ لا يستحق غرامة الحرمان الا اذا  توفرت فيه شروط اكتساب حق تجديد الكراء من جهة وفي المقابل يبدي  المسوغ رغبته في عدم التجديد باعلام المتسوغ بذلك الرفض بواسطة تنبيه  موجه عن طريق عدل منفذ وطبق المقتضيات المفروضة ضمن قانون 1977"(18).
فإذا خرق المسوغ الاجراءات الواجب توفرها في التنبيه فعلى  المتسوغ ان يطالب بابطال التنبيه لدى المحكمة المختصة سواء المحكمة الابتدائية او محكمة الناحية حسب قيمة الكراء السنوي اذا كان لا نزاع  فيه (19) وطبق  اجراءات القانون العام .
أما اذا استوفى التنبيه جميع الاجراءات القانونية فعلى المتسوغ  أن يطالب بغرامة الحرمان المنصوص عليها بالفصل السابع من قانون 1977 وعندئذ يصبح الاشكال متعلقا بمسالة تقدير غرامة الحرمان.
الجزء الثاني : تقدير غرامة الحرمان
قد يتوصل المتسوغ والمسوغ الى اتفاق على تحديد قيمة غرامة الحرمان يرضي الطرفين أما في صورة الاختلاف فإنه يجب على المتسوغ أن يطالب بتلك الغرامة لدى المحكمة ذات النظر في الثلاثة أشهر الموالية  لتاريخ ابلاغ الاعلام بالخروج وبعد مضي هذا الأجل يفقد المتسوغ حق الالتجاء الى المحكمة.
ويشكل تقدير غرامة  الحرمان أهم الصعوبات العملية التي  تعترض القاضي عند النظر في القضايا المرفوعة من المتسوغين التجار المحرومين من تجديد  ايجاراتهم سواء على مستوى تحديد عناصر التقدير ( الفصل الأول ) او على  مستوى اعتماد تاريخ التقدير ( الفصل الثاني )
الفصل الأول : عناصر التقدير
اقتضى الفصل السابع من قانون 25 ماي 1977 أنه " يمكن للمسوغ  أن يرفض تجديد التسويغ ومع ذلك فإن المسوغ يجب عليه ..." أن يدفع  للمتسوغ المحروم من التجديد منحة تعرف بمنحة الحرمان تساوي الضرر  الحاصل بسبب عدم التجديد ويتضح ان رفض  تجديد التسويغ يؤدي الى  توقيف استغلال النشاط التجاري للمتسوغ وهذا التوقف يلحق حتما  اضرارا جسيمة بالمتسوغ باعتبار أنه يؤدي الى تلاشي الأصل التجاري  ويتعلق الأمر بالضرر الرئيسي الذي يشمل العناصر الجوهرية للأصل التجاري ( المبحث الأول ) أو بالضرر التبعي المشتمل على الخسارة التي تتولد من فقدان الأصل التجاري ( المبحث الثاني) وسنحاول التعرض الى طرق التقدير التي يمكن استعمالها لتقدير عناصر الضرر .ــــــــــــــ
المبحث الأول : تقدير الضرر الرئيسي :
يتضح من أحكام الفصل السابع من قانون 1977 أن غرامة الحرمان لها صبغة تعويضية بما انها ترمي الى جبر الضرر الذي لحق صاحب الأصل التجاري والناجم عن حرمانه من المحلات المكتراة(20) بالاضافة الى ذلك فإن غرامة الحرمان يجب أن تساوي الضرر الحاصل بسبب عدم التجديد . وبما أن الضرر الرئيسي الذي يلحق  المتسوغ من جراء رفض التجديد يتمثل في خسارة الحرفاء العنصر الأساسي والجوهري في الأصل التجاري من جهة ، وفقدان حق البقاء بالمكرى من جهة ثانية فإننا تنتعرض على التوالي الى تقدير قيمة الحرفاء ( فقرة أولى ) ثم الى تقدير قيمة حق الايجار (فقرة ثانية )
فقرة أولى : تقدير الحرفاء والسمعة التجارية
تجدر الاشارة في البداية الى أن القانون التونسي لا يميز بين الحرفاء والسمعة التجارية رغم انه يستعمل المصطلحين معا صلب الفصل 189 من م ت الذي يحدد فيه عناصر الأصل التجاري  وللسمعة التجارية تمثل الركيزة الأساسية لكسب الحرفاء باعتبار ان هؤلاء يمثلون مجموعة الأشخاص الذين يتعامل معهم التاجر على أساس العناصر الموضوعية المتمثلة في السمعة التجارية التي يتميز بها المحل التجاري الى جانب العنصر الشخصي الذي  يرتبط بالتاجر نفسه .
أما عن كيفية التقدير فقد اقتضت الفقرة الثانية من الفصل السابع من  قانون 1977 ان غرامة الحرمان تشمل بالخصوص قيمة الأصل التجاري عند التعامل وتضبط القيمة المذكورة حسب تقاليد المهنة ولتحديد تلك  القيمة يمكن ان تلتجأ المحاكم والخبراء في تقدير العنصر الجوهري للأصل التجاري الى طرق  مختلفة فنجد طريقة التنظير وتعني هذه الطريقة  أن يعتمد القاضي في تقدير قيمة الحرفاء على محلات تنظير يتولى الخبير  المنتدب البحث عنها واقحامها ضمن تقريـره
ــــــــــــــ
ليعتمدها القاضي فيما بعد  للتثبت من القيمة المحددة من قبل الخبير وترتكز طريقة التنظير على  اعتماد محلات مماثلة للمكرى الذي سيغادره المتسوغ المحروم من التجديد من  حيث القيمة الكرائية للمحل والمساحة المستغلة والموقع التجاري اذ  يفترض ان يكون محل التنظير مجاورا للمكرى محل النزاع الى جانب ذلك  فإن محل التنظير يجب ان يكون مماثلا من حيث قيمة البناء ونوعية  النشاط وما يعاب على هذه الطريقة هو ان عناصر التنظير تنعدم في  كثير من الأحيان اذ يصعب ان تتوفر في المحلات المنظر بها الشروط  الأساسية للتنظير المشار اليها آنفا ثم وعلى فرض توفر هذه العناصر فإن  قيمة الأصل التجاري المنظر به لا تحقق الضمانات الكافية للمتسوغ المحروم  بما ان عملية التقدير قد لا تعكس القيمة الحقيقية للأصل التجاري بسبب  عنصر المضاربة (21) .
ويمكن ان تقدر الغرامة بالاعتماد على معينات الكراء المعمول بها غير ان هذه الطريقة لا يمكن اعتمادها في القانون التونسي اذ هي تخالف النص  تماما فقد تكون قيمة الكراء مرتفعة في حين ان قيمة الأصل التجاري تكون منخفضة والعكس ممكنا اضافة الى ان المشرع تبني صراحة هذه الطريقة  لتقدير الغرامة في صورة رفض التجديد لاسترجاع المكرى(22) ويعتمدها  بالنسبة لتقدير غرامة الحرمان صلب الفصل السابع .
كما ان طبيعة النشاط التجاري المستغل بالمكرى لها اهمية بالغة في تقدير  الغرامة اذ تختلف هذه الأخيرة باختلاف النشاط فكمية السلع المنتجة يوميا  والتي يقع بيعها تصلح ان تكون عنصر تقدير هام كالمخابر مثلا او كذلك عدد امترددين على قاعات السينما فقيمةالأصل التجاري بالنسبة لهذه القاعات  ترتبط أساسا بنسبة تردد المتفرجين على قاعة السينما وبمبلغ المداخيل  المتحصل عليها(23).
ــــــــــــــ
وقد تعتمد المحاكم ولا خبراء عند تقديرهم لغرامة الحرمان على رقم المعاملات  الذي تم تحقيقه في السنة الأخيرةالتي سبقت المطالبة بتلك الغرامة  وتبدو هذه الطريقة الأقرب الى الواقع الا انها تبقى غير كافية باعتبار ان المعادلة بين رقم المعاملات وقيمة الأصل التجاري قد تنعدم احيانا  اذ يمكن أن  يكون رقم المعاملات مرتفعا بالرغم من ان الأصل التجاري يوجد في حالة  عجز مالي ويبدو ان الطريقة التي تمكننا من تقدير قيمة الغرامة بأقرب  ما يكون الى الواقع هي طريقة  اعتماد الأرباح المحققة خلال الثلاث سنوات  الأخيرةالتي سبقت المطالبة بغرامة الحرمان مع تطبيق للرقم المتحصل عليه  ضارب زيادة محدد وهذه الطريقة تتمثل في اعادة تكوين قيمة الصل  التجاري مع اعتماد المداخيل الصافية لهذا الأصل كركيزة لعملية التقدير  بزيادة ضارب مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النشاط التجاري المستغل  وموقع المحل وكذلك عرف ذلك النشاط.
إن أهمية النشاط التجاري المسوغ هي عنصر أساسي في تقدير غرامة الحرمان وبصفة أخص تقدير قيمة الحرفاء 
ويعتمد الخبراء والمحاكم في أغلب الحالات عنصر الربح وأحيانا عنصري الربح ورقم المعاملات معا او مقارنة ارباح الأصل التجاري موضوع النزاع مع ارباح اصول تجارية مماثلة(24) .
ولكن التساؤل الذي يمكن ان يطرح هو كيف يمكن اعتماد عنصر الربح في صورة التصريح الجبائي الخاطىء .لا نجد في الأحكام  الصادرة عن القضاء التونسي إجابة على هذا التساؤل ولكن لا شيء يمنع القاضي من اعتماد تصريح جبائي خاطىء ضرورة ان له  السلطة التقديرية الكاملة في تحديد عناصر غرامة الحرمان وعند الاقتضاء  تعديل تلك  التصريحات استنادا على أهمية النشاط التجاري.
ــــــــــــــ
وهذا يعني انه يمكن للقاضي تعديل التصريحات الجبائية الخاطئة واعتماد الارباح الحقيقية غير المصرح بها وقد أكدت محكمة التعقيب التونسية في قرارها المؤرخ  في 6 جانفي 1988 على السلطة التقديرية لقضاء الموضوع حيث جاء  فيه تقدير محكمة الموضوع لمبلغ التعويض مسألة موضوعية  راجعة لاجتهادها وليست لمحكمة التعقيب الصلاحيات لمراجعة تقديرها  طالما كان حكمها معللا بما له أصل في الأوراق "(25) وتجدر الاشارة الى أنه اذا لاحظ القاضي من خلال التصريحات المدلى بها أن الأرباح في ارتفاع فيجب  ان يشمل مبلغ التعويض النقص في الرباح الذي سيلحق المتسوغ المحروم من  التجديد والذي يحدده القاضي على ضوء تقرير الخبير استنادا على امكانية  تطورات التجارة .
ويتضح مما سلف بسطه أن طريقة التقدير بالاعتماد على الربح تحقق  للمتسوغ ضمانات لا تتضمنها الطرف الأخرى غير ان الارباح المحققة خلال  السنوات الأخيرة لا تعكس القيمة الحقيقية للأصل التجاري خصوصا اذا كان الأصل التجاري حديث النشأة .
أما اذا تم كراء الأصل التجاري فإنه يقع اعتماد معين الكراء الذي يدفعه الوكيل لمالك الأصل كمعيار لتقدير الغرامة(26) الا انه لا يجب التسليم بهذه الطريقة لأن معينات الكراء المدفوعة من الوكيل لا تعكس قيمة الأصل  التجاري عند التعامل .
إن جميع الوسائل الواقع ذكرها ما هي الا سبيل للقاضي لتمكينه من تقدير  قيمة الأصل التجاري عند التعامل حسب تقاليد  المهنة مثلما اقتضى ذلك  الفصل السابع من قانون 25 ماي 1977 رغم انه يصعب تحديد هذه  التقاليد .
ويبقى تقدير قيمة الأصل التجاري عند التعامل خاضعا في جانب كبير  للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع الا انه يجب ان تلتزم المحاكم  بمقتضيات الفصل السابع من قانون 25 ماي 1977 والا تعرضت أحكامها للنقض وقد  أكدت محكمة التعقيب التونسية هذا الاتجاه في قرارها المؤرخ في 20 ديسمبر  1989(27) .
-ـــــــــ
فقرة ثانية : نقدير قيمة حق الايجار
يكرس حق الايجار حق بقاء المتسوغ بالمحلات المكتراة حتى يضمن  استمرارية استغلال النشاط التجاري لذلك يكون حق الايجار العنصر الثاني  للضرر الذي يلحق المتسوغ المحروم من تجديد التسويغ الى جانب الحرفاء  العنصر الأساسي والأولي لذلك الضرر .
أما أهمية موقع المحل التجاري لبعض الأصول التجارية يؤثر على رقم  المعاملات للنشاط المستغل بالمكرى لذلك  يكون حق الايجار هاما في هذه الحالات كأهمية  الحرفاء باعتبار ان الغاية ليست الحصول على الايجار فحسب وانما  البقاء بموقع تجاري معين (28) .
ومسألة تقدير حق الايجار ضمن غرامة الحرمان تؤدي بنا الى التساؤل حول إقحام ثمن العتبـــة (  Pas de Porte) ضمن مبلغ التعويض وتعني بالعتبة او الخلو المبلغ المالي الذي يسلمه  المتسوغ لمالك العقار مقابل تمكينه من المكرى ومنذ القرن العشرين أصبح الخلو يرادف معنى حق الايجار " بعد أن كان  يعني امتياز التاجر بالحصول على مكرى يفتح مباشرة على الطريق  العام .
إن ثمن العتبة مخالف للقانون باعتبار ان حق المتسوغ في تجديد الايجار  أساسه القانون وليس عقد التسويغ وأن البنود والشروط والاتفاقات التي  من شأنها النيل من حق التجديد المحدث بهذا القانون تكون لاغية ولا عمل  بها مهما كان شكلها – الفصل 32 من قانون 25 ماي 1977 – وبما أن حق  التجديد يمكن المتسوغ من مطالبة مالك العقار بغرامة الحرمان في صورة  رفض التجديد من هذا الأخير فإن اعتبار الخلو كمقابل لحق التجديد  يمكن المسوغ من التفصي من دفع غرامة الحرمان والتحيل  على مقتضيات الفصل 32 من قانون 1977 التي تهم النظام العام .
ــــــــــــــ
وتجدر الاشارة الى أنه بالرغم من أن ثمن العتبة يعد لاغيا قانونيا الا انه  على المستوى العملي  يقع  العمل به بين المسوغين والمتسوغين  لذا نرى وأن  الخلو لا يدخل ضمن مبلغ التعويض المسند للمتسوغ بعنوان غرامة الحرمان  وانما يمكن للقاضي ان يقحم ثمن العتبة في غرامة  الحرمان من طريق  التعويض الجملي دون ان يخصص معينا من التعويض للخلو مثلما هو الشأن للحرفاء وبقية عناصر الأصل التجاري ، خاصة وان الفقرة الثانية من الفصل السابع من قانون 1977 توجب على القاضي ان يضبط قيمة الأصل التجاري حسب تقاليد المهنة عند تقديره لقيمة غرامة الحرمان(29).
أما عن حق الايجار في ذاته فيمكن  ان يكون له دور هام في تقدير غرامة  الحرمان  بحسب نوع النشاط المستغل بالمكرى لذلك فهو يدخل ضمن عناصر  تحديد غرامة الحرمان ضرورة انه لا شيء يمنع قانونا من اقحام حق الايجار  ضمن مبلغ الغرامة المذكورة خاصة وان الفصل السابع يتحدث عن قيمة  الأصل التجاري عند التعامل  والتي تضبط حسب تقاليد المهنة اضافة الى أن الفقرة الأولى من الفصل المذكور توجب ان تكون غرامة الحرمان مساوية  للضرر الحاصل بسبب عدم التجديد .
وهذه الأحكام ذات مفعول عام تشمل كافة عناصر الأصل التجاري عند تقدير غرامة الحرمان ضرورة ان المشرع اورد على سبيل الذكر ولا الحصر مشمولات  تلك الغرامة باستعماله في الفقرة الثانية لفظة بالخصوص . يمكن القول  إذن أن فقدان المتسوغ لحق الايجار يمكن هذا الأخير من المطالبة بتعويضه من  بين بقية عناصر الأصل التجاري .
ونشير في الختام أن قيمة الأصل التجاري عند التعامل تشمل  الضمان العادي الذي يمكن ان يتحصل عليه المتسوغ مقابل التفويت في حقوقه  عن الأصل التجاري في نفس الظروف المكانية والزمانية لتلك العملية .
ــــــــــــــ
لذلك فإنه اضافة الى عنصري الحرفاء وحق الايجار يمكن ان تشمل غرامة  الحرمان قيمة السلع التابعة للأصل التجاري اذا كان الانتصاب من جديد غير  ممكن او اذا كان الحل الانسب هو تصفية السلع حيث ما توجد ، ويجب الأخذ  بعين الاعتبار طبيعة الاستغلال والظرف الزمني  الذي ينتفع به المتسوغ  لتصفية مخزون السلع عند تقدير غرامة الحرمان(30).
ويتضح  مما سلف بسطه أن تقدير العناصر الاساسية لغرامة الحرمان يرتبط بالطريقة المتبعة في التقدير  ويبدو ان المحاكم والخبراء يحاولون التنسيق بين الطرف المشار اليها أعلاه وذلك بالاعتماد على تقاليد المهنة وطبيعة النشاط التجاري المستغل .
المبحث الثاني : تقدير الضرر التبعي
إضافة الى الضرر الرئيسي الذي يلحق المتسوغ من جراء رفض التجديد يشمل مبلغ التعويض المقدر بعنوان غرامة الحرمان الضرر التبعي الذي يتسبب فيه مالك العقار بحرمان المتسوغ من مواصلة استغلال نشاطه  التجاري ، اذ اقتضت الفقرة الثانية من الفصل السابع من قانون 1977 أن  غرامة الحرمان تشمل قيمة الأصل التجاري عند التعامل وتضاف  اليها المصاريف العادية للنقل والانتصاب من جديد وكذلك المصاريف  ومعاليم التسجيل الواجب دفعها في صورة شراء أصل تجاري له نفس  القيمة .
وتنتج الاضرار التبعية بسبب التوقيف الوقتي لاستغلال النشاط التجاري ( فقرة أولى) ثم ان شراء  أصل تجاري آخر يؤدي بالمتسوغ الى دفع مصاريف  اضافية لاستيفاء عملية الشــراء ( فقرة ثانية )
ــــــــــــــ
فقرة أولى : تقدير الضرر الناجم عن توقيف الوقتي للاستغلال
إن انتقال المتسوغ من المكرى الذي كان يشغله والانتصاب من جديد  بمحل آخر يقتضي منه توقيف استغلال النشاط التجاري لفترة قد  تطول أو تقصير حسب نوعية النشاط وما يتطلبه من وقت لذلك الغرض وينتج عن ذلك التوقيف نقص في الارباح  الى جانب الاضرار الأخرى المشار اليها آنفا . لذلك يجب على القاضي أن يأخذ بعين الاعتبار ذلك النقص عند تقديره  لغرامة الحرمان وقد اعتبرت محكم التعقيب  التونسية أن غرامة الحرمان  تشمل النقص في الأرباح الذي يلحق المتسوغ من جراء  رفض التجديد وأكدت على هذا الاتجاه في قرارها المؤرخ في 10 جوان 1977 حيث جاء فيه أن  منحة الحرمان تساوي  الضرر الحاصل بسبب عدم تجديد التسويغ  ولا تكون أقل من قيمة الأصل التجاري ويراعي في تقديرها جميع فروع الخسائر التي  تلحق بالمتسوغ والربح الذي حرم منه والحرفاء والسمعة  التجارية (31) .
ويتطلب تقدير غرامة الحرمان في هذه الصورة تحديد المدة التي تمتد بين  تاريخ توقيف النشاط المستغل بالمكرى والتاريخ الذي يستطيع فيه المتسوغ الانتفاع باستغلال الأصل التجاري الجديد(32) . ويمكن تقدير الضرر الناشىء  عن نقص الارباح بالاستناد  على الحسابية التي يمكسها التاجر المتسوغ .
فضلا عن ذلك فإن توقيف استغلال النشاط التجاري يؤدي بالمتسوغ المحروم  من التجديد الى ايقاف الأجراء اللذين يشتغلون معه ، عن عملهم وحينئذ  نتسائل هل يحق لهؤلاء  الأجراء المطالبة بغرامة الطرد ؟
ــــــــــــــ
إن قطع العلاقة الشغلية بسبب توقيف الاستغلال لا يمكن الحاقه بصورة انهاء  عقد الشغل  بسبب غلق المؤسسة لأن هذه الحالة تفترض وجود تصرفات من  قبل المستخدمين التي جعلت سير عمل المؤسسة مستحيلا . كما لا يمكن الحاقه بتوقيف النشاط باعتبار ان توقيف النشاط لا يمكن نسبته الى المؤجر ( المتسوغ ) في صورة الحال لذلك لا يمكن للأجراء  مطالبة مؤجرهم بغرامات  الطرد على أساس توقيف النشاط فهل يمكن تأسيس الدعوى على الفصل 22 من م ش ؟
نصّ الفصل 22 من م.ش على أن "كل عامل مرتبط بعقد لمدة غير محدودة وقع طرده بعد ستّة أشهر قضاها في للعمل فعلا يستحق منحة طرد تقدّر بنسبة أجر يوم لكل شهر حقيقي في نفس اعمل. ويعتبر في ذلك الأجر المقبوض عند الطرد – مع مراعاة جميع الامتيازات التي لم تكن لها صبغة ترجيع مصاريف. ولا يمكن أن تفوق هذه المنحة أجر ثلاثة أشهر – مهما كان طول مدّة العمل – كلّ هذا إلا في صورة وجود شروط أحسن جاء به القانون أو الاتفاقيات المشتركة أو الخاصّة".
مبدئيا لا شيء يمنع من المطالبة بغرامات الطرد على أساس الفصل 22 من م.ش طالما أن قطع العلاقة الشغليّة لا يندرج ضمن أي حالة من الحالات المنصوص عليها صلب مجلة الشغل. بل أكثر من ذلك يمكن أن تشمل غرامة الحرمان غرامات الطرد، فعملا بمقتضيات الفصل السابع من قانون 25 ماي 1977 يجب أن تعوّض غرامة الحرمان كامل الضرر الحاصل بسبب عدم التجديد، وبما أن طرد الأجراء نتج عن رفض التجديد فإنّ غرامات الطرد تدخل بالضرورة ضمن مبلغ غرامة الحرمان وقد تبنت المحاكم التونسية هذا الاتجاه باحتشام إذا اعتمدت المحكمة الابتدائية بتونس في مادة غرامة الحرمان إختبارا أقحم ضمن مبلغ تلك الغرامة غرامات الطرد التي سيجبر المتسوّغ على دفعها إلى أجرائه (33).
بيد أنه لا يجوز تعميم هذا الحل ضرورة أنّ غرامة فصل العمّال لا تستحق إلا إذا استحال على المتسوغ الانتصاب من جديد ومواصلة استغلال نفس النشاط التجاري حيث يستمر أجراؤه في نفس العمل.
فقرة ثانية: تقدير مصاريف النقل والشراء والتسجيل
قد ينتج عن رفض تجديد التسويغ تلاشي بعض عناصر الأصل التجاري ورغم ذلك يحاول المتسوّغ الانتصاب من جديد بمحلّ آخر لمواصلة استغلال نشاطه التجاري – وفي هذه الصورة تشمل غرامة الحرمان إضافة الى "قيمة الأصل التجاري عند التعامل ... المصاريف العاديّة للنقل والانتصاب من جديد وكذلك المصاريف ومعاليم التسجيل الواجب دفعها في صورة شراء أصل تجاري له نفس القيمة ..." – الفقرة الثانية من الفصل السابع من قانون 1977.
إلا أنّه بإمكان المتسوّغ أن يحافظ على أصله التجاري رغم رفض التجديد وذلك بانتصابه بمحل مجاور وفي هذه الصورة ينحصر مبلغ التعويض على مصاريف النقل والانتصاب من جديد فحسب.
وقد أكدّ القضاء التونسي على ضرورة احتساب مصاريف النقل والانتصاب من جديد ضمن مبلغ غرامة الحرمان(34) وأقرّه القضاء الفرنسي منذ زمن طويل.
وتحتسب هذه المصاريف بالاستناد على الفواتير المقدمة من قبل المتسوّغ إذا اتضّح في تاريخ صدور الحكم أنّ هذا الأخير قد غادر المكرى وانتصب بالمحل الجديد أمّا إذا بقي المتسوّغ بالمحل فإن المحكمة تقدّر تلك المصاريف جزافا(35).
اضافة إلى مصاريف النقل والانتصاب تشمل غرامة الحرمان مصاريف شراء أصل تجاري جديد ومعاليم التسجيل إذا أدّى رفض التجديد الى خسارة الأصل التجاري المستغل بالمكرى – وقد أقرّ كلّ من فقه القضاء التونسي والفرنسي هذه المصاريف واعتبرها كعنصر من عناصر الضرر الذي يلحق المتسوّغ المحروم من التجديد يجب احتسابه ضمن مبلغ غرامة الحرمان.
ــــــــــــــ
وتعتمد المحاكم في تقدير مصاريف الشراء على تقارير الخبراء الذين يستندون الى تقاليد المهنة في تحديد مبلغ التعويض – أما مصاريف التسجيل فهي مرتبطة بثمن الشراء.
وتحتسب مصاريف الشراء والتسجيل مثلما هو الشأن لمصاريف النقل والانتصاب بحسب إن غادر المتسوغ المكرى أو لم يغادره عند صدور الحكم ...
وتجدر الإشارة الى أن فقه القضاء التونسي يؤكد على أن تشمل غرامة الحرمان جميع عناصر الضرر التي تلحق المتسوغ المحروم من التجديد ويحرص على أن لا تقل عن قيمة الأصل التجاري حتى وإن كان المتسوغ يملك أصلا تجاريا آخرا (36).
وهذا ما جاء في القرار التعقيبي الصادر في 22 مارس 1984 إذ اقتضى أن "غرامة الحرمان من المكرى التجاري لا تكون بحال أقل من قيمة الأصل التجاري ولو كان المكتري يملك أصلا تجاريا آخرا".
وفي الختام نذكر أن المحاكم كثيرا ما تقتصر على التقدير الوارد بتقارير الخبراء المنتدبون من قبلها رغم أن قضاة الموضوع يتمتعون بالسلطة التقديرية في تحديد عناصر الضرر وتقدير مبلغ غرامة الحرمان تبعا لذلك.
ويعود ذلك إلى عدم وجود طرق حسابية مضبوطة لتقدير قيمة الأصل التجاري كما هو الشأن بالنسبة لتقدير القيمة الكرائية العادلة عند تعديل الأكرية التجارية مثل طريقة التنظير ونسبة إرتفاع الأسعار.
وهذه العناصر الواردة بالفصل 22 من القانون 1977 لا يمكن اعتمادها عند تقدير غرامة الحرمان لأن ذلك يبعدنا عن ضبط قيمة الأصل التجاري عند التعامل مثلما أكد على ذلك الفصل السابع من القانون المذكور.
ولئن كان تحديد عناصر تقدير غرامة الحرمان يشكل صعوبات عملية أمام المحاكم والخبراء فإن تحديد تاريخ ذلك التقدير يشكل أكثر صعوبة وسيكون هذا موضوع الفصل الموالي.
ــــــــــــــ
الفصل الثاني: تاريخ التقدير
لم يضبط المشرع التاريخ الذي يجب أن يعتمده القاضي في تقدير غرامة الحرمان والحال أنه يمكن أن تمر فترة زمنية طويلة بين تاريخ الإعلام بالخروج أو برفض التجديد والتاريخ والذي يتمكن فيه المتسوغ من الانتصاب من جديد بمحل آخر، ثم إن دعوى تقدير غرامة الحرمان قد تطول نسبيا، في حين أن قيمة العناصر المعتمدة لتحديد غرامة الحرمان تتغير من حين لآخر وتخضع للتقلبات الاقتصادية.
إن غرامة الحرمان يجب أن تشمل كامل الضرر الذي لحق المتسوغ فعليا. لذلك يجب مبدئيا، أن ينتظر القاضي خروج المتسوغ من المحل وانتصابه بآخر ليضبط قيمة الخسائر، لذا لم يقع إقرار لا تاريخ انتهاء الإيجار ولا تاريخ رفض التجديد ولا تاريخ التنبيه بالخروج ...
ولا نجد أي بيان ضمن احكام قانون 25 ماي 1977 يشير إلى التاريخ الذي يجب اعتماده عند تقدير غرامة الحرمان. ويمكن للمحاكم أن تعتمد تاريخين عند تقدير مبلغ التعويض، تاريخ الحرمان القانوني (المبحث الأول) وتاريخ الحرمان الفعلي (المبحث الثاني).
المبحث الأول: اعتماد تاريخ الحرمان القانوني
يقتضي تاريخ الحرمان القانوني اعتماد التاريخ الذي توقف فيه المتسوغ عن شغل المحل بصفة قانوني، عند تقدير غرامة الحرمان (فقرة أولى). وقد اعتمدت المحاكم هذا التاريخ ثم تخلت عنه للسلبيات التي نتجت عنه (فقرة ثانية).
فقرة أولى: التوقيف القانوني لشغل المكرى
نذكر أن الفصل الرابع من قانون 25 ماي 1977 اقتضى وأن أكرية المحلات الخاضعة لهذا القانون لا تنتهي إلا بتنبيه بالخروج يقدم في أجل ستة اشهر من قبل، خلافا لمقتضيات الفصليـن
ــــــــــــــ
 791 و792 من م.إ.ع. فعقد التسويغ في القانون العام ينتهي بانتهاء المدة المحددة بالعقد دون حاجة إلى توجيه تنبيه للمتسوغ إلا إذا كان العقد غير محدد المدّة.
أما بالنسبة للأكرية التجارية فقد خصّها المرّشع بقواعد محدّدة. فإذا كان عقد الإيجار التجاري محدّد المدّة فإن شغل المكرى من قبل المتسوغ يتوقف قانونيا عند انتهاء تلك المدّة شريطة أن يوّجه مالك العقار تنبيها بالخروج ستة أشهر من قبل.
وإذا تجدد الإيجار تجديدا ضمنيا لعدم توجيه التنبيه من قبل المسوّغ في الأجل القانوني قبل نهاية مدة العقد، أو تجديدا صريحا باشتراط تجديد مدة الكراء بصفة صريحة ضمن عقد التسويغ في صورة عدم توجيه تنبيه بالخروج، فإن التوقيف القانوني لشغل المكرى يكون عند انتهاء المدة المجددة أي ستة أشهر بعد تاريخ الإعلام بالخروج.
وأما إذا كان عقد التسويغ غير محدد المدة فإن الكراء ينتهي بعد ستة أشهر من تاريخ الإعلام برفض التجديد. لذلك لا يمكن اعتماد تاريخ توجيه الإعلام برفض التجديد من قبل مالك العقار كتاريخ لتوقيف شغل المكرى بصفة قانونية.
ويقتضي اعتماد تاريخ التوقيف القانوني لشغل المكرى عند تقدير غرامة الحرمان الإستناد إلى هذا(37) التاريخ الذي ينتهي فيه عقد الإيجار بصفة قانونية حسب الحالات المشار إليها آنفا.
ويستند فقد القضاء التونسي بصفة ضمنية إلى هذا التاريخ وقد اعتمده القضاء الفرنسي أيضا.
فالضرر يجب ان يقدر في الوقت الذي يتوقف فيه المتسوغ عن شغل المحل بصفة قانونية.
وهذا يعني أن تقدير الضرر يكون في التاريخ الذي ينشأ فيه حق التعويض.
وهذه الطريقة تجبر القاضي على تقدير الخسارة في تاريخ يصبح في اغلب الحالات بعيدا جدا عن تاريخ حصول الضرر الفعلي باعتبار أن المتسوغ يواصل استغلال نشاطه التجاري إلى حين مغادرة المكرى وإتمام عمليات النقل والانتصاب مما يجعل تقدير الضرر يكون بمبلغ أقل من قيمته الحقيقية.
ــــــــــــــ
فقرة ثانية: السلبيات الناشئة عن اعتماد هذا التاريخ
يجدر التذكير إلى أن غرامة الحرمان يجب أن تعوض كامل الضرر الذي يلحق المتسوغ المحروم من التجديد.
وهذا التعويض يجب أن يكون مساويا للضرر الحاصل بسبب عدم التجديد.
الفصل 7 فقرة 1 من قانون 25 ماي 1977.
غير أن اعتماد تاريخ الحرمان القانوني يكوّن حاجزا أمام القاضي في تقدير القيمة الحقيقية للضرر خاصة الضرر التبعي المشتمل على مصاريف النقل والانتصاب وكذلك المصاريف ومعاليم التسجيل الواجب دفعها في صورة شراء أصل تجاري ... ضرورة أن هذا الضرر لا ينشأ إلا في تاريخ لاحق عن التاريخ الذي يتوقف فيه المتسوغ غن شغل المكرى بصفة قانونية. فضلا عن ذلك فقد مكّن المشرّع المتسوغ من البقاء بالمكرى إلى حين يتم الدفع الفعلي لغرامة الحرمان إذ اقتضى الفصل 19 من قانون 1977 أنه" لا يجوز إجبار أي متسوغ يمكنه إدعاء استحقاقه لغرامة الحرمان أو لاحدى الغرامــات المنصوص عليها بالفصلين 9 و16 من هذا القانـون على الخروج من المحلات قبل اتصالـه بالغرامة..."
وحق البقاء الذي منحه المشرع للمتسوغ المحروم من التجديد يتعارض مع اعتماد تاريخ الحرمان القانوني عند تقدير غرامة الحرمان رغم أن المشرع يستدرك في نفس الفصل المذكور ويمكن مالك العقار من إخراج المتسوغ من المحل التجاري مقابل دفع غرامة وقتية يقدرها رئيس المحكمة الابتدائية الذي يرفع إليه الأمر ويحكم فيه طبق الشروط المنصوص عليها بالفصل 28 من قانون 25 ماي 1977.
ويبدو أن إجراءات الفصل 28 التي تتعلق بالقضاء المستعجل، وإن كانت تتماشى مع تقدير الغرامة المنصوص عليها بالفصل 9 من قانون 1977، لا يمكن تطبيقها في مادة غرامة الحرمان نظرا للصعوبات التي تحيط بعناصر تقدير الضرر كما سبق بيانها.
ــــــــــــــ
ونشير إلى أن تقدير الغرامة الوقتية تنطبق عليه إجراءات القضاء المستعجل حسبما ورد بالفصل 28 من قانون 1977 الذي أحال له الفصل 19 عندما يقع البتّ في النزاع المتعلّق بذلك التقدير، "على أن أجل الحضور خلافا لمقتضيات الفصلين 203 و209 من م.م.م.ت لا يمكن أن يكون أقل من ثمانية أيام".
لكن هل أنّ الحكم الذي يصدر في تقدير تلك الغرامة الوقتية هو حكم عادي أم حكم استعجالي؟
تتمحور أهمية هذا السؤال حول مسألة استئناف وتنفيذ ذلك الحكم هناك فرضيتان، الأولى تعتبر أن ذلك الحكم هو حكم عادي واستئنافه يوقف التنفيذ. وهذه الفرضية تفرغ الفصل 19 من محتواه باعتبار أنها تعيدنا إلى الاجراءات العادية وقد تطول إجراءات التقاضي مثلما هو الأمر بالنسبة لتقدير الغرامة النهائية.
أما الفرضية الثانية – وهي التي تتطابق حسب رأينا مع منطوق الفصل 28 وروح الفصل 19 من قانون 1977 – فتعتبر ذلك الحكم استعجاليا واستئنافه لا يوقف التنفيذ ضرورة ان التنفيذ يخصّ الإجراءات والمشرع جعل اجراءات الفصل 28 اجراءات استعجالية واستثنى حالتين فقط ضمن الفقرة الأخيرة من الفصل المذكور التي اقتضت "أن أجل الحضور خلافا لمقتضيات الفصلين 203 و209 من م.م.م.ت لا يمكن أن يكون أقلّ من ثمانية أيام" وأنّ "استئناف القرارات الصادرة طبقا للقانون العام يعطّل التنفيذ". ولو كانت إرادة المشرع تتجه نحو اعتبار الحكم الصادر في تقدير الغرامة الوقتية حكما عاديا لنصّ على ذلك صراحة.
إضافة إلى ذلك فإنّ مقتضيات الفصل 19 تتضارب مع حقّ المتسوّغ في نقل أصله التجاري بمحل آخر باعتبار أن إجراءات الفصل 28 هي إجراءات مستعجلة ولا تترك للمتسوّغ المحروم من التجديد الوقت الكافي للبحث عن محلّ آخر ينتصب به.هذا ما جعل المشرع الفرنسي يعدّل الفصل 20 من أمر 30 سبتمبر 1953 بمقتضى القانون عدد 57-6 المؤرخ في 5 جانفي 1957 ويلغي حقّ مالك العقار في إخراج المتسوغ من المكرى مقابل دفع غرامة وقتية.
ــــــــــــــ
ويتضح ممّا سلف بسطه أنّ حقّ بقاء المتسوغ بالمكرى يشكّل حاجزا قانونيا لاختيار تاريخ الحرمان القانوني واعتماده في تقدير غرامة الحرمان – ومن جهة أخرى فإنّ عناصر الضرر قد تتغير بنسبة كبيرة، بسبب التقلبات الإقتصادية، من تاريخ الحرمان القانوني غلى حين صدور الحكم. لذلك يعدّ تقدير الضرر في تاريخ الحرمان القانوني تقديرا غير عادل لأنه يحرم المتسوغ من جزء هام من الخسارة التي تلحق به.
كلّ ذلك يجعلنا لا نعتمد تاريخ الحرمان القانوني في جميع الحالات ويجب حينئد أن نستمد من مبادئ تقدير الخسارة في مادة المسؤولية المدنية هذه المبادئ التي تمثل القانون المنطبق على جميع المراد الأخرى.
المبحث الثاني: اعتماد تاريخ الحرمان المادي
للحدّ من نقائص تاريخ الحرمان القانوني وقع اعتماد تاريخ الحرمان المادي وهذا يقتضي من القاضي تقدير غرامة الحرمان في التاريخ الذي غادر فيه المتسوغ المكرى بصفة فعلية.
كما أن لا شيء يمنع مبدئيا من اعتماد المبادئ العامة لتقدير التعويض عن المسؤولية المدنية في مادة غرامة الحرمان، معنى أن القاضي يقدّر قيمة التعويضات التي يستحقّها المتسوّغ المحروم في التاريخ الذي يبت فيه في النراع.
وحسب رأينا فإنّ تاريخ التقدير يجب أن يكون التاريخ الذي يستطيع فيه القاضي القيام بتقدير عادل، وعندئذ على القاضي أن يتحقق من الضرر الفعلي والحقيقي الذي لحق المتسوّغ ليتوصل إلى ذلك التقدير.ويمكن أن نؤيد هذه الفرضية بمفهوم "قيمة الأصل التجاري عند التعامل" بما أنّ هذه القيمة يجب أن تكون مساوية للثمن الذي يحقّ للبائع أن يتحصّل عليه من عملية بيع عادية حسب الشروط والظروف الزمنية. ويستشف من ذلك أن التقدير يجب أن يقع في تاريخ يكون فيه القاضي قادرا على تقدير الأصل التجاري بدقّة.
غير أنّ هذه الطريقة لا يمكن تعميمها إذ يجب أن نفرّق بين حالتين – الحالة الأولى هي التي يكون فيها المتسوّغ قد غادر المكرى في تاريخ صدور الحكم (فقرة أولى) والحالة الثانية هي التي يبقى فيها المتسوّغ يالمحلّ يوم صدور الحكم (فقرة ثانية).

فقرة أولى: مغادرة المتسوّغ للمكرى
قد يحصل أن يغادر المتسوّغ المحروم من التجديد المحلّ التجاري بعد أن يقع إعلامه من قبل المسوّغ برفض التجديد والخروج في الآجال المحدّدة صلب التنبيه غير أنّ هذه الفرضية تعدّ استثناءا للقاعدة التي تمنح المتسوّغ حقّ البقاء بالمكرى عملا بأحكام الفصل 19 من قانون 25 ماي 1977 حتّى يدفع له مالك العقار غرامة وقتية أو غرامة الحرمان ذاتها.
إلا أنه إذا تبين للقاضي يوم فصله في النزاع وأنّ المتسوّغ قد غادر المحلّ التجاري فإنّ ذلك يتطلب من القاضي الرجوع إلى التاريخ الذي غادر فيه المتسوّغ ليقدر قيمة التعويض عن الضرر الذي لحقه.
وقد وقع تطبيق هذه الطريقة في العديد من المناسبات من قبل المحاكم الفرنسية مؤكدة على أن التاريخ الذي يقع اعتماده في التقدير هو التاريخ الذي ينشأ فيه الضرر بمعنى آخر تاريخ خروج المتسوّغ من المكرى، كما أيّد بعض الفقهاء هذا الرأي (38).
ويمكن للمحاكم التونسية أن تطبق هذا الحلّ فتعتمد تاريخ خروج المتسوّغ من المكرى عندما تبث في النزاع ضرورة أن هذا الحلّ يمكّن من تقدير غرامة الحرمان بصفة عادلة ومساوية للضرر الحقيقي الذي يلحق المتسوغ المحروم من التجديد وهذا لعمري يتفق من ناحية مع أحكام الفصل السابع من قانون 1977 الذي اقتضى أن تساوي غرامة الحرمان الضرر الحاصل بسبب عدم التجديد – الفقرة الأولى الفصل السابع من قانون 1977 – ومن ناحية ثانية فهو يتطابق مع المبادئ التي تفرض أن لا يتجاوز التعويض الضرر الذي يلحق الشخص بسبب الأفعال المنشئة للمسؤولية.
وكلّ هذه المبادئ العامة وكذلك المبادئ الخاصة تبعد القاضي عن الوقوع في المحضور وعن إسناد المتسوّغ تعويضات أكثر مما يستحق فيتسبب في إثراء هذا الأخير على حساب مالك العقار وهو ما لا يبيحه القانون ولا العدل والإنصاف.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الفرضيّة المتعلقة بخروج المتسوّغ من المحلاّت قبل البتّ في النزاع، ولا تثير صعوبات تطبيقية على خلاف الصورة التي يمارس فيها المتسوّغ حقّه في البقاء بالمكرى (39) .
ــــــــــــــ
فقرة ثانية: بقاء المتسوغ بالمكرى
تشكّل هذه الفرضية القاعدة بما أنه لا يجوز إجبار المتسوغ على الخروج من المحلات قبل اتصاله بالغرامة – الفصل 19 فقرة أولى من قانون 1977 – فإذا كان المتسوغ في تاريخ صدور الحكم، ما يزال موجودا بالمحلات فإن تقدير الضرر يكون في أقرب تاريخ يقترن بالمغادرة الفعلية للمتسوغ من المحل التجاريـ أي تاريخ صدور الحكم بالتعويض.
ويعتمد الفقه والقضاء الفرنسيّين عند تقدير غرامة الحرمان تاريخ صدور الحكم أو تاريخ القرار الاستئنافي الذي يقرّ الحكم المنشئ للحق.
إنّ غرامة الحرمان يجب أن تقدّر في أقرب تاريخ يقترن بتحقق الضرر فيكون ذلك التاريخ عندئذ تاريخ القرار الاستئنافي إذا بقي المتسوّغ بالمحلات في هذا التاريخ. لذلك فإنّ القرار الاستئنافي الذي يقتصر على اعتماد تقدير قضاة الدرجة الأولى دون أن يتثبت ما إذا تفاقم الضرر في تاريخ البتّ في النزاع يستوجب النقض.
ويتضح ممّا سلف بسطه أنّه يمكن تطبيق المبادئ التي كرّسها فقه القضاء في مادة المسؤولية المدنيّة على غرامة الحرمان فيما يتعلق بتاريخ التقدير.
بيد أنّ ضرورة تقدير غرامة الحرمان في أقرب تاريخ يقترن بالخروج الفعلي للمتسوّغ من المحل تتلقّى ثلاث استثناءات – أوّلا إذا نصّ الحكم الذي اتصل به القضاء على اعتماد تاريخ آخر. ثانيا إذا وجد اتفاق بين الطرفين يضبط مبلغ غرامة الحرمان. ثالثا وحسب محكمة التعقيب الفرنسية إذا وقع استئناف الحكم الذي يلزم المسوّغ بدفع غرامة الحرمان، من قبل هذا الأخير باعتبار أنّ قضاة الدرجة الثانية لا يمكنهم الرفع في مبلغ الغرامة التي قبلها المتسوّغ، إلا إذا قام هذا الأخير باستئناف عرضي، ففي هذه الصورة لا يعمل بهذا الاستثناء.ــــــــــــــ
إذن يجب أن تقدر غرامة الحرمان في أقرب تاريخ ممكن للحرمان الفعلي للمتسوّغ وتقتضي هذه القاعدة من قضاة الاستئناف أن يبحثوا إن كان الضرر الذي لحق المتسوّغ المحروم قد تفاقم منذ صدور الحكم (40).
كما يجب أن يتم الإذن بإجراء اختبار ثان إذا كان الاختبار المستند عليه قد تمّ منذ وقت طويل، أو الإكتفاء بتعديله مع الأخذ بعين الاعتبار الارتفاع الذي يطرأ على قيمة الأصول التجارية في النشاط موضوع النزاع.
وتجدر الإشارة إلى أنه يجب التفريق بين التاريخ الذي يجب اعتماده عند تقدير غرامة الحرمان وتاريخ تقدير توفّر شروط اكتساب المتسوّغ الحق في تلك الغرامة. وقد فرقت محكمة التعقيب الفرنسية بصفة جليّة بين هذين التاريخين إذ جاء بإحدى قراراتها "... إذا كان تقدير عناصر الضرر التي تكوّن الأصل التجاري يجب أن يتم في أقرب تاريخ للحرمان، عند تحديد غرامة الحرمان، فإنّ مكونات ذلك الأصل يجب أن تقدر في تاريخ رفض التجديد...".
وفي الختام نشير إلى أنّ حق البقاء بالمكرى يعدّ ضمانا للمتسوّغ المحروم من حقّ التجديد، يكفل له إلى حدّ ما، دفع غرامة الحرمان من قبل المسوغ. وفي المقابل فإنّ حقّ البقاء يمكّن المسوّغ من التخلص من دفع غرامة الحرمان وذلك بممارسة حقّه في التراجع عن رفض التجديد ما يسمّى بالفرنسية "Droit de repentir" المنصوص عليه بالفصل 30 من قانون 25 ماي 1977. إلا أنّ المشرّع أخضع ممارسة هذا الحقّ من قبل المسوّغ لعدّة شروط سعيا إلى المحافظة على حقوق المتسوّغ ذلك أنّ مالك العقار لا يمكنه أن يتخلص من دفع غرامة الحرمان إلا إذا عبّر عن رغبته تلك في أجال محدّدة. فإذا صدر عليه الحكم وتعلّق الأمر بحكم ابتدائي فله أن يمارس ذلك الحق في ظرف خمسة عشر يوما ابتداء من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائيا. ولكي يصبح الحكم كذلك يجب أن تمرّ آجال الاستئناف بعد الإعلام بالحكم دون أن يقع استئنافه من الطرفين أما إذا تعلّق الأمر بحكم استئنافي فيمكن للمسوّغ أن يتخلص من دفع الغرامة في ظرف خمسة عشر يوما من تاريخ صدور الحكم.وهذه الآجال هي آجال قصوى يستطيع خلالها مالك العقار ممارسة ذلك الحقّ (41)
ــــــــــــــ
وهذا يعني أنّه بإمكانه أن يمارس حقّه قبل تلك الآجال أي حتى أثناء نشر القضية لدى الاستئناف.
فضلا عن ذلك، إذا عدل مالك العقار عن إخراج المتسوّغ من المحلّ مقابل التخلّص من دفع غرامة الحرمان خلال الآجال المذكورة أعلاه، فإنه يتحتّم عليه أن يتحمّل مصاريف القضيّة ويقبل تجديد التسويغ الذي تعيّن شروطه في صورة عدم الإتفاق طبق تراتيب الفصل 28 من قانون 1977.
ويجدر التذكير أنّ مالك العقار لا يستطيع ممارسة الحق المنصوص عليه بالفصل 30 فقرة 2 من قانون 1977 إلا إذا كان المكتري مستمرا على البقاء بالمحلّ، أو كذلك إذا لم يسبق له كراء او شراء عقار آخر. ويكفي أن يتوفر أحد هذين الشرطين حتّى يصبح المسوّغ عاجزا عن استعمال ذلك الحقّ.
فسواء غادر المتسوّغ المكرى أو سوّغ عقارا أخر فإنّ المالك لا يستطيع أن يتراجع عن إخراج المتسوّغ من المحلّ إلا إذا وافق هذا الأخير عن ذلك.









عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية