الذخيرة القانونية

موقع يتعلق بالقانون التونسي

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

العمل الرقابي لقاضي تنفيذ الععقوبات : الجزء الأول : مجال المراقبة


العمل الرقابي لقاضي تنفيذ الععقوبات : الجزء الأول : مجال المراقبة

حدّد المشرع التونسي إطار المراقبة المسندة لقاضي تنفيذ العقوبات في العقوبة السالبة للحرية المقضاة بالمؤسسات السجنية (فقرة أولى) دون غيرها وهو ما يدعونا إلى النداء بضرورة امتداد هذه المراقبة إلى عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة (فقرة ثانية).
 

فقرة أولى: العقوبة السالبة للحرية

       ينص الفصل 342 مكرر م.ا.ج المضاف بموجب القانون عدد 77 لسنة 2000 والمتعلق بإرساء مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات "يتولى قاضي تنفيذ العقوبات مراقبة تنفيذ العقوبات السالبة للحرية المقضاة بالمؤسسات السجنية..."
       من خلال هذا النص يتضح أن تدخل قاضي تنفيذ العقوبات ينحصر في مجال العقوبات السجنية كما يتعلق بالمؤسسة السجنية دون غيرها. وتعتبر العقوبة السجنية حسب الفصل الخامس من المجلة الجنائية عقوبة أصلية وتشمل عقوبة السجن بقية العمر والسجن لمدة معينة.
أما المؤسسات السجنية فقد عرفها الفصل الثاني من القانون عدد 52 لسنة 2001 والمتعلق بنظام السجون بأنها "أما كن معدة لإيواء الأشخاص المودعين على الوجه المبين بالفصل الرابع من هذا القانون" ويضيف الفصل الرابع بأنه "لا يجوز إيداع أي شخص بالسجن إلا بموجب بطاقة إيداع أو بطاقة جلب أو تنفيذا لحكم أو بموجب الجبر بالسجن ".
بنظام السجون وهو ما يقصي بالتالي "مراكز الإصلاح التي تأوي الأطفال الجانحين والتي خير المشرع التعبير عنها صلب الفصل 59 من مجلة حماية الطفل بمراكز التكوين والتعليم والتي يودع بها الأطفال الجانحون لا لقضاء عقوبة سالبة للحرية وإنما تنفيذا لتدبير وقائي يتخذه قاضي الأطفال لحماية الطفل الجانح مراعيا في ذلك مصلحة الطفل الفضلى حسبما يقتضي ذلك الفصل 4 من نفس المجلة ومراقبة تنفيذ تلك التدابير خصها المشرع بإجراءات محددة صلب مجلة حماية الطفولة وأسند اختصاص الرقابة فيها لقاضي الأطفال."
إلا أن السجون حسبما نص عليه الفصل 4 من قانون 14 ماي 2001 المشار إليه سلفا تأوي المحكوم عليهم وكذلك الموقوفين تحفظيا فهل تشمل المراقبة التي يقوم بها قاضي تنفيذ العقوبات جميع نزلاء السجن؟
 

1)              بالنسبة للمحكوم عليهم :

مبدئيا يمكن القول أن مجال المراقبة التي يقوم بها قاضي تنفيذ العقوبات تشمل جميع المحكوم عليهم سواء كانوا سجناء تونسيين أو أجانب سواء كانوا يقضون مدة قصيرة أو مدة طويلة بالسجن، سواء كانوا يقضون عقوبة السجن كعقوبة أصلية أو تنفيذا للجبر بالسجن.
 إلا أن الإشكال يطرح بالنسبة لما يمكن أن نعبر عنه بالتنفيذ الوقتي، فهل يدخل هذا التنفيذ ضمن دائرة مراقبة قاضي تنفيذ العقوبات؟
الأصل أن العقـوبة السالبـة للحـريـة تنفـذ متى أصبـح الحكـم باتا (ف 338 م.إ.ج) غير أن الحكم الابتدائي قد يكون في بعض الحالات واجب التنفيذ ويخص الصورة التي لا يوقف فيها الطعن بالاستئناف تنفيذ الحكم وهي حالة الفصل 214 م.إ.ج والذي جاء فيه "يوقف تنفيذ الحكم خلال أجل الاستئناف وأثناء نشر القضية الاستئنافية غير أن بطاقة الإيداع في السجن تظل عاملة إلى انقضاء أمد العقاب المحكوم به ابتدائيا وفي صورة ما إذا كان الاستئناف بطلب من ممثل النيابة العمومية إلى أن يصدر الحكم من محكمة الاستئناف. والاستئناف الواقع بعد الأجل لا يوقف تنفيذ الحكم"، فإذا ما أحيل المتهم موقوفا وقضت ضده محكمة البداية بالإدانة والعقاب بالسجن واستأنف ذلك الحكم أو استأنفته النيابة العمومية فإن بطاقة الإيداع في السجن تبقى سارية المفعول.
كما لا تنسحب قاعدة المفعول التوقيفي للاستئناف على المحكوم عليهم بالتنفيذ الوقتي وهي حالة الفصل 173 م.إ.ج الذي جاء فيه "إذا كان المظنون فيه بحالة سراح وحكم عليه بالسجن أو بالسجن والخطية جاز للمحكمة أن تأذن فيما يتعلق بعقوبة السجن بالتنفيذ الوقتي بدون مراعاة للاعتراض أو الاستئناف."
وسواء تعلق الأمر بصورة الفصل 214 م.إ.ج أو الفصل 173 م.ا.ج. فإن التنفيذ في هذه الحالة يعد تنفيذا وقتيا لأنه يتوقف على حكم محومما لا شك فيه أن هذا التنفيذ يعد تنفيذا للعقوبة وتسري عليه بالتالي كل الأحكام القانونية والتراتيب السجنية؛ فهل يخضع هذا التنفيذ لمراقبة قاضي تنفيذ العقوبات ؟
ذهب رأي إلى أن رقابة قضاء التنفيذ تشمل التنفيذ الوقتي مثلما تشمل تنفيذ الأحكام الباتة لوحدة الغاية في الحالتين وهي حماية حقوق المحكوم عليه وضمان تحقيق أهداف السياسة العقابية، غير أن هذا الرأي لا يستقيم باعتبار أن هذا الأساس الأخير غير ممكن التحقيق في ظل نظام التنفيذ الوقتي لأن الصورة النهائية للجزاء لم تتحدد بعد ولم يعرف هل سيكون من الجزاءات القصيرة أو الطويلة، فضلا عن أن التغيير قد ينال طبيعة الجزاء ذاته. وغني عن البيان أن الأساليب والوسائل العقابية تختلف في هذه الصورة عن تلك. فهناك إذن صعوبة في تحديد أسلوب التنفيذ ونظامه. وأما إذا وقعت تبرئة المحكوم عليه ابتدائيا في الدرجة الاستئنافية أو ترتب على الاستئناف تخفيف مدة العقوبة،  فإن الجهد الذي بذله القاضي في تحديد برنامج لمعاملة السجين سيتبدد أو على الأقل سيستوجب إعادة النظر فيه.
وعلى هذا الأساس فإن مراقبة قاضي تنفيذ العقوبات لا تمتد إلى التنفيذ الوقتي للأسباب المذكورة، هذا فضلا عن أن السجين الذي لم يصدر في حقه حكم بات يعتبر حسب قانون السجون ضمن الموقوفين (مثلا فقرة 6 من الفصل 18 من قانون 14 ماي 2001)؛ مما يحصر مدار المراقبة في الأحكام التي قالت فيها المحكمة كلمتها بصورة باتة.

كمة الاستئناف التي قد تغير طبيعة العقوبة أو مدتها كما قد تقضي بعدم سماع الدعوى.

1)            بالنسبة للموقوفين تحفظيا :

يثور التساؤل أيضا عما إذا كان المتهم الموقوف تحفظيا يمكن أن يخضع لمراقبة قاضي تنفيذ العقوبات تمشيا مع افتراض أن الإيقاف التحفظي يجري تنفيذا للعقوبة التي ربما ينتهي إليها الحكم الجنائي.
لقد ذهب رأي في الفقه إلى ضرورة خضوع الموقوفين تحفظيا لمراقبة قضاء التنفيذ، باعتبار أن عددا كبيرا منهم يفرج عنهم يوم جلسة الحكم أو بعد ذلك بشهور قليلة  وبالاعتبار أن مدة الإيقاف التحفظي يقع خصمها من مدة العقوبة المحكوم بها مما يجعل تلك المدة المقضاة تنفيذا جزائيا.
وقد ذهب المشرع الليبي إلى الإقرار باختصاص قاضي التنفيذ بالإشراف على الموقوفين تحفظيا وكذلك المشرع اللبناني.
إلا أن القانون التونسي اختار المذهب القائل بخروج الموقوفين تحفظيا عن إطار مراقبة قاضي تنفيذ العقوبات ويستروح ذلك من الفقرة الأخيرة من الفصل 342 ثالثا والتي جاء فيها "وتسند تراخيص الخروج بالنسبة للموقوفين تحفظيا من قبل القاضي المتعهد بالقضية".
ويعّد هذا الاختيار التشريعي على صواب وذلك لأن الإيقاف التحفظي يختلف من الناحية القانونية عن التنفيذ الجزائي.
فالإيقاف التحفظي هو وسيلة استثنائية لا يقع اللجوء إليها إلا في حدود ضيقة وكلما ظهرت قرائن قوية تستلزم الإيقاف باعتباره وسيلة أمن يتلافى بها اقتراف جرائم جديدة أو ضمانا لتنفيذ العقوبة أو طريقة توفر سلامة سير البحث بينما يهدف التنفيذ الجزائي إلى تحقيق العقوبة التي نطق بها الحكم الجزائي.
هذا فضلا عن أن الموقوف تحفظيا يعد متهما لازال يتمتع بقرينة البراءة في حين أن المحكوم عليه قد سقطت عنه قرينة البراءة نتيجة للحكم الجنائي الذي يعدّ عنوانا للحقيقة.
ونتيجة لهذا الاختلاف القانوني تختلف المعاملة العقابية بالنسبة للموقوف تحفظيا عن المحكوم عليه إذ يمنع مثلا تشغيل الموقوفين بخلاف المحكوم عليهم؛ هذا بالإضافة إلى أن الموقوف يكون دائما تحت إشراف السلطة القضائية إلى غاية صدور الحكم.
 ويتبين على إثر شرح الأسباب وجاهة إخراج الموقوفين تحفظيا عن إطار مراقبة قاضي تنفيذ العقوبات، خاصة وأن الضمانات في فترة الإيقاف التحفظي كفلتها القواعد المنظمة للتحقيق. إلا أنه تجدر الملاحظة أن الموقوف تحفظيا قد يدخل في بعض الحالات تحت إطار مراقبة قاضي تنفيذ العقوبات وذلك كلما كان السجين موقوفا في عديد القضايا وتمت محاكمته في البعض منها أو كان محكوما عليه وتعلقت به قضايا لاحقه (الفصل 81 من النظام الداخلي للسجون) لكن لا بصفته موقوفا بل بصفته محكوما عليه.
وإذا كان الأمر محسوما بالنسبة للإيقاف التحفظي فهو ليس كذلك بالنسبة لعقوبة الإعدام فيما يتعلق بالفترة الممتدة بين صدور الحكم والتنفيذ "وهي فترة قد تمتد لمدة زمنية طويلة يقضيها المحكوم عليه بالإعدام داخل السجن في انتظار التنفيذ أو العفو عنه وحتى في صورة رفض العفو بالنسبة للمرأة الحامل مثلا لا يمكن تنفيذ الإعدام فيها إلا بعد وضع حملها فهل أن وجود المحكوم عليه بالإعدام بالسجن يدخل ضمن رقابة قاضي تنفيذ العقوبات ؟
الأصل أن المحكوم عليهم بالإعدام لا تشملهم مراقبة قاضي تنفيذ العقوبات لان النص القانوني يتحدث عن العقوبات السالبة للحرية فحسب لكن لا شيء يمنع من ذلك مادام الأمر يتعلق بوضعية (سجين) داخل مؤسسة سجنية. وما دام هذا الأخير يخضع في معاملته للتراتيب المتعلقة بالسجون، وملزم باحترامها كبقية المساجين  غير أن هذه المراقبة يجب أن تكون بصورة ضيقة ولا تصل إلى حد منح المحكوم عليهم بالإعدام الحقوق الممنوحة لبقية السجناء والمكرسة ضمن مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات ويمكن بالتالي لقاضي التنفيذ أن يقتصر فقط على زيارتهم لمراقبة ظروف الإقامة دون أن يعطى لهم حق المطالبة بمقابلة قاضي تنفيذ العقوبات أو حق الترخيص بالخروج.
يستخلص مما سبق أن قاضي تنفيذ العقوبات يختص بمراقبة الأحكام القاضية بعقوبات سالبة للحرية دون غيرها وبشرط أن تكون هذه الأحكام باتة والجدير بالذكر أن قاضي تنفيذ العقوبات وإن كان يراقب الأحكام السالبة للحرية فانه يراقب ظروف تنفيذ العقوبات ولا يختص بحل الإشكاليات العالقة بتنفيذ مثل هذه الأحكام، ولذلك فإن الرأي القائل باختصاص قاضي تنفيذ العقوبات بحل الإشكال الحاصل في التنفيذ رأي لا يستقيم لأن هذا الإشكال يبقى من اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم.
وهذا أمر بديهي لأن إشكالات التنفيذ أمور لصيقة بالحكم ولا يجوز انتزاعها من المحكمة التي أصدرته، هذا فضلا عن أن الحكم لا يعد أنه دخل مرحلة التنفيذ إلا بعد الفصل في الإشكال التنفيذي.
ولهذا الغرض فإن أغلبية التشاريع التي نظمت قضاء خاصا بالتنفيذ أبقت على اختصاص المحاكـم بالفصل في الإشكـال التنفيذي من ذلك المشرع الفرنسي الـذي جعـل اختصـاص الفصـل في إشكالات التنفيذ لقضاء الحكم (الفصل 710 م.إ.ج.ف) ولم يسنده لقاضي تطبيق العقوبات.

والمشرع التونسي إذ استبعد الفصل في الإشكال التنفيذي من اختصاص قاضي تنفيذ العقوبات فهو على صواب، إلا أن النقص يكمن في قصور المراقبة على العقوبات السالبة للحرية دون سواها.

فقرة ثانية : ضرورة امتداد المراقبة لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة

   قصر المشرع التونسي الدور الرقابي لقاضي تنفيذ العقوبات داخل المؤسسات العقابية نافيا بذلك أي دور لقاضي التنفيذ في الفضاء المفتوح في حين أن دور  قضاء التنفيذ خارج المؤسسات العقابية لا يقل أهمية عن دوره داخلها وذلك بالنظر إلى اتساع دائرة الحرية الفردية والحقوق التي يتمتع بها المحكوم عليه.

وفي هذا الإطار يثور التساؤل حول موجب إبعاد عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة من مجال مراقبة قاضي تنفيذ العقوبات؟ 

تبنى المشرع التونسي عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة بموجب القانون عدد 89 لسنة 1999 المؤرخ في  2 أوت 1999 ويمكن أن نعرف عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة بأنها "القضاء بإلزام المحكوم عليه بالقيام بعمل مجاني يحقق نفعا عاما وذلك لفائدة ذات معنوية خاضعة للقانون العام أو جمعية مرخص لها في ذلك"


      وقد حدد الفصل 17 م.ج هذه المؤسسات كما يلي "يتم قضاء العمل لفائدة المصلحة العامة بالمؤسسات العمومية أو الجماعات المحلية أو الجمعيات الخيرية والاسعافية أو الجمعيات ذات المصلحة القومية والجمعيات التي يكون موضوعها المحافظة على البيئة".

            وإذ شرع القانون التونسي عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة فذلك بغية تحقيق جملة من الأهداف أهمها أنسنة العقوبة وضمان حقوق المحكوم عليه كحقه في الحرية "وأن لا يفقد هذه الحرية لمجرد ارتكاب جرم كان من الممكن أن تسلط من اجله عقوبة غير سالبة لها، كل ذلك مع احتفاظه بعمله واحتفاظ أسرته بحقها في الانتفاع برعايته وإحاطته."

ولعل هذا الهدف يكفي وحده حتى يسند لقاضي تنفيذ العقوبات مهمة مراقبة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة حتى تصان حقوق المحكوم عليه وتكرس على الوجه الأمثل.

وقد تفطن المشرع الفرنسي إلى أهمية هذا الدور الذي يلعبه قضاء التنفيذ في مراقبة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة وهو ما جعله يسند قاضي تطبيق العقوبات عديد الصلاحيات في هذا المجال. فقاضي تطبيق العقوبات يتولى تلقي مطالب المؤسسات التي تريد الانتفاع بالعمل لفائدة المصلحة العامة ثم يتحرى في البيانات المقدمة له ومن ثم وبعد فحصه لشخصية المحكوم عليه، يحدد المؤسسة التي سيعمل لديها هذا الأخير.

وقبل مباشرة المحكوم عليه للعمل يخضع لفحص طبي إجباري لبيان هل يحمل أمراضا معدية أو خطيرة وبيان قدرته على إتمام العمل من عدم ذلك كما يتم إجراء التأمين ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية مع إعتبار إدارة السجون  هي  المؤجر وتتولى دفع مستحقات التأمين ويتمتع المحكوم عليه بنظام الحيطة الاجتماعية والتراتيب المتعلقة بحفظ الصحة والسلامة المهنية في حين تتحمل الدولة مسؤولية الأضرار الناجمة للغير بمناسبة تنفيذ العمل لفائدة المصلحة العامة.

كما يمكن لقاضي تطبيق العقوبات تعليق العمل وقتيا لأسباب خطيرة طبية أو عائلية أو مهنية أو اجتماعية.

وهكذا يتضح أن قضاء التنفيذ عندما يراقب تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة سيتمكن من ملاءمة هذه العقوبة بما يتماشى ومؤهلات المحكوم عليه وشخصيته لأن قاضي التنفيذ عندما يختار المؤسسة التي ستحتضن المحكوم عليه سيراعي إمكانيات هذا الأخير ومعارفه.

غير أن المشرع التونسي أوكل مهمة السهر على تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة إلى إدارة السجون تحت إشراف النيابة العمومية حسب مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 336 جديد م.إ.ج، وإن كانت هذه الفقرة تجد مبررها في أن إقرار عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة جاء سابقا زمنيا لإقرار مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات فإنه لم يعد لها أي مبرر بعد تكريس مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات.

ويبدو أن المشرع قد تفطن لوجود هذه الثغرة في القانون التونسي مما جعله يعد مشروعا يخص توسيع صلاحيات قاضي تنفيذ العقوبات بما يقر لهذا الأخير الحق في متابعة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة عوضا عن إدارة السجون.

وينص الفصل 336 : فقرة ثالثة من المشروع على ما يلي "يتولى قاضي تنفيذ العقوبات القيام بالأعمال التالية :

-                         تحديد المؤسسة التي سيتم بها تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة اعتمادا على القائمة المعدة تطبيقا لإحكام الفصل 17 من المجلة الجنائية والتحقق من توفير الحماية الكافية بها ضد حوادث الشغل والتغطية الصحية في حالة الإصابة بمرض مهني.

-                            إعلام المحكوم عليه بمقتضيات الفصلين 336 مكرر و 344 من هذه المجلة.

-                         تحديد العمل الذي سيقوم به المحكوم عليه وجدول أوقاته ومدته وعرضه على موافقة وكيل الجمهورية".

 

ويستوجب هذا النص إبداء بعض الملاحظات نسوقها كالآتي :

 

    إن مختلف الصلاحيات المحددة بهذا النص كانت تضطلع بها الإدارة العامة للسجون والإصلاح ووقع نقلها لصالح قاضي تنفيذ العقوبات بمعنى أن هذا الأخير لا يتمتع بصلاحية جديدة.

    يقوم قاضي تنفيذ العقوبات بعرض المحكوم عليه على الفحص الطبي؛ لكن الإشكال يكمن فيما إذا اتضح أن المحكوم عليه غير مؤهل للعمل بالمرة أو أنه مصاب بمرض معدي يخشى منه على العاملين بمؤسسة الاحتضان. نلاحظ أن القانون لم يسند أية صلاحية لقاضي تنفيذ العقوبات في مثل هذه الصورة. 

    خلافا للقانون الفرنسي قاضي تنفيذ العقوبات لا يتلقى عروض المؤسسات الراغبة في الانتفاع بالعمل لفائدة المصلحة العامة وإنما يحدد المؤسسة اعتمادا على قائمة معدة مسبقا، لكن يمكن لقاضي تنفيذ العقوبات أن يراقب مدى ملاءمة هذه المؤسسات للتنفيذ وأما بالنسبة لتحديد المؤسسة بالنسبة للمحكوم عليه فيمكن لقاضي تنفيذ العقوبات أن يختار المؤسسة القريبة من مقر هذا الأخير أو من مقر عمله.

    يمكن لقاضي تنفيذ العقوبات أن يحدد العمل الذي سيقوم به المحكوم عليه بما يلائم مؤهلاته ولاشيء يمنع القاضي من مسايرة ميولات المحكوم عليه في اختيار نوع العمل.

    يمكن لقاضي تنفيذ العقوبات عندما يحدد جدول أوقات المحكوم عليه أن يضبطه بطريقة لا تعرقل قيام هذا الأخير بواجباته المهنية والتزاماته الشخصية وذلك حرصا على عدم إحراج المحكوم عليه بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة في محيطه المهني والعلائقي والسعي في ضمان تنفيذ العقوبة من هـذا البعد.

كما يمنح مشروع توسيع صلاحيات قاضي تنفيذ العقوبات الحق لهذا الأخير في تعديل التدابير المتخذة لصالح المحكوم عليه، ذلك أنه يمكن أن يطرأ على التنفيذ بعض المشاكل بخصوص الاندماج بالمؤسسة أو غير ذلك من المشاكل مما يسمح للقاضي بالتدخل لتعديل مقتضيات التنفيذ بما يتماشى ومؤهلاته.

كما يمكن له في هذا الإطار أن يراقب "تمتع المحكوم عليه بحقوقه كعدم تعرضه للاستغلال الفاحش من طرف المؤسسة أو حصول ضرر له جسمي أو نفسي وبعدم تعرضه للإهانة أو المس من اعتباره كإنسان".

 هذا ويخوّل المشروع أيضا لقاضي تنفيذ العقوبات صلاحية تعليق تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة وذلك "لأسباب صحية أو عائلية أو مهنية أو عند إيداع المحكوم عليه بالسجن من أجل جريمة أو عند قضاء الخدمة الوطنية"، ولئن كانت أسباب التعليق محصورة إلا أنه يمكن لقاضي تنفيذ العقوبات أن يجتهد فيما يخص الأسباب العائلية أو الصحية وكذلك المهنية.

ويمكّن تعليق العقوبة من تفريد العقوبة وملاءمتها مع ظروف المحكوم عليه بحيث لا يقع التنكيل به أو تعذيبه وذلك بفرض تدابير فوق طاقته ودون وسعه بما يسمح لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة أن تؤدي الهدف المرجو منها وهو إصلاح المحكوم عليه وإعطاءه فرصة جديدة للرجوع إلى الجادة لا التنكيل به.

وإذا كان إطار المراقبة كما حددناه يبرز بوضوح وجه الاختلاف في تدخل قاضي تنفيذ العقوبات عن باقي أعضاء السلطة القضائية في مجال التنفيذ الجزائي فإن غاية المراقبة المسندة لقاضي التنفيذ تبرز هذا الاختلاف بأكثر دقة.


 


 



عن الكاتب

الذخيرة القانونية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذخيرة القانونية